حرب منخفضة التكلفة وعالية الفعالية

صفقة تاريخية بمليارات الدولارات.. أوكرانيا وأمريكا تُشعلان «ثورة الدرونز»

صفقة تاريخية بمليارات الدولارات.. أوكرانيا وأمريكا تُشعلان «ثورة الدرونز»


تتجه أوكرانيا وواشنطن نحو اتفاق تاريخي لتقاسم تكنولوجيا الطائرات المُسيّرة، وهو ما يُعد خطوة استراتيجية غير مسبوقة في العلاقات الأمنية بين البلدين. 
وبحسب صحيفة “وول ستريت جورنال”، يصل فريق أوكراني بقيادة نائب وزير الدفاع سيرجي بوييف إلى واشنطن هذا الأسبوع لوضع تفاصيل الاتفاق الذي قد تصل قيمته إلى مليارات الدولارات، بموجب حصول أوكرانيا على تعويضات مالية أو إتاوات مقابل مشاركة خبرتها القتالية والتقنية مع الولايات المتحدة.
وتأتي هذه الخطوة بعد سنوات من التعاون العسكري الأمريكي مع كييف، والتي تضمنت تزويد الجيش الأوكراني بأسلحة متقدمة، بما في ذلك عبر ترتيبات أوروبية لدعم أوكرانيا بالأسلحة. 
لكن ما يميز الصفقة الجديدة هو محوريتها حول الابتكار الأوكراني في صناعة الطائرات المسيرة، إذ تمكنت أوكرانيا من إنتاج أكثر من مليوني طائرة مُسيّرة العام الماضي، بتكلفة أقل بنسبة 20% إلى 30% من مثيلاتها الغربية، مع قدرة على الإنتاج الكمي والتكتيكات المتقدمة في ساحة المعركة.
هذه الطائرات الرخيصة والفعالة أصبحت أداة مركزية في الحرب ضد القوات الروسية الأكبر حجمًا والأفضل تجهيزًا، وهو ما جعل الغرب يدرك القيمة الاستراتيجية للخبرة الأوكرانية. 
وترى الشركات الأمريكية اليوم في هذه التكنولوجيا ميزة تنافسية حيوية، بحسب ويليام ماكنولتي، شريك في صندوق UA1 الأمريكي: “إنها حقيقة، أننا بحاجة إلى تكنولوجيا الطائرات الأوكرانية في الولايات المتحدة».

أبعاد الصفقة العسكرية والسياسية
تمثل الصفقة خطوة سياسية محورية أيضًا لأوكرانيا، التي تسعى لتعزيز تحالفاتها مع إدارة ترامب، خصوصًا بعد التذبذب الملحوظ في الدعم الأمريكي. 
وقد أشار الرئيس زيلينسكي إلى أن اتفاقية الطائرات المسيرة تأتي ضمن حزمة أكبر تشمل صفقة أسلحة بعشرات المليارات من الدولارات، من بينها صواريخ بعيدة المدى لتعزيز القدرات الدفاعية والهجومية لأوكرانيا.
بالنسبة للولايات المتحدة، تتيح الصفقة تمكين القوات الأمريكية من الاستفادة من الابتكارات الأوكرانية في الطائرات المسيرة منخفضة التكلفة، وتطبيق البيانات المستقاة من التجربة القتالية في أوكرانيا على عملياتها المستقبلية.
 ويأتي ذلك في وقت تنظر فيه واشنطن في إمكانية تزويد أوكرانيا بأسلحة بعيدة المدى، بما في ذلك أنظمة ATACMS وصواريخ GMLRS وقاذفات HIMARS، مع توفير معلومات استخباراتية لدعم ضربات كييف الاستراتيجية.
كما تتضمن الصفقة أحكامًا لضمان التقليل من الاعتماد على المكونات الصينية في الطائرات الأوكرانية، ما يجعلها مناسبة للاستخدام العسكري الأمريكي ويعزز أمن سلسلة الإمداد.
ويؤكد المسؤولون الأمريكيون أن أي اتفاق لن يقتصر على التكنولوجيا فقط، بل يشمل أيضًا الوصول إلى بيانات ساحة المعركة وتحليل تكتيكات القتال الفعالة، والتي تعتبر ثروة غير متاحة في أي سوق تقليدي.
أثبتت أوكرانيا قدرتها على الابتكار السريع في الحرب، مستغلة الطائرات المسيرة لتوجيه ضربات دقيقة رغم الإمكانيات المحدودة مقارنة بالجيش الروسي. 
كما جعل استخدام الطائرات البحرية، الطائرات الهجومية منخفضة التكلفة، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في التحكم، كييف نموذجًا فريدًا في تحويل الابتكار المدني والعسكري إلى أدوات فعالة في ساحة المعركة.
وبدأت العديد من الشركات الأوكرانية، مثل فرونتلاين وسكايتون، بالفعل في التوسع إلى أوروبا، لإنتاج الطائرات المسيرة هناك وضمان أمن خطوط الإنتاج. 
وعلى سبيل المثال، وقعت الحكومة البريطانية اتفاقية مع كييف لإنتاج نظام “أخطبوط” لاعتراض الطائرات دون طيار، بينما استثمرت شركة ألمانية في شركة أوكرانية لتوسيع الإنتاج. 
وتظهر هذه التحركات أن الابتكار الأوكراني لم يعد محصورًا بساحة المعركة المحلية، بل أصبح عنصرًا استراتيجيًا لصناعات الدفاع الغربية.
ويشير المحللون إلى أن قدرة أوكرانيا على إنتاج طائرات مسيرة منخفضة التكلفة بكميات كبيرة هي ميزة استراتيجية لم تتوفر لدى أي دولة غربية حتى الآن، وتفتح الباب أمام تطوير أساليب جديدة في الحرب والتكنولوجيا الدفاعية الأمريكية.

