اغتياله في وضح النهار فضيحة غير مسبوقة

لهذا سيطارد مقتل شينزو آبي اليابان لفترة طويلة

لهذا سيطارد مقتل شينزو آبي اليابان لفترة طويلة

- خضع لعدة تحقيقات بسبب عدم التزامه بالقانون، لكنه أفلت من أي إدانة
- نتائج الانتخابات تحمل التأثير المباشر لهذا الحدث، لكنها لا تشير صراحة إلى الاتجاه الذي ستتخذه البلاد في المستقبل


  من النادر جدًا سماع طلقات نارية في اليابان، ولكن حوالي الساعة 11:30 من صباح يوم الجمعة 8 يوليو، طلقتان في مدينة نارا في المنطقة الوسطى من البلاد. كان الهدف هو رئيس الوزراء السابق شينزو آبي، الذي شغل المنصب أطول فترة في تاريخ اليابان، وكان يُعتبر أحد أكثر الشخصيات السياسية نفوذاً في اليابان الحديثة.   تسببت الطلقات على الفور في حالة من الذعر بين الجماهير الحاضرة. تم نقل آبي، الذي أصيب في صدره ورقبته، جوا لتلقي علاج حالات الطوارئ. وتم تأكيد وفاته حوالي الساعة 5 مساءً من اليوم نفسه. مطلق النار، تيتسويا ياماغامي، رجل يبلغ من العمر 41 عامًا، خدم في البحرية اليابانية... وصنع السلاح بنفسه.

   لاحقا، أكدت مؤسسة الإذاعة والتلفزيون العمومي الياباني، التي استقت معلوماتها من قوات الشرطة المحلية، انه لئن اعترف ياماغامي بنيته قتل رئيس الوزراء السابق، فإنه لم يتحرك لأسباب سياسية.
   علاوة على ذلك، هذا الاغتيال، الذي تمّ عشيّة الانتخابات، خلّف صدمة غير مسبوقة في يابان تعتمد سياسة صارمة بشكل خاص فيما يتعلق بمراقبة حيازة الأسلحة: معدل الوفيات السنوي بسلاح ناري هو واحد من أدنى المعدلات في العالم، وفاة واحدة لكل 5 ملايين نسمة. ووفق بحث أجرته جوليا ميو إينوما، مراسلة واشنطن بوست في طوكيو، لم تعلن الدولة الا على ضحية واحدة فقط بسلاح ناري عام 2021.

   الاغتيالات السياسية في اليابان نادرة، وأحدثها الذي قد يصلح للمقارنة، هو طعن زعيم الحزب الاشتراكي إينجيرو أسانوما عام 1960 من قبل ناشط يميني متطرف، أو طعن رئيس الوزراء تسويوشي إينوكاي، الذي قُتل بالرصاص في محاولة انقلاب عسكرية عام 1932.   عام 1990، نجا رئيس بلدية ناغازاكي من محاولة، بينما في عام 2007 مات خليفته بنيران ياكوزا.

لكن مقتل آبي يمثل نقطة تحول في تاريخ السياسة اليابانية. فعلى الرغم من أن هذا الأخير استطاع إثارة حشود من المتظاهرين الغاضبين ضد قوانينه للأمن العسكري، إلا أن العنف السياسي يظل غير مألوف في اليابان. تاريخيًا، ارتبطت هذه الأحداث في الغالب بالأقليات، ولا سيما الكوريون الزايشيني.

غضب وخوف وحزن
   قاد شينزو آبي البلاد من عام 2006 إلى عام 2007، ثم من عام 2012 إلى عام 2020. ممثل الحزب الليبرالي الديمقراطي (يمين الوسط)، القوي بالثقة الممنوحة له من قبل أكبر عدد، فرض نفسه على رأس بلد هزّته سنوات من المناخ السياسي الفوضوي، وسلسلة من الكوارث الطبيعية (الزلازل وأمواج تسونامي عام 2011).
   لقد أيقظ اقتصاد اليابان الراكد من خلال كتابه أبينوميكس، وهو رمز لحقبة تميزت بمنحنى نمو متواضع -مثل أرباح الشركات -ولكن أيضًا من خلال زيادة التفاوت في الأجور. وسيُذكر أيضًا ضغط آبي من أجل الإصلاح الدستوري، في محاولة لإعادة تسليح اليابان في مواجهة التهديد الصيني المتزايد.
   أكسبته هذه الخطوة الأخيرة احترامًا خاصًا بين القوميين اليابانيين واليمين المتطرف، بينما أثارت حفيظة الجيران الآسيويين.   تجمّع اليابانيون بأعداد غفيرة لتكريمه في نارا، موقع الاغتيال، حيث تكدست الزهور وزجاجات الساكي. على الشبكات الاجتماعية، توزّعت ردود الفعل بين الحزن والغضب، بما في ذلك الاتهامات بان يكون المشتبه به “بالضرورة من أصل كوري»...   «نحن اليابانيين مخدّرون للغاية بالشعور بالأمان الى درجة أننا لم نتمكن من حماية السيد آبي”، حللت تغريدة انتشرت على نطاق واسع من أحد أنصار آبي. وبينما يرتجف اليمين غضبا، يحاول اليسار التعاطي مع آلامه وخوفه. من المحتمل أن تؤثر التداعيات بعيدة المدى التي شوهدت في نتائج الانتخابات الاخيرة على كل جوانب مستقبل الأمة.

