رهائن مقابل آلاف الدولارات

عصابات منظمة تستغل توق السوريين للهجرة

عصابات منظمة تستغل توق السوريين للهجرة


في الثاني والعشرين من أيار- مايو الماضي، كان معد التحقيق يتابع مع عائلة خليل وحسن، وهما سوريان كرديان في الخمسينيات من عمرهما، عملية مفاوضات عسيرة جرت عبر الهاتف بين العائلة وشبكة اختطاف منظمة، احتجزتهما رهينتين في ريف حمص بهدف الحصول على فدية بلغت 30 ألف دولار أمريكي. في تمام الساعة الواحدة بعد منتصف ليل ذلك اليوم، انتهت المفاوضات بتسليم المبلغ للشبكة مقابل إطلاق سراحهما، ليعودا في اليوم التالي إلى منزلهما في القامشلي شمال شرقي سوريا، بعد أن قاسيا أياما عصيبة في ريف حمص وسط البلاد حيث مقر المختطفين.
منذ نهاية العام الفائت، وحتى نهاية أيار- مايو الماضي، وثق التحقيق نجاة 14 شخصا نصفهم نساء في محافظة الحسكة، من قبضة شبكات تزعم قدرتها على تهريب الأشخاص إلى لبنان ومنها إلى أوروبا.
وتستمر عمليات الاختطاف في مناطق بالبلاد التي مزقتها الحرب المستمرة منذ 11 عاما، وسط تقاعس الجهات صاحبة العلاقة عن وضع حد لهذا الملف الشائك والذي يسبب جرحا غائرا في وجدان السوريين، سواء أولئك المقيمون في المناطق التابعة للحكومة السورية، أو في مناطق الإدارة الذاتية الكردية.

الوقوع في المصيدة
تبدأ عملية استدراج الضحايا انطلاقا من حسابات ومجموعات عامة في موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك). يعلن فيها أحدهم عن توفر طريق للخروج من سوريا باتجاه الدول الأوروبية مع تدوين أرقام هواتف غير سورية، وبعد ساعات من رمي هذا الطعم تحذف الحسابات أو الإعلان، ما يصعّب عملية التتبع. بهذه الطريقة وقع كل من خليل وحسن وغيرهما في مصيدة هذه الشبكات، ونجوا منها بعد تعرضهم لتعذيب جسدي ونفسي، وبعد دفع عائلاتهم مبالغ طائلة.
يقول محمود (اسم مستعار)، وهو قريب الضحيتين، وتولى عملية التفاوض مع الخاطفين لدفع الفدية: “في البداية جرى الاتفاق مع الشبكة على السفر بسلاسة».
في 17 أيار- مايو 2022، استقل قريباه سيّارة أجرة من القامشلي في المناطق التابعة للإدارة الذاتية، باتجاه حمص التابعة لسلطة الحكومة السورية، وما إن وصلا ريف المدينة حتى انقطع الاتصال بهما.

في اليوم التالي تلقّت العائلة اتصالا من مجهول يفيد بأنهما محتجزَان كرهائن، وستتم تصفيتهما إن لم تدفع العائلة فدية قدرها 30 ألف دولار أمريكي. أرسل الخاطفون بعدها صورا للرجلين وهما في حالة مزرية، حيث كانا شه عاريين، وتظهر عليهما آثار ضرب وتعذيب. يقول محمود لـ”إرم نيوز”: “من هول الصدمة لم نعرف كيف نتصرف. حاولنا الاتصال مع أشخاص مقربين منا إلى أن توصلنا إلى رقم عائلة مرت بنفس الموقف قبل فترة وجيزة». وبعد مفاوضات استمرت لثلاثة أيام اتفق الطرفان على المبلغ وآلية الاستلام والتسليم. في اليوم الخامس انطلقت سيارة أجرة من القامشلي مع شخص من العائلة ومعه المبلغ المتفق عليه وجرت العملية في ريف حمص. في ذلك اليوم بات المُفرَج عنهما مع قريبهما والسائق في حمص، ثم عادوا في اليوم التالي إلى القامشلي بعد خوض تجربة مريرة كان من الممكن أن تسفر عن مقتلهما.

