رئيس الدولة ونائباه يهنئون رئيس المجلس الرئاسي الليبي بذكرى استقلال بلاده
نشأت مع تدهور الأسر السياسية التقليدية
ليست الراديكالية: احتضار الشعبوية الفرنسية...!
- من خلال الانحراف نحو اليسار، نفهم أن هذه اللحظة الشعبوية تقترب من نهايتها
- تهدف «الشعبوية اليسارية» إلى توسيع نطاق اليسار، وإن إثارة كل الراديكاليات ترافق ارتدادها
- يميل ميلينشون 2017 بعدة طرق نحو النسخة الفرنسية من بابلو إغليسياس
- كانت اللحظة الشعبوية هي لحظة الخطوط المتحركة، وكانت لحظة ما بعد الشعبوية هي لحظة الاستقطاب المتفاقم
شهد العقد الماضي تدهور الأسر السياسية التقليدية واعتناق المزيد من القوى الهامشية قضية الشعبوية. قد تكون تلك اللحظة وراءنا، وهي ليست بالضرورة بشرى سارة للديمقراطية. بعد أزمة 2008-2009، شهدت مجتمعاتنا عودة ظهور ما يمكن تعريفه بالشعبوية. موضوعات مثل “الشعبوية اليسارية” أو “فرنسا المحيطية” “أو “عنصرية الدولة” وغيرها الكثير” غالبًا ما تكشف عن مواقف أكثر منها تحليلات متباينة. شهدت السنوات القليلة الماضية الكثير من الحديث عن “الشعبوية اليسارية”، التي كان مصدر إلهامها إرنستو لاكلاو “توفي عام 2014” وشانتال موف، وإنيغو إريجون. لاكلو وموف، نشرا في أوائل الثمانينات -عندما ازدهرت “الليبرالية الجديدة”، أي التجارب التي أجريت في المملكة المتحدة على يد مارغريت تاتشر والولايات المتحدة لرونالد ريغان –نشرا “ الهيمنة واستراتيجية الاشتراكية”، وهو عمل مهم من حيث المحاولات النظرية للرد على النيوليبرالية، كما تم تحليلها جيدًا من قبل ستيوارت هول في كتاباته.
جميعهم استلهم من جرامشي واستوعبوه جيدًا. من خلال تاريخهم ومراكز اهتمامهم، وموضوعات دراستهم، صمّموا جميعًا على تجديد التفكير النقدي المتعلق بمسائل الهيمنة الثقافية... يبقى إيجاد اللحظة المواتية لتطبيقها.
نعم، كانت هناك لحظة شعبوية
كانت هناك لحظة شعبوية. في النمسا، أشارت النتيجة البالغة الأهمية لليمين المتطرف في الانتخابات البلدية في فيينا أكتوبر 2010 إلى عودة الشعبوية اليمينية إلى واجهة المشهد الأوروبي. في مارس 2011، أظهرت انتخابات الكانتونات الفرنسية اختراقا للجبهة الوطنية “المعدلة”، بعد تولي مارين لوبان رئاسة الحزب الذي أسسه والدها.
كانت النتائج حينها لا جدال فيها والاستطلاعات “التي أجرتها ايفوب على وجه الخصوص” لا تسمح بمعرفة مدى التحركات الجارية على نطاق أوسع وكذلك على المستوى المحلي الجزئي. وريثة حزب “شعبوي قومي”، على حد تعبير جان بيير ستيربويس، تركت مارين لوبان لمنظمي استطلاعات الرأي والصحفيين مهمة تأليف قصة صعودها. تعرف موف النمسا جيدًا، كما يعرف لاكلاو إسبانيا ودول أمريكا اللاتينية...
مسار السنوات التي تلت سنوات الأزمة الاقتصادية، يسلط الضوء على صعود حركات اليسار الراديكالية في العديد من البلدان. في شبه الجزيرة الأيبيرية عام 2014 تظهر حركة بوديموس. وتم النظر إلى الظاهرة الشعبوية على أنها “يسارية” محتملة. ويدفع الكسل الفكري إلى تكرار أن التطرفين يلتقيان؛ ومع ذلك، لا يوجد تقاطع بين الحركات الانتخابية المعنية أو المنظمات التي تتكون منها، إلا في هوامشها القصوى ووفقًا للمسارات الفردية، حتى وإن كانت منحرفة بالمعنى الصحيح للمصطلح. تستمد الحركات اليسارية الراديكالية قلب ديناميكيتها من الفئات الاجتماعية الشابة والمتعلمة والمنكوبة بالأزمات. من حولهم، يتم تنظيم تحالفات اجتماعية مختلفة حسب البلد. غالبًا ما كانوا يشاركون بجزء من إمكاناتهم في “حركات الساحات».
