رئيس الدولة والرئيس الروسي يبحثان سبل احتواء التصعيد في المنطقة والاحتكام إلى الحوار
كيف يمكن إفشال إيران في العراق؟
رأى الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات حسين عبدالحسين أنه بالاستناد إلى طريقة تنظيم طهران لوكلائها وطريقة استخدامهم للطائرات دون طيار المتفجرة، وبالنظر أيضاً إلى الأحداث السياسية في العراق وتاريخ الميليشيات الموالية لإيران في المنطقة، لا يمكن التشكيك كثيراً في أن الأوامر لاغتيال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، صدرت من طهران
وكتب عبدالحسين في مجلة “واشنطن إكزامينر” أن إيران كانت تبني وتصدر نموذجها الميليشيوي على امتداد المنطقة منذ 1979، غالباً عبر استغلال الفرص لزرع وتنمية المجموعات المسلحة المحلية التي تتعهد بالولاء للمرشد الإيراني، وتوفر الحرب عادة فرصة عظيمة لإيران لتجند أتباعاً وتشكل ميليشيات.
تكليف شرعي
بعد هزيمة داعش، كان يجب حل الميليشيات. لكن طهران كانت لها أفكار أخرى. أعاد الإيرانيون تقديم الميليشيات “مقاومة” للحضور الأمريكي المستمر في العراق.
وهمشت تلك الخطوة المرجع الشيعي الأعلى في النجف علي السيستاني الذي أصدر فتوى تدعو العراقيين إلى تشكيل ميليشيات للدفاع عن بلادهم في وجه مذبحة داعش في 2014.
بعد الانتصار على التنظيم، دعا السيستاني أتباعه إلى الانسحاب، والعودة إلى حراسة الأضرحة المقدسة. منذ ذلك الحين، أصبح وكلاء طهران في العراق يعرفون باسم “الميليشيات الموالية” أي التي توالي خامنئي.
يعني هذا الولاء أن الهرمية في تلك التنظيمات تتبع تسلسل التكليف الشرعي. ولهذا السبب، لا يرجح وإلى حد بعيد، أن تكون أي ميليشيا إيرانية قررت عملية بهذه الأهمية والحساسية دون تكليف شرعي من إيران.
الطائرات دون طيار
حتى ولو أراد وكلاء طهران التحرك منفردين، يتابع عبدالحسين، سيتطلب استخدام الطائرات المتفجرة دون طيار، أن تعمل هذه الميليشيات على تسييرها انطلاقاً من واحدة من ثلاث قواعد.
ووجدت دراسة لمركز مكافحة الإرهاب في الأكاديمية العسكرية الأمريكية ويست بوينت، أن “النظام اللوجستي الأوسع الذي يدعم الهجمات بطائرات دون طيار، في العراق، يستخدم ثلاثة خطوط إمداد”، قاعدتان في “منطقتي الأهواز وكرمنشاه” الإيرانيتين، وثالثة “بين البوكمال في سوريا ومناطق الإطلاق بالقرب من قاعدة عين الأسد، شرقي نهر الفرات».
ويستبعد أن تكون الميليشيات العراقية قادرة على إطلاق طائرات دون طيار، من قواعد داخل إيران دون علم طهران. كما أن من غير المرجح أيضاً أن تتمكن من استخدام قاعدة للحرس الثوري في سوريا، تستضيف في العادة ميليشيات من العراق، وسوريا، ولبنان، وأفغانستان، دون تصريح إيراني.
كان بإمكان وكلاء طهران العراقيين قتل الكاظمي بطرق عدة دون تفويض إيراني. لكن لا يمكن أن يكون استخدام الطائرات المتفجرة دون طيار، إحداها، كما يؤكد عبدالحسين.
