ضعف موسكو في الشرق الأوسط.. رسائل تحذيرية إلى بكين وواشنطن

ضعف موسكو في الشرق الأوسط.. رسائل تحذيرية إلى بكين وواشنطن


تناول الكاتبان مايكل ماكفول، سفير سابق للولايات المتحدة لدى روسيا، وأستاذ في جامعة ستانفورد، وعباس ميلاني، مدير برنامج الدراسات الإيرانية في معهد هوفر، وأستاذ زائر في جامعة ستانفورد، تحوّل المكانة الجيوسياسية لروسيا في الشرق الأوسط، بعد سنوات من التمدّد عبر تحالفات مع إيران وسوريا، وعلاقات براغماتية مع إسرائيل.
وقال الكاتبان، في مقال مشترك بموقع مجلة «فورين أفيرز»، إن سلسلة من الأحداث المتسارعة، لا سيما بعد أكتوبر -تشرين الأول 2023، كشفت هشاشة الدور الروسي، وتآكل قدرته على التأثير، مما يفرض دروساً استراتيجية لكل من الصين والولايات المتحدة.
وأضاف الكاتبان: استطاع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال العقد المنصرم، أن يقدّم نفسه كبديل عن واشنطن لبعض حلفاء الولايات المتحدة التقليديين في الشرق الأوسط، خاصة في ظل انشغال الإدارات الأمريكية السابقة بنشر الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وتابع الكاتبان: «عبر تحالفه مع إيران وسوريا، وتقديمه نفسه كشريك أكثر مرونة لإسرائيل، بدا أن موسكو استعادت موقعها في المنطقة، لا سيما بعد تدخلها العسكري في سوريا عام 2015.»

اجتياح أوكرانيا:
 بداية الانكشاف
أوضح الكاتبان أن الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022 شكّل أول اختبار حقيقي لهذا الدور، إذ اختارت معظم دول الشرق الأوسط الصمت، بما فيها إسرائيل، ورغم ذلك، حافظت موسكو على حضورها حتى جاءت هجمات 7 أكتوبر -تشرين الأول 2023، والتي غيّرت المعادلة.
وقال الكاتبان إن اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس، ثم حزب الله، وانهيار النظام السوري، وتعرّض المنشآت النووية الإيرانية لهجمات أمريكية إسرائيلية مشتركة، كلها كشفت حدود النفوذ الروسي، الذي بدا عاجزاً عن حماية أقرب حلفائه.

عجز روسي ورسائل صامتة
أضاف الكاتبان أن روسيا، إزاء هذه التطورات، اكتفت بإصدار بيانات تنديد لفظية، دون أي دعم ملموس لطهران أو دمشق. وقالا: «هذا الصمت، بل هذا العجز، أسقط الصورة التي حاولت موسكو ترسيخها كقوة ضامنة أو كفيلة لحلفائها في المنطقة.» وأشارا إلى أن هذه الهشاشة الاستراتيجية لا بد أن تثير قلق بكين، التي قد تفكر مرتين قبل الاعتماد على موسكو في حال اندلاع صراع إقليمي أو عالمي، لا سيما في قضية مثل تايوان.

تفكك التحالفات وتراجع الثقة
وتابع الكاتبان تحليلهما بالقول إن التحالفات التي بنتها روسيا على مدى سنوات بدأت في التآكل، بدءاً من فقدان النفوذ في غزة ولبنان، وانتهاء بانهيار نظام الأسد عام 2024.
وأوضحا أن هذا الضعف أثار استياءً في طهران، حيث وجّه الإعلام التابع للحرس الثوري انتقادات مباشرة لموسكو. كما بدأت أصوات إيرانية معارضة بالتذكير بتاريخ روسيا الطويل في التدخل بالشأن الإيراني، ما أثار شكوكاً داخلية حول جدوى التحالف مع الكرملين.
أشار الكاتبان إلى أن إسرائيل خففت من اعتمادها على موسكو كوسيط أو ضامن، خاصة مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، مما قلّل الحاجة الإسرائيلية إلى علاقات توازن مع روسيا.

دروس للصين وتحذيرات لواشنطن
رأى الكاتبان أن فشل روسيا في الوقوف مع حلفائها يجب أن يُقرأ جيداً في بكين. وقالا: «إن الصين، إذا كانت تفكر في تنسيق وثيق مع موسكو في صراع محتمل حول تايوان، فعليها أن تضع في الحسبان أن روسيا لم تقف حتى مع شركائها التقليديين في لحظات الخطر.» وفي المقابل، دعا الكاتبان واشنطن إلى التخلّي عن فكرة «فصل موسكو عن بكين»، وهي سياسة طُرحت في عهد ترامب، تقوم على محاولة جذب روسيا بعيداً عن الصين. وأضافا: «هذا الرهان لم يعد صالحاً، فبوتين لا يلتزم حتى مع الأنظمة الاستبدادية الأقرب له.»

خاتمة: الحليف الطارئ
اختتم ماكفول وميلاني مقالتهما بالتأكيد على أن روسيا تحوّلت إلى «حليف طارئ»، يظهر وقت الراحة ويختفي وقت الشدّة. وقالا: «ما كشفته أحداث الشرق الأوسط بعد 2023 هو أن روسيا ليست سوى قوة رمزية لا يمكن الاتكال عليها عند الأزمات.» وبالنسبة للصين، فإن الاعتماد على موسكو سيكون مغامرة غير محسوبة. أما بالنسبة للولايات المتحدة، فالفرصة متاحة لبناء تحالفات أوثق في المنطقة، شريطة التخلي عن أوهام التقارب مع الكرملين، الذي أثبت محدوديته وضعفه.