بالنسبة للجزء الأكبر، في ما يسمى بالمجتمعات “الغربية”، فإن الحركة المزدوجة تتجه نحو اليمين اتجاهها نحو الشعبوية. وهذا على الرغم من لحظة “اليسار الشعبوية” التي عرفناها.
ومع ذلك، فبانحرافها نحو اليسار، نفهم أن هذه اللحظة الشعبوية تقترب من نهايتها.
بوادر نهاية اللحظة الشعبوية
في إيطاليا، أدى فقدان زخم اليمين الشعبوي “الرابطة” أو الحركات المناهضة للسياسيين المماثلة لـ “الشعبوية” “حركة 5 نجوم” إلى إعادة تنشيط الانقسام بين “يمين الوسط” و”يسار الوسط”. وقد يمثل ليتا وميلوني إيطاليتين اثنتين، ولكن ربما ليس فقط إيطاليا “الباذخة” وإيطاليا “السفلي” كما تم الادعاء قبل أربع أو خمس سنوات. في إسبانيا، أصبح بوديموس يسارًا راديكاليًا “طبيعيًا” بينما يظهر فوكس كيمين متطرف تقليدي وليس كقوة شعبوية.
في بعض الاستطلاعات الأكثر جدية، مثل استطلاعات فوندابول، يمكن متابعة تطور “الخطر الشعبوي”، لكن لنسلّم، وفقًا لشبكة القراءة المستخدمة هنا “هناك دراسات أخرى، مثل استقصاء دومينيك ريني”، بأنّ الاستراتيجية الخطابية التي تهدف إلى توحيد المطالب المتنوعة هي الأكثر صعوبة.
لتوضيح الأمر ببساطة، فإن الطابع الانصهاري والأيديولوجي والانتخابي يميل إلى إفساح المجال لثلاثة أقطاب حازمة بشكل متزايد ولكنها تسمح بحكم الواقع بما هو أقل من “بناء شعب” وانما الحفاظ على علاقات جيدة مع قطاعات الناخبين التي سمحت أو ستسمح بالانتخاب وربما إعادة الانتخاب.
في فرنسا: ميلينشون أو اختيار جريللو ضد لاكلو
الشعبوية ليست الراديكالية: إنهما بعدان مختلفان للسياسة وبناء الانقسامات الخاصة بها. لقد تم استنكار الشعبوية اليسارية داخل اليسار الراديكالي، ليس فقط لأسباب نظرية مبنية في كثير من الأحيان “تبنّتها مجلة كونتروطون”، ولكن أيضًا بسبب مجرد الخوف من رؤية كلمة “شعبوية” تشوههم في عيون مجموعة اجتماعية أو في وسط يتحركون وينشطون فيه، أي القلب السياسي والاجتماعي والأجيال التي تكون فيها الشعبوية مرادفًا للوبينية “نسبة الى لوبان».
يميل ميلينشون 2017 بعدة طرق نحو النسخة الفرنسية من بابلو إغليسياس. ليس فقط لأنه دعا شانتال موف وتناقش معها، وليس فقط بسبب موهبة فريقه الاتصالي، ولكن لأنه يبتكر سياسيًا واستراتيجيًا. خطاباته تستعير من 1848، 1870، ومن جوريس وديغول. إنه يتموقع كمحفز لتطلعات مختلفة. بعد عام 2017 يدوس، والخطوط تتجمد في البلاد ...
يبدو ميلينشون 2022 اشبه ببيبي جريللو. إنه يغري كل تطرف، ويغازل إسلاموية ما، بقدر ما يرسم خطوط تقارب مع مناهضي التطعيم ضد كورونا “لم يطلب جان لوك ميلينشون أبدًا من الفرنسيين أن يحصلوا على التطعيم”، تاركًا، لقاعدته، سربًا من الخيارات الغامضة حول حقوق المرأة، والتجاوزات، ونزعة انتقامية مناهضة للصهيونية يتقلص إخفاؤها أو مقيدة في إطار داخلي صارم، تحالف مع حزب يساري متطرف سلطوي مثل حزب العمال المستقل.