خلافة كيشيدا
   بعد التنحي عن منصبه عام 2020 لأسباب صحية، واصل آبي حملته لزيادة الإنفاق العام وميزانية الدفاع. خليفته، فوميو كيشيدا، المعروف في الحزب الديمقراطي الليبرالي بأفكاره المعتدلة، فضل أن ينأى بنفسه عن أبينوميكس، الذي فقد ثقة اليابانيين، للتركيز على الحد من التفاوت الاجتماعي ودعم الطبقات الوسطى.   لكن موقفه من مراجعة الدستور الياباني، المسالم، من أجل تعزيز ثقل الجيش، مشابه لموقف آبي. ونتيجة انتخابات أعضاء مجلس الشيوخ، التي تعزز موقف فوميو كيشيدا والحزب الليبرالي الديمقراطي، يمكن أن تدعم هذه الجهود. خلال الأشهر القليلة الماضية، واصل شينزو آبي الإعراب بقوة عن دعمه لسياسات كيشيدا.   وخلال فترة ولايته، فرض رئيس الوزراء السابق سيطرة قوية وعدوانية على وسائل الإعلام، وكان موضوع عدة تحقيقات لعدم الامتثال للقانون -لكنه أفلت من أي إدانة.

شباب غاضبون
   لا يُعرف سوى القليل عن المهاجم تيتسويا ياماغامي ونواياه. وقال بيان لوكالة أسوشيتد برس إنه قرر قتل آبي بعد “تصديقه شائعات تربط رئيس الوزراء السابق بمنظمة ما لم تحددها الشرطة”. الاغتيال، على الرغم من عدم توقعه، يأتي في سياق حوادث ذات سيناريوهات مماثلة: في كل حالة من هذه الحالات، يكون رجل يتراوح عمره بين 20 و40 عامًا، منعزلًا وعاطلًا عن العمل، هو صاحب فعل عنيف نادر، أثاره استياء عميق.   كان هذا هو الحال عام 2021، أثناء هجوم الطعن في مترو أنفاق طوكيو، والذي أدى إلى إصابة سبعة عشر شخصًا، كما حدث عام 2019 بحرق استوديو كيوتو للرسوم المتحركة مما تسبب في مقتل ستة وثلاثين شخصًا في العام نفسه .   وينطبق الشيء نفسه على الحادث الذي وقع في حي أكيهابارا بطوكيو عام 2008، عندما قاد رجل شاحنة وسط حشد قبل طعن المارة. أحداث تشترك في أوجه تشابه مزعجة مع عمليات إطلاق النار القاتلة المسجّلة أخيرا في الولايات المتحدة، والتي غالبًا ما يرتكبها شبان غاضبون.   في اليابان غير المسلحة والمسالمة سياسياً، يعتبر مقتل شينزو آبي بالرصاص في وضح النهار فضيحة غير مسبوقة. قبل يوم الجمعة الماضي، كان من المستحيل تخيّل ذلك. إن نتائج الانتخابات تحمل التأثير المباشر لهذا الحدث، لكنها لا تشير صراحة إلى الاتجاه الذي ستتخذه البلاد في المستقبل. ومن المحتمل جدًا أننا سنضطر إلى الانتظار لأسابيع أو شهور أو حتى سنوات، لمعرفة البعد الكامل وفهم الأهمية التاريخية لهذه الجريمة.
------------------------------
كاتب، مترجم من اليابانية، مركزه نيويورك.