رئيس الدولة يبحث مع وزير الدفاع السعودي علاقات التعاون وتطورات الأوضاع في المنطقة
لماذا زعم ظريف أن كيري أخبره بالغارات في سوريا؟
مزاعم كثيرة أدلى بها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف خلال مقابلة مع أحد الاقتصاديين في مارس (آذار) الماضي، وكان يفترض أن يبقى معظمها سرياً لكنها تسربت عبر تسجيل صوتي، ما أثار مشاكل لظريف.
لم يمنع ذلك من تشريح جزء كبير من الأفكار التي طرحها الأخير كما فعل الكاتب السياسي في صحيفة "جيروزاليم بوست" سيث فرانتزمان الذي تطرق إلى ادعاء ظريف أنه لم يعلم بالقصف الإسرائيلي للإيرانيين في سوريا إلا عبر نظيره الأمريكي حينها جون كيري.
واجه كيري اتهامات بأنه واصل المحادثات مع إيران بعد خروجه من منصبه. ونفى كيري توفيره لظريف معلومات عن عمليات إسرائيلية "سرية" في سوريا.
يشير فرانتزمان إلى أن قصة كيري وإيران تعود إلى أكثر من عقد حين التقى كيري الرئيس الأسبق محمد خاتمي بدافوس في 2007.
انتُقد كيري حينها لإدلائه بتعليقات مناهضة لإدارة بوش، ولأنه ظهر كأنه موالٍ لإيران. في التسجيل، يقول ظريف إن روحاني لم يكن يعلم بتدخل القائد السابق لفيلق القدس قاسم سليماني في الديبلوماسية.
وأضاف الوزير الإيراني نفسه "كان وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري هو من قال لي إن إسرائيل شنت أكثر من 200 غارة على القوات الإيرانية في سوريا".
أين الجديد؟
ليست الغارات الإسرائيلية شأناً حساساً بمقدار ما صورته بعض التقارير. وليس سراً أن إسرائيل شنت غارات ضد القوات الإيرانية. على سبيل المثال، ومنذ أغسطس (آب) 2017، قال القائد السابق لسلاح الجو الإسرائيلي أمير إشيل إن إسرائيل شنت حوالي 100 هجوم في سوريا.
وبحلول سبتمبر (أيلول) 2018، ذكرت صحيفة جيروزاليم بوست، وموقع واي نت، نقلاً عن مصادر في الجيش أن إسرائيل شنت 200 غارة في سوريا خلال سنة ونصف السنة. وحتى يناير (كانون الثاني) 2019، قصف الجيش الإسرائيلي أهدافاً لإيران وحزب الله مئات المرات.
وفي مقابلة مع الرئيس السابق لهيئة الأركان الإسرائيلية غادي أيزينكوت، قال الأخير، إن الجيش الإسرائيلي ضرب آلاف الأهداف الإيرانية في سوريا.
بعد تعداد هذه الأمثلة، يسأل فرانتزمان "إذاً ما الذي كشفه كيري لظريف، ولم يكن أصلاً معروفاً على نطاق واسع؟ هل أخبر ظريف بهذه التفاصيل قبل 2017؟".
ثرثرة مقلقة
في الولايات المتحدة، أثارت تفاصيل التسريب جدلاً سياسياً حيث انتقد الجمهوريون كيري على سلوكه. نفى الأخير بشكل قاطع رواية ظريف قائلاً إن ذلك لم يحصل لا حين كان في منصبه ولا بعد خروجه منه.
تسببت ثرثرة ظريف في قلق لكيري إذ اعتراه شعور بالحاجة إلى إنكار القصة. يؤدي ذلك إلى سؤال أوسع حول سبب ذكر ظريف اسم كيري. يأتي ذلك عبر زعم ظريف في التسجيل أنه لم يعلم بالعمليات الأساسية لإيران مثل إطلاق صواريخ بالستية على قاعدة عسكرية في العراق أوائل يناير (كانون الثاني) 2020.
ماذا لو كان ظريف يكذب؟ يتساءل فرانتزمان. المعروف أن ظريف يضلل الصحافيين الغربيين غالباً أو يكذب عليهم، وعلى آخرين بشكل مباشر، يفعل ذلك لغايات مختلفة حسب الكاتب.