الفرص الاقتصادية 
تسعى واشنطن إلى استثمار الصفقة لتحقيق عدة أهداف استراتيجية: أولًا، الوصول المباشر لتكنولوجيا وخبرة قتالية أثبتت فعاليتها في معارك فعلية. 
ثانيًا، تعزيز الصناعة الدفاعية الأمريكية من خلال دمج التصاميم الأوكرانية وإنتاج الطائرات في الولايات المتحدة أو عبر شركات فرعية. ثالثًا، دعم أوكرانيا بالأسلحة المتقدمة لضمان استمرار موقفها الدفاعي ضد روسيا، بما يحقق توازنًا استراتيجيًا في أوروبا الشرقية.
كما تتراوح آليات الصفقة بين شراء الطائرات مباشرة، أو إنشاء فروع إنتاج أمريكية لشركات أوكرانية، أو صفقات ملكية فكرية مقابل إتاوات، وهو ما يعكس مرونة كبيرة للطرفين. 
كما أن الإدارة الأمريكية ترى في الصفقة فرصة لتعزيز الأمن الوطني عبر دمج الطائرات المسيرة في عملياتها المستقبلية، مع القدرة على استخدام الخبرة الأوكرانية في بيئات قتالية متنوعة.
إضافة إلى أن الصفقة أيضًا لها بعد اقتصادي مهم، إذ ستفتح الأسواق الأمريكية أمام أكثر من 300 شركة أوكرانية متخصصة في الطائرات المسيرة، وهو ما يعزز الاستثمارات المشتركة ويخلق شراكات طويلة الأمد بين كييف وواشنطن، إضافة إلى شركات غربية أخرى، خصوصًا في بريطانيا وألمانيا والدنمارك، التي بدأت بالفعل في دمج التكنولوجيا الأوكرانية ضمن صناعاتها الدفاعية.
تمثل صفقة الطائرات المُسيّرة بين أوكرانيا والولايات المتحدة نموذجًا جديدًا للتعاون العسكري والتكنولوجي الدولي. فهي تمكّن الولايات المتحدة من الاستفادة من الابتكار الأوكراني في ساحة المعركة، بينما تمنح كييف الدعم العسكري والسياسي الضروري لمواجهة روسيا. كما أنها تعكس أهمية دمج التكنولوجيا المحلية في الإنتاج الصناعي العالمي، وتوضح كيف يمكن للابتكار في الحروب الحديثة أن يتحول إلى سلعة استراتيجية ذات قيمة عالية على الصعيد الدولي.