لماذا لا تستطيع الولايات المتحدة التخلي عن الهند؟

لماذا لا تستطيع الولايات المتحدة التخلي عن الهند؟


استهل الكاتب جيانلي يانغ، الزميل الباحث في كلية كينيدي بجامعة هارفارد، ورئيس مؤسسة «مبادرات قوة المواطن من أجل الصين»، مقاله بصورة رمزية من قمة منظمة شنغهاي للتعاون في تيانجين، حيث ظهر الرئيس الصيني شي جين بينغ، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين معاً. ويقول إنّ هذه الصورة لم تكن طقساً بروتوكولياً، بل إشارة واضحة إلى تقارب استراتيجي بين قوى كبرى في مواجهة الضغوط الأمريكية.
وأضاف الكاتب أن هذه المشاهد يجب أن تُقلق واشنطن، فهي «جرس إنذار»: إذ إن دفع الهند أكثر نحو موسكو وبكين يهدد مكانة الولايات المتحدة في المحيطين الهندي والهادئ، بل وموقعها القيادي عالمياً.

فشل نهج العقوبات والرسوم
يؤكد جيانلي يانغ أن محاولة واشنطن معاقبة نيودلهي بسبب استيرادها النفط الروسي الرخيص عبر فرض رسوم جمركية قاسية، كان نهجاً خاطئاً. وأوضح الكاتب أن المنطق الأمريكي كان بسيطاً: رفع كلفة النفط على الهند لتقليص إيرادات موسكو وإضعاف قدرتها على مواصلة حربها في أوكرانيا. لكن الواقع، يقول الكاتب، مختلف تماماً. فالهند، التي تضم أكثر من 1.4 مليار نسمة، وفّرت مليارات الدولارات عبر هذه الواردات، مما سمح لها بالحفاظ على أسعار وقود مقبولة لمواطنيها.  ويضيف الكاتب أن أي محاولة لقطع هذا الشريان ستكبّد نيودلهي خسائر تصل إلى 11 مليار دولار، وهو عبء اقتصادي هائل لن يتحمله مودي ولا حكومته.

خطر دفع الهند إلى أحضان الخصوم
ولفت الكاتب النظر إلى أن السياسة الخارجية الهندية تقوم تاريخياً على «الاستقلال الاستراتيجي»، ما يعني أن الضغوط لا تجعلها تخضع، بل تدفعها لتوسيع خياراتها. وقال جيانلي يانغ إن الصين استغلت هذا التوجه بدهاء، سواء عبر أدوات التجارة والمواد الأساسية أو عبر تعزيز وجودها العسكري على الحدود منذ اشتباكات وادي «غالوان» عام 2020. ومع غياب الثقة الكاملة في واشنطن، فضلت نيودلهي تخفيف لهجتها تجاه بكين والتحدث عن «مسار إيجابي»، بدلاً من الإصرار على العودة إلى ما قبل 2020. وأضاف الكاتب أن المنتديات الثلاثية بين روسيا والهند والصين لم تعد مجرد تجمعات شكلية، بل أصبحت «بوليصة تأمين» لكل طرف: موسكو لتفادي العزلة، بكين لتأمين جبهتها البرية، ونيودلهي كخيار بديل إذا شددت واشنطن ضغوطها.  وهنا يحذر جيانلي يانغ من أن الرسوم الأمريكية تقدم لخصومها حجة جاهزة: «حتى حلفاء أمريكا ليسوا في مأمن من ابتزازها الاقتصادي».
 شراكة أذكى بدلاً من العقاب
دعا الكاتب إلى استراتيجية بديلة أكثر ذكاءً، ترتكز على الشراكة لا العقاب، محدداً أربعة محاور رئيسة:
1.    التعاون في مجال الطاقة:  يقترح اتفاقيات طويلة الأمد تضمن للهند النفط والغاز الأمريكي بأسعار تنافسية، مع استثمارات في البنية التحتية، وربط ذلك بالتحول نحو الطاقة النظيفة كالوقود الهيدروجيني والتخزين الكهربائي.
2.    شراكة تكنولوجية شاملة: يبرز يانغ أنّ الهند ليست فقط سوقاً ضخمة، بل «قوة تكنولوجية صاعدة».
 ويقترح دمجها في المنظومة الأمريكية عبر مراكز أبحاث مشتركة في الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات، وتطوير بنية تحتية رقمية متوافقة مع قوانينها.
3.    تعميق الروابط التجارية:  الولايات المتحدة هي السوق الأكبر للصادرات الهندية، بأكثر من 87 مليار دولار عام 2024. لذلك يشدد الكاتب على أهمية اتفاقيات قطاعية في مجالات الأدوية وتكنولوجيا المعلومات والطاقة النظيفة، مع خفض الرسوم على المنسوجات والأدوية.
4.    الاحترام الدبلوماسي والتطمين الاستراتيجي:  بما أن الهند تبقى قلقة من تحالف الصين مع باكستان، يؤكد الكاتب أنّ على واشنطن طمأنة نيودلهي بأن أي انفتاح على بكين لن يكون على حسابها، مع دعم دورها القيادي في تحالف «الرباعية. 

إدارة التباينات بذكاء
وأوضح الكاتب أن بعض مواقف نيودلهي، مثل استمرارها في استيراد النفط الروسي أو تمسكها بالحياد في حرب أوكرانيا، قد تثير امتعاض واشنطن، لكنها تنبع من مصالح داخلية ورغبة في منع موسكو من الارتماء الكامل في أحضان الصين.
 وأضاف جيانلي يانغ أن المطلوب من واشنطن ليس فرض الاصطفاف على الهند، بل جعل الشراكة معها الخيار الأكثر جاذبية عبر الحوافز لا العقوبات. 
وحــــذر الكاتب من أن ســـــوء إدارة هـــــذه العلاقة قد يسرع من مساعي «البريكس» لبناء نظام مالي بديل يقلص الاعتماد على الدولار، مما يُضعف النفوذ الأمريكي.

من العقاب إلى بناء الجسور
اختتم جيانلي يانغ مقاله بالتأكيد على أنّ أمام واشنطن خيارين لا ثالث لهما:
إما أن تواصل سياسة الضغوط والرسوم، فتخسر الهند وتدفعها إلى معسكر موسكو وبكين، أو أن تبني شراكة تقوم على الاحترام والمصالح المتبادلة، فتربح حليفاً ديمقراطياً عملاقاً قادراً على موازنة الصين، وتعزز قيادتها في عالم تتزايد فيه التحديات.