عراك وتبادل إطلاق نار... خلافات طالبان الداخلية إلى العلن

عراك وتبادل إطلاق نار... خلافات طالبان الداخلية إلى العلن


حصلت مجلة “إيكونوميست” على معلومات تؤكد نشوب خلافات عنيفة بين فصائل مختلفة في حركة طالبان بعد استلامها السلطة.
تشير المجلة بدايةً إلى أن القصر الرئاسي في كابول شهد نصيبه من الخلافات الحادة بين السياسيين. وهذا ما حصل في السنوات الأخيرة عندما اندلعت مشاحنات مريرة بين الرئيس السابق أشرف غني ونائبه عبدالله عبدالله.
ويقال إن الرئيس السابق تلقى دروساً في التحكم في الغضب، وفي مرحلة من المراحل، أقام غني وعبدالله احتفالات لتنصيب نفسه لأنهما اختلفا على أحقيتهما في الحكم. لكن حتى بهذه المعايير الانقسامية، بدا الخلاف الداخلي الأخير بين طالبان، أكثر حدة.

بدأت المشكلة في أواسط سبتمبر (أيلول) الماضي، بعد أيام قليلة من إعلان طالبان تشكيل الحكومة الانتقالية، وقيل إن الملا عبد الغني برادار، أحد مؤسسي الحركة ونائب رئيس الحكومة، استاء من اكتظاظ الحكومة بمحافظين من الحرس القديم والمتشددين العسكريين من شبكة حقاني، الفصيل الأساسي في نسيج التحالفات الذي تتشكل منه طالبان.
ورد وزير اللاجئين وكبير قبيلة حقاني، خليل حقاني بالقول إن المتشددين العسكريين هم الذين ضمنوا الانتصارات، وبالتالي عليهم أن يحصلوا على المكافأة.

وتشير غالبية التقارير إلى أن الخلاف تحول إلى تبادل للكلمات الغاضبة، وذهب البعض إلى القول إن الأمور تطورت إلى أبعد من ذلك، وصولاً إلى تبادل اللكمات، وإطلاق النار، وشجار بين حاشية القيادة. وبقي برادار الذي يعد واحداً من معتدلي طالبان نسبياً في قندهار بعدها أياماً عدة، وتكهن البعض بأنه أصيب.
تضيف المجلة أن طالبان تنفي أي صدام. وعاد برادار إلى كابول ويدير الأعمال الرسمية حيث يبدو أنه لم يتعرض للأذى رغم أنه خسر الحجة، لكن التقارير سلطت الضوء على الخلافات السياسية الداخلية لمجموعة عملت قيادتها لفترة طويلة في الظل، والتي فهم رجال الاستخبارات ودارسوها ديناميتها بشكل غير كامل.

يقول أنطونيو جوستوزي من جامعة كينغز كولدج إن الخلافات لا يجب أن تفاجئ أحداً بالنظر إلى تنوع الفصائل داخل طالبان.
ومع توسع المجموعة وتجاوزها لجذورها، ابتلعت وتبنت جميع أنواع الشبكات والقيادات المقاتلة، وتشكل شبكة حقاني فقط، المجموعة الأكثر شهرة. لم يؤد ذلك إلى حركة تمرد تسيطر عليها قيادة مركزية على النمط الماوي، لكن إلى تحالف قادة عسكريين مرتبطين ببعض المعتقدات الأساسية.

توضح المجلة أن سرية طالبان في سنوات التمرد العشرين أخفت بعض هذه الخلافات، لكن توتراً ملحوظاً اندلع في 2015 بعد عامين من موت مؤسس الحركة الملا محمد عمر.
أطلق تعيين خلفه الملا أختر منصور، والذي اغتيل لاحقاً، معارضة كبار قادة طالبان ومن بينهم نجل عمر، وأدى ذلك إلى فوضى مؤقتة، مع تنازع فصائل مختلفة على السلطة.
وهنالك أيضاً انقسامات أيديولوجية مستمرة. تشمل نطاق تنفيذ السياسات الاجتماعية وصولاً إلى ما إذا كان يجب قطع العلاقات مع القوى الجهادية الأجنبية مثل القاعدة.