داخليا، الذين كانوا يفكرون في بديل للوزير الاشتراكي السابق، ويطلبون “انفجارا كبيرا”، يغيرون رأيهم وينسجون أمجادًا للمرشح، مع انه انهزم للمرة الثالثة في الانتخابات الرئاسية. لماذا تغيير الوجهة هذا؟ لأن اليسار في حالة ارتداد وجزر.
تهدف “الشعبوية اليسارية” إلى توسيع نطاق اليسار. إن إثارة كل الراديكاليات ترافق ارتدادها، الذي يتطلب مع ذلك تحالفًا. هذا الأخير ضروري لقادته الحزبيين لحبس أنفسهم في حصن محاصر -الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد. مستسلما إلى عقدة سياجية شائعة جدًا في السياسة، يحاولون إثبات أنهم سينتصرون بينما يستمرون في تطهير صفوفهم الداخلية الهزيلة ...
هل كانت أطروحات لاكلاو وموف وإيريجون ستنقذ اليسار من الانقراض الوشيك المحتمل؟ لا شيء مؤكد. ومع ذلك، يبدو أن الخط الحالي، الذي لا رجوع فيه تمامًا، يسرّع عملية الانحدار.
في قصر بوربون، كان الوصول الصاخب لنواب حركة فرنسا المتمردة، الذين انتشى الكثير منهم معجبين بأنفسهم، هو تمويه لليأس السياسي لليسار من أجل قضيتهم أكثر من أي شيء آخر. اتهم يحتفلون بصعودهم رقصا، لكن لا يمكن إخفاء حقيقة أنه بعد هذا التشريف المبهج، لن يكون لديهم الكثير ليقولوه.
الأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة لحركة فرنسا المتمردة هي الأرقام المتعلقة بـ “قيم” الفئات الأصغر سنًا من ناخبيها على وجه الخصوص، والتواطؤ من جانبها الذي يتطلبه. هذه الاختلافات العميقة والأساسية، التي لا تفاجئ بشكل أساسي إذا قمنا بتحليل تطور مجتمعنا قليلاً، تظهر أن الامر يتعلق بتناقض سيكون من الصعب حله.
يجد كبار السنّ صعوبة للتعويض عن ولع الأصغر سنًا بأشكال الصرامة الأخلاقية، والعداء للعلمانية، وهي أقل أهمية بكثير بين المسيحيين واليهود -حتى المتدينين منهم -منها بين المسلمين. وهذه تناقضات موضوعية.
تمرد ينقرض
النائب غيرود، استفزازا، لا يريد مساعدين برلمانيين “جميعهم” من خريجي المدارس الكبرى. والحقيقة أكثر قسوة: كم عدد الطلاب من نورمال سوب أو بوليتكنيك يتقدمون بطلب إلى الجمعية الوطنية؟
الأحداث حول الأزياء، والمواجهات، والنقاشات حول ربطة العنق، وأسلوب اللباس المشكوك فيه والمزعوم، والصياغة الخطرة، هل هي حواف استراتيجية محفورة بدقة؟ الأكثر تأكيدًا، انها محاولة للحفاظ على هيمنته على يسار يقترح عليه، مقابل خضوع نسبي واني، إجراء انسحاب انتخابي بترتيب ظاهر.
تصريحات تدعي أنها جذرية أكثر فأكثر، ولكنها تأتي من المألوف والشائع أو من فكر انى، تكشف عن عجز واضح في تجاوز تجربته الذاتية وجعلها كونية. وهذه القدرة الأخيرة متكافئة مع حقيقة ان تكون عضوًا في التمثيل الوطني ... ربما تكون عديمة الاهمية ولكن تظهر، خصوصا، رغبة في الهيمنة على اليسار في التراجع التاريخي الذي يحدث. إنه شكل من أشكال العودة إلى العادات والتصلب الذي نشهده.
كانت اللحظة الشعبوية هي لحظة الخطوط المتحركة، وكانت لحظة ما بعد الشعبوية هي لحظة الاستقطاب المتفاقم. من هنا، أصبحت الحالة ميلينشون ثانوية نسبيًا لتصبح مجددا استراتيجية. وهذا لا يعني نهاية الشعبوية تمامًا بل يعني نهاية لحظة خاصة جدًا. ان حالة التجمع الوطني تستحق المتابعة عن كثب أيضًا ...