أوضاع مزرية وأرقام صارخة
في 20 حزيران- يونيو الفائت، وجهت الأمم المتحدة نداء إلى مجلس الأمن ليجدد آلية إيصال المساعدات إلى سوريا عبر الحدود واصفة ذلك بأنه “واجب أخلاقي».
وفي مستهل الجلسة، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إن “الوضع الإنساني في سوريا لا يزال مزريا بالنسبة لملايين الأطفال والنساء والرجال في جميع أنحاء البلاد». وأضاف: “الاحتياجات في أعلى مستوياتها منذ بداية الحرب قبل أكثر من 11 عاما.. تستمر أكبر أزمة لاجئين في العالم في التأثير على المنطقة والعالم».
وأورد تقرير للأمم المتحدة في ذات الاجتماع أرقاما صارخة حول الوضع الإنساني في سوريا، إذ يحتاج 14.6 مليون شخص إلى المساعدة الإنسانية، ويعاني 12 مليون شخصا من انعدام الأمن الغذائي.
ولا يعرف هؤلاء المواطنون مصدر وجبتهم التالية، إذ يعيش 90% من السكان تحت خط الفقر.. والبنية التحتية متداعية ودمرت بسبب سنوات من الصراع، وانخفض النشاط الاقتصادي إلى النصف خلال عقد من الصراع والأزمات المالية الإقليمية والعقوبات وجائحة كوفيد-19.
وتوقع البنك الدولي انكماش الاقتصاد أكثر هذا العام. وفي هذا السياق، ناشد الأمين العام المانحين دفع التعهدات السخية التي تعهدوا بها في مؤتمر المانحين السادس في بروكسل، وزيادة دعمهم.

الهجرة بأي طريقة
تدفع هذه الأوضاع السكان إلى التفكير بالهجرة بأي طريقة حتى لو لم تتوفر شروط السلامة. ففي شمال شرقي سوريا حيث تسيطر الإدارة الذاتية الكردية على معظمها يحاول العشرات عبور الحدود إلى تركيا ومنها إلى أوروبا. كما يختار البعض طرق التهريب إلى إقليم كردستان العراق، إلى جانب طرق التهريب إلى الداخل السوري ومنها إلى لبنان وليبيا والجزائر.
وغالبا ما يتعرض الفارون من الأوضاع الاقتصادية المزرية وغياب الأمن، إلى مخاطر كبيرة ويفقد بعضهم حياته قبل الوصول إلى مبتغاه. في الثالث من تشرين الأول- أكتوبر الماضي، غرق قاربان يقلان مهاجرين غير شرعيين قبالة السواحل الجزائرية، ما أسفر عن وفاة العديد ممن كانوا على متنهما، ومعظمهم من مدينة عين العرب (كوباني) ذات الغالبية الكردية الواقعة على الحدود مع تركيا.
وقالت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” في تقرير لها، إن 18 شخصا من المدينة لقوا حتفهم في الحادثة، فيما وصلت جثامين 10منهم إلى ذويهم في كوباني مطلع تشرين الثاني- نوفمبر.

وفي مقابلة خاصة لـ”إرم نيوز”، يقول مصطفى عبدي مدير مركز توثيق الانتهاكات، إن: “معدل النزوح من مناطق الشمال السوري زاد بشكل مفرط». ووثق المركز منذ بداية هذا العام “أعدادا كبيرة من المهاجرين غالبيتهم من الشباب، اتجهوا إلى لبنان ومنها إلى بنغازي الليبية جواً، وثم إلى مدينة وهران الجزائرية براً عبر الصحراء وسط المخاطر». وبحسب عبدي فإنه في مدينة وهران تنتشر “شبكات تهريب البشر التي تقوم بإقناع هؤلاء بإمكانية نقلهم بقوارب إلى اسبانيا، وهي رحلة خطيرة جداً حيث فقد العشرات حياتهم غرقاً وآخرين تم خداعهم ونهبت أموالهم أو اعتقلوا».