يبدو أن قصته الأخيرة تظهر تعرضه للتهميش من الحرس الثوري، وهو يصوره يتفاوض بحسن نية في الخارج ولكن تقوض جهوده في الداخل. يتناسب ذلك مع رواية النظام عن "متشددين" يقوضون سياسات "المعتدلين". ليس هذا هو الواقع وفقاً لفرانتزمان. فظريف جزء من النظام. هو لا يقود سياسته الشخصية. لقد كان في الدوحة عند نشر التسجيل.
سخافة أم ألعوبة؟
يرى الكاتب أن القضية المحورية ليست ما قاله كيري لظريف، لكن السبب الذي دعا الأخير إلى التباهي بأن كيري هو الذي أخبره بهذه الحقائق.
تظاهر ظريف بجهل أمور أساسية. هو يدعي أنه لا يستطيع حتى قراءة صحيفة نيويورك تايمز التي كتبت عن الغارات الجوية. تبدو فكرة جهل ظريف بالغارات على القوافل الإيرانية في سوريا سخيفة.
وتابع فرانتزمان تساؤلاته، ألا يقرأ ظريف إعلامه الخاص؟ ألا يملك مصادر داخل وزارته؟ هل هو وزير الخارجية الأكثر جهلاً في العالم؟ أم أنه ينوي خوض ألعوبة محاولاً الادعاء أنه لم يعرف ما حصل، لكسب بعض الفوائد؟
قد يصور ظريف الاتفاقات وهي تتعرض للانتهاك على يد عناصر أخرى في إيران. ربما يهيئ نفسه لمسيرة مهنية معينة بعد مغادرته وزارة الخارجية.
بأي فيلم تذكّر صدمة ظريف؟
تذكر تعليقات ظريف بأحد المشاهد من فيلم كازابلانكا حين "صُدم" القبطان رينو لدى معرفته بمقامرة في المقهى الذي يقامر هو نفسه فيه.
ظريف مصدوم لمعرفته بوجود إيرانيين في سوريا، ويزعم أن كيري يخبره عن الغارات الجوية. ربما يريد ظريف إيصال شيء عن علاقته بكيري، الذي له تاريخ طويل من العلاقة الوثيقة بالنظام الإيراني منذ لقائه خاتمي بدافوس في 2007، وربما قبل ذلك.
لقد أراد إعادة توجيه السياسة الأمريكية في المنطقة بشكل جذري للعمل مع إيران. على الأرجح، إن هدفه كان تحقيق شهرة شخصية لأنه الرجل الذي أخرج إيران من العزلة.
ينهضان معاً... ويسقطان معاً
عملت إدارة أوباما بقوة على إنجاح الاتفاق الذي فشلت في التوصل إليه الإدارات السابقة ولأنها كانت في حاجة إلى فوز ديبلوماسي، كان كيري واجهة هذا الفوز.
ودون الاتفاق النووي الذي توسلته الولايات المتحدة في ذلك الوقت، لما أمكن إظهار الكثير ذريعةً للعمل مع إيران. كانت رواية واشنطن حينها تقول إن البديل عن الاتفاق هو "الحرب". في الواقع، لم تنشب الحرب بعدما انسحبت إدارة ترامب من الاتفاق. ولم تُمنع إيران من تخصيب اليورانيوم وهي أساساً تخصبه علناً في انتهاك لواجباتها، بينما يتوسلها أطراف الاتفاق لتتوقف عن ذلك. طور كيري وظريف علاقة يساعدان بها بعضهما البعض، ويواجهان في الظاهر المتشددين في الداخلين الأمريكي والإيراني. سينهضان ويقعان معاً.
أحرج التسريب كيري فأنكر ما ورد فيه. لكن ليس واضحاً كيف سيؤثر على ظريف، الذي لم يتمتع بالثقة في إيران، وقد يفقد ثقة الخارج طالما صور نفسه جاهلاً بسياسات إيران. ومع ذلك، فقد يصب هذا الأمر في مصلحته لأنه يمكنه من مواصلة أداء دور الوجه الملائكي للنظام.