رئيس الدولة يؤكد دعم الإمارات لتسوية النزاعات والتحديات في العالم عبر الحوار والحلول الدبلوماسية
إلباس الإستراتيجية الصناعية والنزعة الحمائية عباءة الأمن القومي خطأ جسيم
فايننشال تايمز: أشباه الموصلات جبهة جديدة في أوروبا ضد الصين
وجدت مدينة نيوبورت الواقعة في ويلز نفسها على خط مواجهة جيوسياسي. فقد أعربت الحكومة الإنجليزية عن مخاوف تتعلق بالأمن القومي، بغية إبطال صفقة بيع واحدٍ من أكبر مصانع أشباه الموصلات في بريطانيا، ويُعرف باسم “نيوبورت ويفر فاب”، إلى شركة هولندية تملكها شركة وينغ تِك الصينية.
والمملكة المتحدة ليست الدولة الوحيدة التي أقدمت على إجراءٍ كهذا، فقد حظرت ألمانيا صفقتين مثيلتين، إذ اتَّهمَ نائب المستشار الألماني روبرت هابيك الصين بتبني “استراتيجية مدروسة” في “محاولة للاستئثار بالمعرفة” في هذا القطاع.
وقالت صحيفة “فاينانشال تايمز” في افتتاحيتها إن تلك القرارات خطيرة، إذ يمكن أن يُنظَر إليها على أنها ضربات مُوجَّهَة للصين تحديداً. على الغرب أن يحاول تحقيق التوازن بين المخاوف المشروعة من وقوع الأصول الستراتيجية في أيادي الخصوم المحتملين من ناحيةٍ، والإجراءات التي يمكن أن تُؤجج فكرة محاولتها عرقلة الصين، أو أنها تتبنى إستراتيجية صناعية عبر مسارات سريّة. أكّدَ الوباء وحرب روسيا في أوكرانيا الحاجة إلى تأمين سلاسل التوريد، فضلاً عن حماقة الاعتماد المفرط على نظامٍ مُعادٍ. وتَتْبَع قرارات المملكة المتحدة وألمانيا ضوابط أمريكية صارمة فُرِضت على رقائق التكنولوجيا الفائقة. وأثار أعضاء الكونغرس الأمريكي مخاوف بشأن بيع مصنع نيوبورت لأشباه الموصلات، مما دفع النقاد إلى الزعم بأن هناك ضغوطاً من جانب واشنطن، على الرغم من أن هذا لا يعني غض الطرف عن عدد الموالين للصين في الحكومة البريطانية.
وحذرت الصحيفة من أن إلباس الإستراتيجية الصناعية والنزعة الحمائية عباءة الأمن القومي خطأ جسيم. لكنّ دور الشركات الصينية في هذه الصفقات وحقيقة أنها تنطوي على أشباه موصلات، يجعل من الصعب رسم الخطوط الفاصلة. ويسري ذلك تحديداً على سياق الصين الأكثر حزماً والمخاوف المتصاعدة من احتمالات غزوها لتايوان التي تُهيمن على التصنيع المُتقدم لأشباه الموصلات.
وبموجب قانون صدر عام 2007، يُشترط على الشركات الصينية أن تتعاون مع جهاز الاستخبارات الصيني. وهذا يعني أن الاستحواذ الصيني المثير للجدل على شركات عاملة في القطاعات الإستراتيجية لدولة أخرى أمسى مقترحاً محمّلاً بمعانٍ أكثر. ولا يقتصر ذلك على صناعة أشباه الموصلات وحسب. فقد تصاعدت مخاوف بشأن حصص شركة كوسكو في ميناءي بيرايوس وهامبورغ. وبوسع بكين أن تطلب نظريّاً من الشركة العملاقة في مجال الشحن أن تقدِّم الدعم للبحرية الصينية في أي مكان تزاول فيه الشركة أعمالها.
فضلاً عن ذلك، تُشوه إشكالية أشباه الموصلات تعريف التهديد الأمني. فأشباه الموصلات مسؤولة عن تشغيل كل شيء، بدايةً من الهواتف الذكية وانتهاءً بالسيارات، غير أن لها تطبيقات عسكرية أيضاً. ولذلك أمست الضوابط التصديرية التي فرضها بايدن – ولو أن الغرض منها ظاهريّاً حظر وقوع التكنولوجيا العسكرية في يد بكين – بعيدة المدى والأثر. وتأمين دور صغير حتى في سلسلة الإمداد العالمية هذه يمكن بحد ذاته أن يمثل مصدرَ قلق للأمن القومي.
ومع ذلك، فقد حيَّرَ قرار المملكة المتحدة كثيرين. فالتقنية التي ينتجها مصنع نيوبورت ليست الأحدث، ولو أن المصنع يقع داخل تكتل صناعي مُتخصص في تصنيع مُركبات يمكن أن تكون لها تطبيقات مُتقدمة. والحجَّة التي تقدمت بها الحكومة، وتجاوزت صفحة واحدة، ليست واضحة بالمرة. ولا يعين في هذا السياق غياب تعريف محدد للأمن القومي في القوانين التي حُظِرت الصفقة بموجبها. ولذلك، فمن الممكن أن تتقدم الصين بطعن قانوني، غير أن السواد الأعظم من المداولات الحكومية سيكون سريّاً، مما يجعل من الصعب على القضاة أن يبحثوا المبادئ الأساسية. وهذا الستار من الغموض يقوِّض القدرة على التنبؤ بالاستثمارات الأجنبية التي تعتمد عليها بريطانيا.
ومضت الافتتاحية تقول: إذا قررت دولة ما تجفيف منابع الاستثمار لقطاع كثيف رؤوس الأموال كأشباه الموصلات، فمن المهم أن تدعم حينئذ تلك الصناعة وتعززها. فقد أعلنت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عن حزم دعم بقيمة 52 مليار دولار و43 مليار يورو على التوالي لتنمية صناعات أشباه الموصلات المحلية. وفي تلك الأثناء، نجد أن استثمارات المملكة المتحدة في هذه الصناعة لا تُذكر. وطال انتظار إستراتيجية شاملة في هذا الصدد.
واختتمت الصحيفة بالقول: إن محاولة التمييز بين المصلحة القومية والأمن القومي صعبة وشاقة متى تعلق الأمر بأشباه الموصلات. غير أن قليلاً من الشفافية سيكون له دور كبير، وكذلك الانتباه إلى أن النزعة الحمائية غير المُبررة ستضخِّم التكاليف وتُفاقم حالات التوتر العابرة للحدود.