لا مســــار واقعيّـــاً لانتصــــار أوكـــرانيا علــى روسيــا
مع اقتراب القوات المسلحة الأوكرانية من الاستيلاء التكتيكي الكامل على قريتي أوروزين وروبوتين، وبعد أن وجدت لنفسها موطِئَ قَدم على الجانب الروسي من نهر دنيبرو في ثلاثة مواضع مختلفة، يدعي أنصار كييف أنّ هجومها يؤتى ثماره أخيراً.
وفي هذا الإطار، قال دانيال ديفيس، باحث أول في مؤسسة أولويات الدفاع ومُقدِّم سابق في الجيش الأمريكي في مقاله بموقع “1945”: بحسب ما يتجلى لنا من هذا السيناريو والأوضاع الراهنة، لا مسار عقلانياً لتحقيق نصر عسكري لأوكرانيا. وكلما طال تجاهل كييف وواشنطن لهذا الواقع الأليم، زادَ الضرر الذي سيلحق بالشعب الأوكراني بلا أي داعٍ، وتفاقمت التنازلات عن الأراضي في نهاية المطاف عن طريق التفاوض.
وأشار الكاتب إلى أنه ما زال البعض يُعلِّقون الآمال على الحصول على مزيدٍ من المعدات العسكرية الغربية عالية الجودة. ففي الأسبوع الماضي، أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن عن سعيها لتأمين 24 مليار دولار إضافية لأوكرانيا ستضخ في إمدادات بالأسلحة والذخائر الجديدة. ويشير آخرون إلى استعداد أمريكا لتقديم مقاتلات من طراز F-16 لأوكرانيا في المستقبل القريب نسبيّاً.
وأضاف الكاتب أن الانطباع العام لدى غالبية المحللين يشي بأنه فور أن يمتلك الجيش الأوكراني عدداً محدداً من الأسلحة الحديثة، ويُخضع ما يكفي من قواته لتدريبات متقدمة على يد حلف الناتو، سيكون الجيش قادراً على مُضاهاة روسيا ثم هزيمتها في النهاية. وبحسب المعلومات الاستخباراتية السرية، فَقَدَ الجيش الأوكراني اعتباراً من أبريل (نيسان) الماضي نحو 130 ألف جنديّ ما بين قتيل وجريح. وما أضرَّ بأوكرانيا بشكلٍ خاص فقدانها جنوداً هم الأكثر خبرةً تدربوا على يد حلف الناتو.
ويتراجع عدد الرجال الأوكرانيين المتبقين لأغراض التعبئة تدريجيّاً، وكثيرون منهم إما يفرون من البلد وإما يدفعون رشاوٍ لتفادي ما يعدُّه كثيرون تضحية لا طائل من ورائها بحياتهم.
وفي ظل الخسائر التي تكبدتها أوكرانيا بالفعل على مدار عام ونصف عام من القتال العنيف، يرى الكاتب أنه لا تلوح في الأفق سوى فرصة محدودة تستطيع من خلالها أوكرانيا بناء قدرات هجومية جديدة في المستقبل المنظور.
وحتى لو أمكنَ إمداد الجيش الأوكراني كله بمعدات عسكرية بدعمٍ من الجيش الأمريكي، فإن القدرة المتراجعة لقواته المتبقية ستعني أن أداءه لن يتحسن عمّا كان عليه في الأشهر الثمانية الماضية.
والمؤكد أن أنصار كييف سيخالفون هذا الرأي، يقول الكاتب، زاعمين أنه لو كان لديهم المزيد من المعدات والذخيرة في وقت أسبق لنجحوا في مسعاهم.
وأوضح الكاتب أن القرارات الإستراتيجية التي اتخذها كبار قادة أوكرانيا والخطط العقيمة في بعض الأحيان التي تبناها الجنود كانت سبباً رئيساً وراء عجز أوكرانيا عن الفوز في ساحة المعركة. ولا شك أن المزيد من المعدات والذخيرة كان لَيعزز القوة التدميرية للقوات الأوكرانية، لكن لا يوجد دليل في ساحة المعركة الحالية على أنَّ هذا كان يمكن أن يُغير نتيجة الصراع.
وتابع الكاتب “على الغرب أن يقرّ بأن الجيش الأوكراني مُنِحَ فرصة لشن هجومه ولإدراك ما إذا كان بإمكانه النصر أم لا. وقد ساهمَ الغرب عموماً، والولايات المتحدة بصفةٍ خاصة، بكمياتٍ مهولة من المساعدات العسكرية لأوكرانيا».
ومضى الكاتب يقول “فضلاً عن العدد الكبير من الضحايا الذي تكبدته أوكرانيا، أمسينا أمام حقيقة مُرّة لا خلاف عليها، ألا وهي أنه لا يوجد أساس عقلاني يمكن للمرء أن يحتجّ استناداً إليه بأن كييف ستبدي مقدرةً تتجاوز ما أظهرته في ساحة المعركة إلى الآن».
وأضاف “هذا يعني أنه يكاد يكون من المؤكد ألّا تحصل أوكرانيا على حريتها في ساحة المعركة. وحفاظاً على الأراضي التي تسيطر عليها حاليّاً، وللحيلولة دون ضياع المزيد من الأراضي، على كييف التكيف مع الحقيقة المُرّة المتمثلة في أن المسار الأمثل الآن هو تجميد الصراع والدخول في مفاوضات لإنهاء الحرب».
وغني عن القول إنه لا أحد في أوكرانيا غير المُحتلة يريد أن تؤول الأمور إلى هذه النتيجة. غير أنَّ رفض السعي إلى نهاية تفاوضيَّة يعني اختيار مسارٍ من المرجح أن يبوء بالفشل، حسب الكاتب، ويفضي إلى مقتل عشرات الآلاف من الجنود الأوكرانيين، وسقوط المزيد من المدن والأراضي الأوكرانية تحت السيطرة الروسية.
ولا تنتفع أوكرانيا ولا الولايات المتحدة من مضاعفة الاستثمارات وضخ 100 مليون دولار أخرى وعدد لا يُحصى من الأسلحة.
وقال “لقد آن أوان التعاون مع كييف وحلفائنا في حلف شمال الأطلسي لبدء المسار البغيض ولكن الضروري المتمثل في السعي إلى تسوية دبلوماسية، وإنهاء الحرب بأفضل الشروط التي يمكن أن تصبُّ في صالح أوكرانيا».