الصيد، بروتوكول إيرلندا الشمالية، الحدود ...

لهذا تزداد العلاقات توتّرا بين باريس ولندن...!

لهذا تزداد العلاقات توتّرا بين باريس ولندن...!

   تم تأجيل الإنذار النهائي الذي وجهته فرنسا إلى المملكة المتحدة بشأن منح تراخيص الصيد حتى أمس الخميس، لكن البريكسيت وعواقبه لن يتوقفا عن خلق التعارض بين الحكومتين الفرنسية والبريطانية.
   بالنسبة لكليمنس فورتون، فإن البريكسيت يشبه إلى حد ما يومًا لا نهاية له:
 “نحن في ما يلي البريكسيت الذي لم يتوقف في 31 يناير 2020”، يوم خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، توضح الاستاذة المحاضرة في الدراسات الإنجليزية في مدرسة العلوم السياسية بمدينة ليل، و مؤلفة كتاب “المملكة المتحدة، بلد في أزمة؟” (منشورات لو كافالييه بلو).  ومن بين عواقبه الأخيرة المسجلة: الإنذار الذي حددته باريس للندن. كان أمام المملكة المتحدة، حتى يوم الثلاثاء، منح أكثر من 200 ترخيص للصيادين الفرنسيين، يسمح لهم بالوصول إلى مياهها؛ وقد تم تأجيله الى اليوم الخميس موعد اجتماع بين وزير الدولة الفرنسي للشؤون الأوروبية كليمان بون، ونظيره البريطاني ديفيد فروست.
   في صورة عدم منح هذه التراخيص، وعدت الحكومة الفرنسية بحظر رسوّ السفن البريطانية في معظم موانئها، وتشديد الرقابة على السفن البريطانية والشاحنات “من وإلى المملكة”، وحتى الحد من إمداد الكهرباء إلى الجزر الأنجلو نورمان، التي تعتمد على فرنسا. “هذا النوع من الأزمات، سبق ان حدث خلال السنوات الخمس الماضية: تم منح مواعيد نهائية إضافية، ولم تكن هناك قطيعة نهائية في العلاقات”، تقول الباحثة. لكن الصيد ليس سوى الأحدث في قائمة طويلة من الخلافات بين جانبي المانش: بروتوكول إيرلندا الشمالية، ومراقبة الحدود، أو حتى الرؤية للاتحاد الأوروبي، فالنقاط الشائكة لا تنقص.

الصيد، وزن الريشة اقتصاديا لكنه ثقيل رمزيا
   يمثل قطاع صيد الأسماك 0.1 بالمائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي البريطاني، و0.14 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي الفرنسي، لكنه يمثل رمزيّة عالية: في ديسمبر 2020، خلال المفاوضات الأخيرة بشأن الجانب التجاري من البريكسيت، كان مستقبله موضوع مفاوضات مريرة بين لندن وبروكسل. وبين 2012 و2016، لم يصطد البريطانيون سوى 90 ألف طنا من الأسماك في مياه جيرانهم الأوروبيين، مقارنة بـ 760 ألف طن في الحالة المعاكسة، وفقًا لتقرير الاتحاد الأوروبي.
   وللحفاظ على تراخيصهم، يجب على الصيادين الفرنسيين إثبات أنهم كانوا يتردّدون على المياه البريطانية قبل مغادرة المملكة المتحدة للاتحاد الأوروبي، وهو ما ثبت أنه صعب بالنسبة لصغار الصيادين، الذين هم أقل تجهيزًا. على الجانب الفرنسي، المخاطر كبيرة: تمثل المياه البريطانية 30 بالمائة من انتاج الصيادين الفرنسيين -أحيانًا أبعد كثيرًا من الجزر الأنجلو نورمان، التي تبدأ حدودها البحرية على بعد أميال قليلة من الساحل الفرنسي.
   تؤكد الحكومة البريطانية أن “98 بالمائة من التراخيص قد مُنحت”، في حين ذكرت الحكومة الفرنسية رقم 90 بالمائة فقط. وفي حال تنفيذ باريس تهديداتها، حذرت لندن أنها ستعزز الرقابة على القوارب الأوروبية في مياهها، وستطلق إجراءات تسوية المنازعات، المنصوص عليها في اتفاقية ما بعد البريكسيت.
   لا يستطيع بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني، أن يفقد ماء وجهه في هذا الموضوع: “صيد السمك، كان محوريًا لحملة البريكسيت. وشوهد صيادون إسكتلنديون يتجهون إلى لندن”، تتذكر آن كوسون، الأستاذة المحاضرة في الحضارة البريطانية في جامعة بواتييه.