*عضو مرصد الراديكاليات السياسية في مؤسسة جان جوريس، باحث في العلوم السياسية، متخصص في اليمين والأبعاد الثقافية للسياسة، ومؤلف العديد من البحوث منها “الى اللقاء غرامشي” منشورات سارف 2015».
- تهدف «الشعبوية اليسارية» إلى توسيع نطاق اليسار، وإن إثارة كل الراديكاليات ترافق ارتدادها
- يميل ميلينشون 2017 بعدة طرق نحو النسخة الفرنسية من بابلو إغليسياس
- كانت اللحظة الشعبوية هي لحظة الخطوط المتحركة، وكانت لحظة ما بعد الشعبوية هي لحظة الاستقطاب المتفاقم
شهد العقد الماضي تدهور الأسر السياسية التقليدية واعتناق المزيد من القوى الهامشية قضية الشعبوية. قد تكون تلك اللحظة وراءنا، وهي ليست بالضرورة بشرى سارة للديمقراطية. بعد أزمة 2008-2009، شهدت مجتمعاتنا عودة ظهور ما يمكن تعريفه بالشعبوية. موضوعات مثل “الشعبوية اليسارية” أو “فرنسا المحيطية” “أو “عنصرية الدولة” وغيرها الكثير” غالبًا ما تكشف عن مواقف أكثر منها تحليلات متباينة. شهدت السنوات القليلة الماضية الكثير من الحديث عن “الشعبوية اليسارية”، التي كان مصدر إلهامها إرنستو لاكلاو “توفي عام 2014” وشانتال موف، وإنيغو إريجون. لاكلو وموف، نشرا في أوائل الثمانينات -عندما ازدهرت “الليبرالية الجديدة”، أي التجارب التي أجريت في المملكة المتحدة على يد مارغريت تاتشر والولايات المتحدة لرونالد ريغان –نشرا “ الهيمنة واستراتيجية الاشتراكية”، وهو عمل مهم من حيث المحاولات النظرية للرد على النيوليبرالية، كما تم تحليلها جيدًا من قبل ستيوارت هول في كتاباته.
جميعهم استلهم من جرامشي واستوعبوه جيدًا. من خلال تاريخهم ومراكز اهتمامهم، وموضوعات دراستهم، صمّموا جميعًا على تجديد التفكير النقدي المتعلق بمسائل الهيمنة الثقافية... يبقى إيجاد اللحظة المواتية لتطبيقها.
نعم، كانت هناك لحظة شعبوية
كانت هناك لحظة شعبوية. في النمسا، أشارت النتيجة البالغة الأهمية لليمين المتطرف في الانتخابات البلدية في فيينا أكتوبر 2010 إلى عودة الشعبوية اليمينية إلى واجهة المشهد الأوروبي. في مارس 2011، أظهرت انتخابات الكانتونات الفرنسية اختراقا للجبهة الوطنية “المعدلة”، بعد تولي مارين لوبان رئاسة الحزب الذي أسسه والدها.
كانت النتائج حينها لا جدال فيها والاستطلاعات “التي أجرتها ايفوب على وجه الخصوص” لا تسمح بمعرفة مدى التحركات الجارية على نطاق أوسع وكذلك على المستوى المحلي الجزئي. وريثة حزب “شعبوي قومي”، على حد تعبير جان بيير ستيربويس، تركت مارين لوبان لمنظمي استطلاعات الرأي والصحفيين مهمة تأليف قصة صعودها. تعرف موف النمسا جيدًا، كما يعرف لاكلاو إسبانيا ودول أمريكا اللاتينية...
مسار السنوات التي تلت سنوات الأزمة الاقتصادية، يسلط الضوء على صعود حركات اليسار الراديكالية في العديد من البلدان. في شبه الجزيرة الأيبيرية عام 2014 تظهر حركة بوديموس. وتم النظر إلى الظاهرة الشعبوية على أنها “يسارية” محتملة. ويدفع الكسل الفكري إلى تكرار أن التطرفين يلتقيان؛ ومع ذلك، لا يوجد تقاطع بين الحركات الانتخابية المعنية أو المنظمات التي تتكون منها، إلا في هوامشها القصوى ووفقًا للمسارات الفردية، حتى وإن كانت منحرفة بالمعنى الصحيح للمصطلح. تستمد الحركات اليسارية الراديكالية قلب ديناميكيتها من الفئات الاجتماعية الشابة والمتعلمة والمنكوبة بالأزمات. من حولهم، يتم تنظيم تحالفات اجتماعية مختلفة حسب البلد. غالبًا ما كانوا يشاركون بجزء من إمكاناتهم في “حركات الساحات».
