منذ فترة طويلة والبلاد فوق برميل بارود

عنف ونهب: جنوب أفريقيا تواجه شياطينها القديمة...!

عنف ونهب: جنوب أفريقيا تواجه شياطينها القديمة...!

- تغرق دولة قوس قزح في فوضى لم تشهدها منذ نهاية الفصل العنصري
- حلم الزعيم نيلسون مانديلا عام 1964 يبدو بعيد المنال
- تؤكد أعمال الشغب الإفلاس الاقتصادي والسياسي للمؤتمر الوطني الأفريقي
- تكشف الاحداث الصراعات داخل الحزب الحاكم المنقسم بين فصيل موال لزوما وآخر مؤيد لرامافوزا


إنه استيقاظ مؤلم... بعد ما يقارب 27 عامًا عن شعار “حياة أفضل للجميع”، الذي أطلقه المؤتمر الوطني الأفريقي -بقيادة نيلسون مانديلا حينها -تغرق دولة قوس قزح في فوضى لم تشهدها منذ نهاية “الفصل العنصري”. وربما يكون منفذو الحرق العمد يختبئون داخل الحزب المهيمن منذ عام 1994. وعند جمع الأنقاض، وبعد أسبوع من أعمال الشغب التي تسببت في مقتل 212 شخصًا على الأقل، تحقق الشرطة مع 12 شخصًا يشتبه في تنظيمهم الفوضى.نقطة انطلاق الانتفاضة؟ سجن الرئيس السابق جاكوب زوما 15 شهرًا بتهمة ازدراء العدالة، اثر رفضه المثول أمام هيئة مكافحة الفساد. و”كان اعتقاله العامل المحفز، الا ان البلاد كانت منذ فترة طويلة فوق برميل بارود”، يقول دانييل سيلك، مدير مؤسسة “بوليتيكال فيوتشرز” الاستشارية في كيب تاون، وتعكس هذه الأحداث علّتين في جنوب إفريقيا: إفلاس الاقتصاد، في بلد ازدادت فيه مستويات الفقر والتفاوت الاجتماعي باطراد على مدى السنوات العشرين الماضية؛ والثانية علّة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، الحزب الحاكم الذي بنى دولة ضعيفة، واستمر في عدم الاستقرار بسبب انقساماته الداخلية «.

فوضى منظمة
تتهم السلطات الفريق المحيط بجاكوب زوما بتحريك الخيوط. ومن بين المشتبه بهم، أحد المقربين منه، ثولاني دلومو، السفير السابق لدى اليابان، وعلى رأس وحدة استخبارات في البلاد حتى أكتوبر 2019، والملقب بـ “جاسوس زوما”، ويقال إنه أحد المحرضين على العنف الذي اندلع في كوازولو ناتال، وهي مقاطعة في جنوب شرق البلاد.
« تصدّر نهب المحلات التجارية عناوين وسائل الإعلام كافة، لكن لا بدّ أيضاً من التأكيد على استهداف المنشآت الاستراتيجية، مثل المرحّلات الهاتفية ومحطات معالجة المياه والمدارس. ان الهدف ليس السرقة بل إضعاف الدولة”، يصر دانيال سيلك.
لم تكن طريقة العمل عفوية، تضيف جين دنكان، الأستاذة في جامعة جوهانسبرغ، في مقابلة مع نيوزروم افريكا تي في: “اتبع مثيرو الشغب دليلًا كلاسيكيًا لمكافحة التجسس: تحييد وعرقلة الاقتصاد من خلال مهاجمة البنية التحتية الحيوية بطريقة منهجية للغاية، وبث الذعر العام، وإعطاء صورة عن رئيس تجاوزته الاحداث.  وكل هذا يشير إلى قدر كبير من التدريب والخبرة العملية».
يُشاع إن قدامى المحاربين من “رمح الأمة” (أومكهونتو ويه سيزويه) -الجناح العسكري السابق للمؤتمر الوطني الأفريقي الذي كافح ضد نظام الفصل العنصري –ويٌعرفون بارتباطهم بجاكوب زوما -رفيق مانديلا السابق في النضال -متورطون.وتكشف هذه الفوضى المنظمة، في وضح النهار، الصراعات داخل الحزب الحاكم.

منقسم بين فصيل موالي لزوما وآخر مؤيد لرامافوزا، لم يجد حزب المؤتمر الوطني الأفريقي زعامة في مستوى مانديلا.خلف الرئيس الحالي زوما، الذي دفعه حزبه للاستقالة عام 2018 بسبب قضايا فساد. لكن خلال تسع سنوات على رأس الدولة، تمكّن “تفلون” -اللقب الذي يطلق على زوما لقدرته على الهروب من العدالة –من بناء شبكات محسوبية، يوضح المحلل دانييل سيلك.  لقد “قام بتوزيع العقود، لا سيما لفائدة الإمبراطورية الصناعية لعائلة غوبتا، وكل هذا أدى إلى دفع عمولات، ليس فقط إلى زوما، وانما لعدد كبير من الكوادر العليا. ويخشى الكثيرون اليوم شيئا واحدا: ان يروا أنفسهم بدورهم في قبضة العدالة”. إلى أي مدى استطاعت هذه الشبكات التأثير على أعمال العنف في الأيام الأخيرة؟

الوقت مبكر جدا للإفصاح.
و”السؤال الآن هو معرفة ما إذا كان رامافوزا سيتخذ منعرجا سلطويا متشددا”، يعلق بيرس بيغو من مجموعة الأزمات الدولية. لقد أثار نشر 25 ألف جندي تعليقات لاذعة، وحتى مقارنات مع الفصل العنصري. “هناك فرق كبير: اليوم، يضمن دستورنا السلطة المضادة”، يضيف بيرس بيغو. لكن يبقى من الواضح أن ردا أمنيا يخاطر بتفاقم الوضع، حيث وصل معدل البطالة إلى مستوى قياسي بلغ 32 فاصل 6 بالمائة. ويبدو أن “المجتمع الحر والديمقراطي”، الذي حلم به نيلسون مانديلا عام 1964 بعيد المنال.