بالنظر إلى هذه الاختلافات، فإن ما يجب أن يثير الانتباه ربما، هو حفاظ الحركة على اتحادها عوض انقسامها. ويرى جوستوزي أن إبقاء طالبان على الرابط بين فصائلها رغم الاحتكاك المستمر في ما بينها هو “أعظم مهاراتها”، وذلك بفضل العمل الدؤوب، حسب ما يقول هارون رحيمي من الجامعة الأميركية في أفغانستان.
قد تكون الحركة معروفة بإصدار مراسيم استبدادية على الأفغان، لكنها تبذل قصارى جهدها للسعي إلى إجماع داخلي. هناك احترام للأقدمية الدينية والخبرة العسكرية، لكن المسائل الخلافية تناقش بشدة في مجالس كبرى تعرف باسم مجالس الشورى.
وسمح لبعض الفصائل مثل شبكة حقاني ببعض حرية الحركة. وفي حالات معينة، توسطت القوى الأمنية الباكستانية بين الفصائل المتناحرة. قد تخفف هذه المداولات التوترات لكنها قادرة أيضاً على جعل الحركة محافظة ومترددة. وتُطابق السياسات مع القاسم المشترك الأدنى بين الفصائل للحفاظ على التوافق، ما يجعل تغير طالبان صعباً.

وبالفعل، يبدو أن الخطوات السياسية المبكرة لم تظهر أي تطور كبير في حكمها رغم تعهدها بالتخلي عن أسلوب القمع الذي استخدمته في بداية التسعينات.
لقد عاد الشنق على مرأى العموم وقطع أيدي اللصوص. كذلك، طردت النساء من أماكان العمل. وقد تفسر هذه السياسات لماذا امتنعت دول مثل باكستان عن الاعتراف بطالبان، علماً أنها فعلت ذلك في السابق.
وحسب إيكونوميست، جذبت السلطة تحديات جديدة لنظام طالبان الداخلي. ففي التسعينات، وقفت المقاومة التي لم تخمد قط حائلاً دون انفراط عقد الحركة، وساعدتها في الحفاظ على وحدتها. لكن طالبان تحكم الآن كامل البلاد دون أن ينازعها أحد تقريباً.

إن آلاف المقاتلين الذين اعتنقوا ثقافة القتال لا يجدون ما يفعلونه الآن. ولن يفوز كل قائد عسكري بمنصب في الحكومة الجديدة. هناك القليل من الأموال لكل الذين وصلوا إلى الحكم. ويضيف رحيمي  “أعتقد أن الخلافات داخل القيادة العليا تشتت انتباهنا عن الضغط المفروض على طالبان من الأدنى، من مقاتليها».
يتحدث رئيس معهد دراسات الحرب والسلام في كابول تميم أسي عن “الفوضوية الجهادية”. ثمة فروع لطالبان في بعض المحافظات تظهر مؤشرات على تشكيكها في حكم طالبان.

ويقول أسي إن “التحول من ميليشيا إلى حكومة مكلف لها، ويبدو مؤلماً”. يعود بعض المقاتلين إلى الحياة المدنية، بينما يحن آخرون إلى أيام القتال.
ووبخ وزير الدفاع الجديد مقاتلين على قلة انضباطهم واشتكى من الانتقامات، رغم أن القيادة أصدرت عفواً عن أركان النظام السابق. وانتقد أيضاً المقاتلين الذين يلتقطون السيلفي داخل الوزارات لتسببهم في إفشاء أسرار.
ترى المجلة البريطانية نفسها أن التلميحات إلى انشقاقات في طالبان كانت تفرح الغربيين، ولكن الأمر تغير. إذ يمكن للانقسامات الخطيرة أن تدفع البلاد نحو حرب أهلية، تعزز الأزمة الإنسانية، وتثير أزمة لاجئين.
إن انشقاقاً يمكن أن يشجع المقاتلين على الانضمام إلى مجموعات مقاتلة وإرهابية أخرى مثل داعش. إلى الآن على الأقل، حتى أعداء طالبان السابقون يأملون أن تتمكن المجموعة من الحفاظ على تماسكها.