بالنسبة للجزء الأكبر، في ما يسمى بالمجتمعات “الغربية”، فإن الحركة المزدوجة تتجه نحو اليمين اتجاهها نحو الشعبوية. وهذا على الرغم من لحظة “اليسار الشعبوية” التي عرفناها.
ومع ذلك، فبانحرافها نحو اليسار، نفهم أن هذه اللحظة الشعبوية تقترب من نهايتها.
بوادر نهاية اللحظة الشعبوية
في إيطاليا، أدى فقدان زخم اليمين الشعبوي “الرابطة” أو الحركات المناهضة للسياسيين المماثلة لـ “الشعبوية” “حركة 5 نجوم” إلى إعادة تنشيط الانقسام بين “يمين الوسط” و”يسار الوسط”. وقد يمثل ليتا وميلوني إيطاليتين اثنتين، ولكن ربما ليس فقط إيطاليا “الباذخة” وإيطاليا “السفلي” كما تم الادعاء قبل أربع أو خمس سنوات. في إسبانيا، أصبح بوديموس يسارًا راديكاليًا “طبيعيًا” بينما يظهر فوكس كيمين متطرف تقليدي وليس كقوة شعبوية.
في بعض الاستطلاعات الأكثر جدية، مثل استطلاعات فوندابول، يمكن متابعة تطور “الخطر الشعبوي”، لكن لنسلّم، وفقًا لشبكة القراءة المستخدمة هنا “هناك دراسات أخرى، مثل استقصاء دومينيك ريني”، بأنّ الاستراتيجية الخطابية التي تهدف إلى توحيد المطالب المتنوعة هي الأكثر صعوبة.
لتوضيح الأمر ببساطة، فإن الطابع الانصهاري والأيديولوجي والانتخابي يميل إلى إفساح المجال لثلاثة أقطاب حازمة بشكل متزايد ولكنها تسمح بحكم الواقع بما هو أقل من “بناء شعب” وانما الحفاظ على علاقات جيدة مع قطاعات الناخبين التي سمحت أو ستسمح بالانتخاب وربما إعادة الانتخاب.
في فرنسا: ميلينشون أو اختيار جريللو ضد لاكلو
الشعبوية ليست الراديكالية: إنهما بعدان مختلفان للسياسة وبناء الانقسامات الخاصة بها. لقد تم استنكار الشعبوية اليسارية داخل اليسار الراديكالي، ليس فقط لأسباب نظرية مبنية في كثير من الأحيان “تبنّتها مجلة كونتروطون”، ولكن أيضًا بسبب مجرد الخوف من رؤية كلمة “شعبوية” تشوههم في عيون مجموعة اجتماعية أو في وسط يتحركون وينشطون فيه، أي القلب السياسي والاجتماعي والأجيال التي تكون فيها الشعبوية مرادفًا للوبينية “نسبة الى لوبان».
يميل ميلينشون 2017 بعدة طرق نحو النسخة الفرنسية من بابلو إغليسياس. ليس فقط لأنه دعا شانتال موف وتناقش معها، وليس فقط بسبب موهبة فريقه الاتصالي، ولكن لأنه يبتكر سياسيًا واستراتيجيًا. خطاباته تستعير من 1848، 1870، ومن جوريس وديغول. إنه يتموقع كمحفز لتطلعات مختلفة. بعد عام 2017 يدوس، والخطوط تتجمد في البلاد ...
يبدو ميلينشون 2022 اشبه ببيبي جريللو. إنه يغري كل تطرف، ويغازل إسلاموية ما، بقدر ما يرسم خطوط تقارب مع مناهضي التطعيم ضد كورونا “لم يطلب جان لوك ميلينشون أبدًا من الفرنسيين أن يحصلوا على التطعيم”، تاركًا، لقاعدته، سربًا من الخيارات الغامضة حول حقوق المرأة، والتجاوزات، ونزعة انتقامية مناهضة للصهيونية يتقلص إخفاؤها أو مقيدة في إطار داخلي صارم، تحالف مع حزب يساري متطرف سلطوي مثل حزب العمال المستقل.
داخليا، الذين كانوا يفكرون في بديل للوزير الاشتراكي السابق، ويطلبون “انفجارا كبيرا”، يغيرون رأيهم وينسجون أمجادًا للمرشح، مع انه انهزم للمرة الثالثة في الانتخابات الرئاسية. لماذا تغيير الوجهة هذا؟ لأن اليسار في حالة ارتداد وجزر.