حساسية إيران من الكاظمي
يمكن للسياسة العراقية تقديم المزيد من الأدلة على تورط إيران في الهجوم ضد الكاظمي. نظمت الانتخابات التشريعية في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وانتهت بهزيمة الكتلة الموالية لإيران مع تقلص مقاعدها من 48 إلى 16. وبإمكان الكتل المناهضة للميليشيات تشكيل تحالف حاكم يستثني مناصري إيران من الحكومة، وهي التي وعدت بحل الميليشيات الموالية لطهران.
ولمحو هزيمتهم المذلة والحفاظ على حصانة ميليشياتهم، نظم وكلاء إيران اعتصاماً في بغداد زاعمين أن الانتخابات مزورة، مطالبين بإعادة احتساب الأصوات، أو بإعادة الاستحقاق الانتخابي، حسب عبدالحسين، لكن المحاولات الإيرانية اصطدمت بعقبتين أساسيتين، الأولى هي الإجماع الدولي على حرية ونزاهة الانتخابات، والثانية، مصداقية الوسيط النزيه التي لا تشوبها شائبة لدى الكاظمي.
على عكس أسلافه، كان الكاظمي أول رئيس حكومة لم يترشح إلى الانتخابات وهو في سدة المسؤولية.
عززت هذه الخطوة مصداقيته وبالتالي مصداقية نتائج الانتخابات. كانت إيران تريد إزاحته من طريقها. لو اندلعت حرب أهلية بعد الاغتيال فسيكون الأمر أفضل لطهران، فالحرب يمكن أن تعيد ضبط السياسة فتنتهي بجولة جديدة من الانتخابات.
ولكن فشل الاغتيال وشجب العالم المحاولة، وشعرت إيران بالسخونة فسارعت إلى إبعاد نفسها عن العملية وأصدرت التعليمات إلى ميليشياتها لتقول لوكالة رويترز إنها لم تأمرها باغتيال الكاظمي.
سيناريو حزب الله اللبناني
وحتى في شجبها لمحاولة الاغتيال، حذرت طهران وميليشياتها العراقية من “حرب أهلية” وهي كلمة، رمز تشير إلى حمام دم مقبل، إذا مضى التحالف المناهض لإيران في تشكيل حكومة هدفها سحب السلاح من الميليشيات، كما أوضح عبدالحسين.
يستوحي النظام الإيراني ووكلاؤه في العراق سلوكهم من قواعد اللعبة التي فرضها حزب الله في لبنان. خسر الحزب الانتخابات التشريعية في 2005 و2009 لكنه، عبر مزيج من عرقلة الحكومة واستخدام العنف ضد الخصوم، خرج فائزاً في انتخابات 2018.
انتهت ولاية الرئيس اللبناني إميل لحود في 2007 فأغلق حزب الله البرلمان، لمنع الغالبية المنافسة من انتخاب رئيس من صفوفها.
وحين قررت الحكومة الشرعية تفكيك شبكة الاتصالات الأرضية غير الشرعية لحزب الله، شن الأخير حرباً أهلية في 7 مايو (أيار) 2008، ما أجبر المجتمع الدولي على المسارعة لمحاولة إعادة الاستقرار، وأدت التسوية إلى انتخاب “رئيس توافقي”، وبالتالي، ضرب حزب الله المرشح المنافس لخطه، وفرض قانوناً انتخابياً ظن أنه، سيعطيه انتصاراً انتخابياً. كان حزب الله واثقاً إلى درجة أن أطل أمينه العام حسن نصرالله عشية الانتخابات ليقول إن الفائزين يشكلون الحكومة والخاسرين يذهبون إلى المعارضة.
