الولايات المتحدة تعيد تعريف استراتيجيتها

عقيدة بايدن الجديدة: إنهاء الحروب «غير الأساسية»

عقيدة بايدن الجديدة: إنهاء الحروب «غير الأساسية»

- بعد عقدين من المغامرات العسكرية في آسيا الوسطى والشرق الأوسط، تعلمت أمريكا درسين
- اقترن ضعف الولايات المتحدة الداخلي بفقدان النفوذ الدولي بسبب حروبها البعيدة


بعد عشرين عامًا في أفغانستان والشرق الأوسط، تعيد الولايات المتحدة تعريف استراتيجيتها. أولوية واحدة: مواجهة الصين وروسيا.
   ألقاه الثلاثاء، منح أول خطاب له عقب انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان في 30 أغسطس، الرئيس الأمريكي جو بايدن فرصة لرسم الخطوط العريضة لعقيدة دولية جديدة. بعد عقدين من المغامرات العسكرية في آسيا الوسطى والشرق الأوسط، تعلمت أمريكا درسين: تصدير الديمقراطية ليس هدفًا عقلانيا ومعقولا، وان الحرب على الإرهاب، كما تم شنها حتى الآن، أرهقت أمريكا.

   «سنتوقف عن شن عمليات لإعادة بناء دول أخرى”، أعلن الرئيس قبل أن يذكّر أنه خلال عقدين من الزمن، “تحولت مهمة مكافحة الإرهاب إلى حرب لمكافحة التمرد”. وصرّح جو بايدن علنًا، أن الطموح -الذي كان طموح جورج دبليو بوش -للقيام “ببناء الأمة” (إعادة بناء دولة) لزرع ديمقراطيات في بلدان بدون ثقافة ديمقراطية كان أقل واقعية، بقدر ما كانت التكلفة البشرية للولايات المتحدة باهظة.

   ومن بين 800 ألف أمريكي مروا عبر أفغانستان منذ عام 2001، أصيب 20744، وقتل 2461. علاوة على ذلك، فإن العواقب على قدامى المحاربين والمحاربين السابقين، لا حصر لها. يبلغ عدد ضحايا الاضطراب ما بعد الصدمة بالآلاف. كما ذكّر بايدن أنّ 18 من “قدماء المحاربين” ينتحرون كل يوم في الولايات المتحدة!

   وبحزم أمتعتها، ورغم هزيمتها في أفغانستان، فإن أمريكا لا تتخلى عن حربها ضد الإرهاب. وعلى العكس، ستقودها بوسائل أخرى. “للوصول إلى الجهاديين، لا نحتاج إلى شن حروب برية”، اشار الرئيس، كما أن “الضربات الجراحية” بواسطة الطائرات  دون طيار لها نفس القدر من الفعالية. وسيعتمد مستقبل الحرب ضد الإرهاب على المزيد من التكنولوجيا، وتكييف القوات الخاصة مع عمليات الكوماندوس.

في الأثناء، شهدت الصين تطورًا مدهشا...
   «عليكم أن تفهموا أن العالم قد تغيّر”، شدّد بايدن في خطابه الذي استمر سبع وعشرين دقيقة. ولهذا السبب، يجب على جنود البنتاغون ودبلوماسيي وزارة الخارجية، التكيّف مع تحديات الوقت الحاضر: المنافسة مع الصين، والتحديات التي تشكلها روسيا، والهجمات الإلكترونية، والانتشار النووي. إن “الانسحاب من أفغانستان والذي سيأتي من العراق سيسمح لأمريكا بإعادة الانتشار في أماكن أخرى من العالم، ولا سيما في منطقة المحيطين الهندي والهادئ”، يلاحظ مارك هيكر من المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، مؤلف مع إيلي تينينباوم كتاب “حرب العشرين عامًا: الجهاد ومكافحة الإرهاب في القرن الحادي والعشرين” (جائزة الكتاب الجيوسياسي 2021).

   ولفهم تحديث العقيدة العسكرية هذا، يجب أن نقيس تكلفة المغامرة الأفغانية. وفقًا لدراسة أجراها معهد واتسون بجامعة براون (في ولاية رود آيلاند)، بلغت التكلفة الإجمالية للحرب ضد طالبان و “بناء الدولة” في أفغانستان 2.313 مليار دولار على مدار عشرين عامًا. “اي إنفاق 300 مليون دولار في اليوم!”، الحّ بايدن، مكررًا الرقم مرتين.

   «بينما كانت الولايات المتحدة تركز على هذه الحرب المكلفة والبعيدة، شهدت الصين، التي انضمت إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001، تطورًا اقتصاديًا مدهشا، وزادت من قدرتها العسكرية بشكل كبير”، يتابع مارك هيكر. وخلال نفس الفترة، حافظت أمريكا بالتأكيد على تفوّقها العسكري على امبراطورية الوسط، الا انها أهملت بنيتها التحتية المدنية (وهي موضوع خطة ستتم مناقشتها في الكونجرس في الأسابيع المقبلة)، ووسعت الشرخ الاجتماعي، وسمحت للجدل السياسي بالاستقطاب. واقترن هذا الضعف الداخلي بفقدان النفوذ الدولي على وجه التحديد بسبب حروبها البعيدة في الشرق الأوسط (العراق) وفي آسيا الوسطى (أفغانستان).

   وخلال الفترة نفسها، راقب الأمريكيون عاجزين تعزيز روسيا وجودها على المسرح الدولي، كما جسّدته الحروب في جورجيا (2008) وأوكرانيا (2014) وضم شبه جزيرة القرم (2014). كل هذه المعطيات تدفع جو بايدن والبنتاغون إلى تغيير البرامج، من أجل مواجهة الصين وروسيا على جبهتين: في أوروبا، حيث أعاد جو بايدن تنشيط حلف الأطلسي منذ بداية ولايته، وفي المحيط الهادئ حيث تعتمد الولايات المتحدة على تحالف واسع يضم الهند وأستراليا واليابان وعدد لا يحصى من البلدان في جنوب شرق آسيا. وللسنوات القادمة، لا تنوي الولايات المتحدة تدخّل -وخسارة -قواتها في صراعات مثل تلك التي دارت في العراق أو أفغانستان، والتي تعتبر الآن حروبًا “غير ضرورية” للأمن القومي للولايات المتحدة.