تهدف “الشعبوية اليسارية” إلى توسيع نطاق اليسار. إن إثارة كل الراديكاليات ترافق ارتدادها، الذي يتطلب مع ذلك تحالفًا. هذا الأخير ضروري لقادته الحزبيين لحبس أنفسهم في حصن محاصر -الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد. مستسلما إلى عقدة سياجية شائعة جدًا في السياسة، يحاولون إثبات أنهم سينتصرون بينما يستمرون في تطهير صفوفهم الداخلية الهزيلة ...
هل كانت أطروحات لاكلاو وموف وإيريجون ستنقذ اليسار من الانقراض الوشيك المحتمل؟ لا شيء مؤكد. ومع ذلك، يبدو أن الخط الحالي، الذي لا رجوع فيه تمامًا، يسرّع عملية الانحدار.
في قصر بوربون، كان الوصول الصاخب لنواب حركة فرنسا المتمردة، الذين انتشى الكثير منهم معجبين بأنفسهم، هو تمويه لليأس السياسي لليسار من أجل قضيتهم أكثر من أي شيء آخر. اتهم يحتفلون بصعودهم رقصا، لكن لا يمكن إخفاء حقيقة أنه بعد هذا التشريف المبهج، لن يكون لديهم الكثير ليقولوه.
الأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة لحركة فرنسا المتمردة هي الأرقام المتعلقة بـ “قيم” الفئات الأصغر سنًا من ناخبيها على وجه الخصوص، والتواطؤ من جانبها الذي يتطلبه. هذه الاختلافات العميقة والأساسية، التي لا تفاجئ بشكل أساسي إذا قمنا بتحليل تطور مجتمعنا قليلاً، تظهر أن الامر يتعلق بتناقض سيكون من الصعب حله.
يجد كبار السنّ صعوبة للتعويض عن ولع الأصغر سنًا بأشكال الصرامة الأخلاقية، والعداء للعلمانية، وهي أقل أهمية بكثير بين المسيحيين واليهود -حتى المتدينين منهم -منها بين المسلمين. وهذه تناقضات موضوعية.
تمرد ينقرض
النائب غيرود، استفزازا، لا يريد مساعدين برلمانيين “جميعهم” من خريجي المدارس الكبرى. والحقيقة أكثر قسوة: كم عدد الطلاب من نورمال سوب أو بوليتكنيك يتقدمون بطلب إلى الجمعية الوطنية؟
الأحداث حول الأزياء، والمواجهات، والنقاشات حول ربطة العنق، وأسلوب اللباس المشكوك فيه والمزعوم، والصياغة الخطرة، هل هي حواف استراتيجية محفورة بدقة؟ الأكثر تأكيدًا، انها محاولة للحفاظ على هيمنته على يسار يقترح عليه، مقابل خضوع نسبي واني، إجراء انسحاب انتخابي بترتيب ظاهر.
تصريحات تدعي أنها جذرية أكثر فأكثر، ولكنها تأتي من المألوف والشائع أو من فكر انى، تكشف عن عجز واضح في تجاوز تجربته الذاتية وجعلها كونية. وهذه القدرة الأخيرة متكافئة مع حقيقة ان تكون عضوًا في التمثيل الوطني ... ربما تكون عديمة الاهمية ولكن تظهر، خصوصا، رغبة في الهيمنة على اليسار في التراجع التاريخي الذي يحدث. إنه شكل من أشكال العودة إلى العادات والتصلب الذي نشهده.
كانت اللحظة الشعبوية هي لحظة الخطوط المتحركة، وكانت لحظة ما بعد الشعبوية هي لحظة الاستقطاب المتفاقم. من هنا، أصبحت الحالة ميلينشون ثانوية نسبيًا لتصبح مجددا استراتيجية. وهذا لا يعني نهاية الشعبوية تمامًا بل يعني نهاية لحظة خاصة جدًا. ان حالة التجمع الوطني تستحق المتابعة عن كثب أيضًا ...
*عضو مرصد الراديكاليات السياسية في مؤسسة جان جوريس، باحث في العلوم السياسية، متخصص في اليمين والأبعاد الثقافية للسياسة، ومؤلف العديد من البحوث منها “الى اللقاء غرامشي” منشورات سارف 2015».