بروتوكول إيرلندا الشمالية، وجع رأس أبدي
   كانت سلف بوريس جونسون، تيريزا ماي، قد أكدت خلال فترة حكمها، أنه “لن يقبل أي رئيس وزراء على الإطلاق” حدودًا جمركية في البحر الأيرلندي.
ومع ذلك، فإن هذا هو الحل الذي توصل إليه بوريس جونسون، للتوفيق بين ضرورتين متناقضتين: إخراج المملكة المتحدة من السوق الموحدة، ولكن دون عودة الحدود البرية بين الإيرلنديتين. ومع ذلك، رفضت لندن حتى الآن تطبيق هذا البروتوكول.
“إنها مشكلة حقيقية لبوريس جونسون اليوم، لأن الوحدويين لديهم انطباع بأن هذا البروتوكول يحرمهم من المشاركة في قرارات المملكة المتحدة”، تلاحظ آن كوسون.
   ولئن استبعدت باريس مرارًا إعادة التفاوض بشأن بروتوكول إيرلندا الشمالية، فإن الاتحاد الأوروبي في انسجام تام لحماية سوقه الموحدة، من خلال التحكم في المنتجات التي تدخله، فضلاً عن اتفاقيات الجمعة العظيمة. “من وجهة نظر الاتحاد الأوروبي، هناك هاجس الاستقرار، لضمان عملية سلام، لا تنفصل عن البناء الأوروبي”، تقول كليمانس فورتون.
وفي منتصف أكتوبر، عرضت بروكسل تخفيف العديد من الضوابط إذا وافقت لندن على الاّ تباع المنتجات المعنية الا في المملكة المتحدة، دون نجاح حتى الآن.

تمويل مراقبة الحدود موضوع ليّ ذراع
    من 600 عام 2018، ارتفع عدد المهاجرين الذين حاولوا أو نجحوا في عبور المانش بالقوارب إلى 2300 عام 2019، و9500 عام 2020، و15400 في الفترة بين 1 يناير و31 أغسطس من هذا العام. وإذا تشير كليمنس فورتون إلى “عملية تدارك بسبب إغلاق الحدود جراء كوفيد”، فإن تقريرًا صادرًا عن مركز العمليات الإقليمي للمراقبة والإنقاذ في جريس-نيز (با-دو-كاليه)، استشهدت به صحيفة لوموند، يحمّل تكثيف الضوابط الجمركية المرتبطة بالبريكسيت، مسؤولية هذه الزيادة في العبور. بما يغذي التوترات المتصاعدة بين باريس ولندن: “على فرنسا أن تستجمع قواها إذا كانت تريد الحصول على هذه الأموال”، صرحت وزيرة الداخلية البريطانية، بريتي باتيل، في أوائل سبتمبر، بخصوص الاتفاقية الموقعة في يوليو، وتنصّ على دفع 62.7 مليون يورو من قبل لندن لتأمين الحدود. غير ان الوزيرة تحمل أيضًا قانونًا، شجبته منظمات غير حكومية، يهدد طالبي اللجوء الذين دخلوا الأراضي البريطانية بشكل غير قانوني بأحكام بالسجن، ويقلل من احتمالات استئنافهم. “ لقد تم تشديد سياسة الهجرة في المملكة المتحدة إلى حد كبير مؤخرًا”، تشير كليمنس فورتون.

ماكرون وجونسون،
 أوروبي للنخاع ضد
مناصر للبريكسيت
   يضع قرار المملكة المتحدة بمغادرة الاتحاد الأوروبي، رئيسين تتعارض قناعاتهما تمامًا وجها لوجه: تعزيز التكامل الأوروبي لأحدهما، والنجاح خارج الاتحاد الأوروبي للآخر.
 “جونسون يتحدث إلى البريطانيين، وماكرون إلى الفرنسيين: لن ندع الجار يخدعنا”، تلخص كليمنس فورتون. ويصدق هذا بشكل أكبر على الرئيس الفرنسي، الذي سيدخل حملة انتخابات رئاسية في غضون أشهر قليلة، وينوي دفع أولوياته خلال الرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي، التي تبدأ في يناير المقبل.
    ورغم أنه لا يخوض انتخابات مقبلة، إلا أن المهمّة ليست سهلة لرئيس الوزراء البريطاني. “ يحتاج بوريس جونسون إلى إنجاح البريكسيت”، تؤكد آن كوسون، مشيرة إلى الالتزامات التي قطعها خلال حملة الاستفتاء بشأن مغادرة الاتحاد الأوروبي. من جهة أخرى، تضيف كليمانس فورتون، مهندس البريكسيت يحمل وحده وزر المشروع على أكتافه: “ماكرون رئيس دولة واحد من بين 27، بينما جونسون وحده ضد الجميع. بالنسبة له، إنه رهان يتعلق بالشرعية الوطنية”، وهذا قلّما يشجع على التسويات والحلول الوسط.  
عن لو جورنال دي ديمانش