وبعد خسارة الانتخابات في 2009، تراجع نصرالله عن موقفه، مصراً على حكومة “وحدة وطنية” ضمت التحالف الخاسر الذي ترأسه الحزب. رضخت الأغلبية غير المسلحة لمطالب حزب الله وميليشياته الهائلة. وفي 2014، انتهت ولاية الرئيس التوافقي ميشال سليمان وخططت الغالبية مجدداً لانتخاب رئيس من صفوفها. وهذه المرة، أغلق حزب الله البرلمان عامين، وهدد خصمه الرئيسي في المنفى سعد الحريري بالاغتيال إذا عاد إلى لبنان، فرضخت الغالبية وانتخبت مرشح الحزب ميشال عون. بعدها، فرض حزب الله قانوناً انتخابياً آخر ضمن فوزه الانتخابي في 2018.
العراق مثل لبنان؟
أضاف عبدالحسين أن الميليشيات الإيرانية غير مستعجلة في العراق تماماً كما في لبنان، عبر مزيج من عرقلة الحكومة والعنف ضد الخصوم، مثل الاغتيالات، وشن الحروب الأهلية لو دعت الحاجة، يتخلص وكلاء طهران من خصومهم، ويفرضون إرادتهم عليهم بصبر. إذا تُركت إيران بلا قيود، فقد تتمكن من تحويل العراق إلى دولة أخرى من الدول التي تدور في فلكها. لكن ليس بهذه السرعة، يؤكد الكاتب. قد يبرهن العراق أنه أصعب على إيران للقضم عند المقارنة مع لبنان. ففي لبنان، يبلغ عدد الشيعة الذين جذبتهم إيران إلى دائرة نفوذها بالسلاح والأموال، مليون نسمة. أما في العراق، يصل عدد الشيعة إلى قرابة 20 مليوناً، ما يعني أن إيران ستضطر إلى إنفاق ما يوازي 20 ضعفاً لما أنفقته على لبنان، لتشتري ولاء المجتمع الشيعي العراقي، وهو مبلغ لن تتمكن قط من تأمينه.
سببان آخران
على عكس لبنان المفتقر للموارد، يشكل العراق رابع أكبر منتج عالمي للنفط الأمر الذي يدر على خزينته 50 مليار دولار سنوياً، ما يسمح للدولة العراقية بأن تكون واحداً من أكبر الموظِفين في العالم. وفي هذا المجال تمكنت الحكومة العراقية من التفوق على طهران في ضمان الولاء الشيعي. من ناحية ثالثة، وعلى عكس لبنان غير المرتبط مباشرة بتاريخ نشأة الشيعة، فإن مدينتي النجف وكربلاء هما الأكثر تقديساً في العالم الشيعي، ما يعطي السلطات الدينية الشيعية العراقية مثل السيستاني، مكانة أكبر بكثير من رجال الدين الشيعة في قم، مثل خامنئي.
بين لبنان واليمن
منذ 2003، كانت إيران تسعى لتحويل العراق إلى دولة مرتبطة بها كما لبنان. وتشبه محاولة اغتيال الكاظمي اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، في 2005. ووجهت المحكمة الخاصة بلبنان اتهامات بعد الاغتيال إلى 5 من قادة حزب الله. في اليمن أيضاً، أعطت إيران توجيهات إلى ميليشياتها الوكيلة لاغتيال الرئيس السابق علي عبدالله صالح في 2017، حين كان يستعد للانفصال عن الحوثيين والانضمام إلى خصومهم.
درس لواشنطن
إلى الآن، ثبت أن سيطرة إيران على العراق أصعب بكثير مما توقعته وهو درس على واشنطن الانتباه إليه، وقبل أن تسحب الولايات المتحدة ما تبقى من مستشاريها العسكريين في العراق الـ 2500، عليها أن تذكر أن العراق لم يُفقد لصالح إيران، وأن بإمكان بغداد التغلب على إيران وحل ميليشياتها بمساعدة دولية. وأوضح عبدالحسين ختاماً أن كل ما على واشنطن فعله، هو التحلي ببعض الإيمان بالعراقيين المناهضين لإيران، والتحلي ببعض الصبر بالاحتفاظ بسياستها الإيرانية الحالية، غير المكلفة في العراق.