رئيس الدولة: الدورة تعزز الحوار والتعارف والتنافس بين شباب العالم على أرض الإمارات
علاقات متوترة، وتبادل للاتهامات:
ماكرون وأوروبا الوسطى والشرقية: تحديات الولاية الثانية
-- يُنظر للولاية الأولى لماكرون في أوروبا الوسطى والشرقية على أنها ولاية الحوار الساذج مع روسيا
-- معضلـــة فرنســــا كلاسيكية: كيفية دعم الجناح الشرقي لأوروبا دون قطع العلاقات مع موسكو
-- يعتبر مفهوم الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي سذاجة، واعترافًا بالضعف وحتى استسلاما لموسكو
-- بالنسبة للعديد من القادة السياسيين في أوروبا الشرقية، يميل ماكرون إلى التضحية بحلف الناتو
كانت العلاقات بين الرئيس ماكرون وأوروبا الشرقية متوترة منذ البداية، ومليئة بسوء التفاهم وتبادل الاتهامات. وفي سياق الحرب الأوكرانية، وعلى عتبة ولايته الثانية، يواجه الرئيس الفرنسي العديد من التحديات في منطقة يتزايد نفوذها في الاتحاد الأوروبي.
الحرب في أوكرانيا، عامل أساسي
في الانتخابات الرئاسية الفرنسية
بدأ الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير، في الوقت الذي كان من المفترض أن يطلق فيه إيمانويل ماكرون حملته الانتخابية. وطغت عودة الحرب الطاحنة وواسعة النطاق في أوروبا على المناقشات الانتخابية، ولعبت دورًا واضحًا في انتصار الرئيس المنتهية ولايته. في الواقع، ساهم العدوان الروسي بشكل عام، والموقف الاستراتيجي للرئيس بوتين على وجه الخصوص، في تشويه سمعة المنافسين الرئيسيين للرئيس المنتهية ولايته: مارين لوبان وإريك زمور وجان لوك ميلينشون، أقاموا منذ فترة طويلة علاقات سياسية مع سيد الكرملين، أو دعموا هذا الجانب او ذاك من سياسته الداخلية، أو حتى برّروا جوانب معينة من سياسته الخارجية مثل ضم شبه جزيرة القرم عام 2014.
من جهته، وعلى الرغم من الحملة الانتخابية وفترة التحفظ، تولى الرئيس الفرنسي مرة أخرى دور الزعيم الأوروبي في دعم أوكرانيا ضد روسيا، وشنّ ست موجات من العقوبات ضد الاتحاد الروسي، وتوفير المعدات والمعلومات العسكرية لكييف، وتمويل سير عمل الدولة الأوكرانية إذا لزم الأمر.
في فرنسا، عزّزت تصرفاته في أوروبا الوسطى والشرقية مكانته كرجل دولة، وضربت حنكته السياسية في الصميم، بالمقارنة، مصداقية خصومه. وقد تجلّى الدور المركزي لأوروبا الشرقية في النقاشات الفرنسية خلال المناظرة في الجولة الثانية: أحدث الرئيس ماكرون خاصة الفارق مع منافسته، مارين لوبان، عبر الإشارة إلى التقارب المالي والأيديولوجي بين التجمع الوطني والحكومة الروسية.
ولئن كانت السياسة الخارجية لا تكفي للفوز بالانتخابات، فإن الحرب في أوكرانيا ساعدت الرئيس الحالي إلى حد كبير على التميّز عن المترشحين الآخرين. عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع عواقب هذه الأزمة الكبرى -تمدّد الحرب، أو المخاطر النووية، أو تدهور الظروف الاقتصادية -بدا أنه في أفضل وضع لدى معظم الناخبين.
ومع ذلك، فإن إجراءاته الحازمة ضد غزو روسيا لأوكرانيا لن تكون كافية لترسيخ فرنسا كقوة موازنة في أوروبا الوسطى والشرقية، سواء تجاه الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي (دول البلطيق الثلاث، بولندا وهنغاريا ورومانيا والجمهورية التشيكية وسلوفاكيا وبلغاريا وسلوفينيا) أو تجاه الدول غير الأعضاء (مولدوفا والبلقان وأوكرانيا والقوقاز). في الواقع، اختار إيمانويل ماكرون في فترة ولايته الأولى استراتيجية توتر مع هذه المنطقة من العالم، ولا سيما بولندا حزب القانون والعدالة، وهنغاريا فيكتور أوربان.
ونتيجة لذلك، فإن الرأي العام والحكومات المحلية ليسوا على استعداد لقبول دور معزز لفرنسا في المنطقة. وتبرز هذه التوترات بوضوح اليوم، في الانتقادات الموجهة إلى فرنسا: فالأخيرة متهمة باستمرار بعدم دعم أوكرانيا بما يكفي ضد روسيا بسبب موقفها المختلف بشأن انضمام كييف الفوري إلى الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال.
وإذا كان موقف إيمانويل ماكرون من أوكرانيا قد ساهم في انتصاره في الداخل، ففي الخارج، فإن سياسته الروسية هي مصدر قلق، وسوء فهم في أوروبا الشرقية.
بين باريس والشرق، تميزت الولاية الأولى بالتوتر
في أوروبا الوسطى والشرقية، يعاني النفوذ الفرنسي حاليًا من عدة إخفاقات خلال فترة ولاية ماكرون الأولى.
أولاً وقبل كل شيء، للدول الواقعة على الجانب الشرقي لأوروبا استياء حقيقي من “روح بريجانسون”. يجدر التذكير أنه في أغسطس 2019، قبل قمة مجموعة السبع في بياريتز، أراد الرئيس الفرنسي استقبال نظيره الروسي في قلعة بريجانسون لإظهار أن فرنسا ظلت وفية لعقيدتها في “المطالبة بالحوار” مع روسيا. وعلى الرغم من استبعاد روسيا طيلة خمس سنوات من معظم المنتديات الدولية الغربية، فقد اختار الرئيس الفرنسي تنمية اختلافه، النابع من التقاليد الديغولية للحوار الفرنسي الروسي.
أثار هذا الاختيار قلقًا عميقًا في أوروبا الشرقية: في ريجا ووارسو، وُصفت روح بريجانسون بأنها لعبة مزدوجة خطيرة لأمن أوروبا الشرقية. ولا يزال التعبير عن هذا الاستياء الى اليوم ضد الدبلوماسية الفرنسية عندما تسعى هذه الأخيرة جاهدة الى إيجاد مخرج لروسيا، في حين أن الأكثر حماسة لا يسمعون سوى خطاب النصر التام ضد فلاديمير بوتين.
وبالمثل، فإن المقابلة الشهيرة لعام 2019 حول “الموت السريري” لحلف الناتو قد تم استيعابها بشكل سلبي للغاية في أوروبا الشرقية. وقد ظهر هذا، مرة أخرى، على أنه تهاون مذنب من جانب فرنسا تجاه الاتحاد الروسي. أن يكون الرئيس ترامب والمعسكر الجمهوري، ساهما من الولايات المتحدة، كثيرًا في هذه النتيجة، لا يُنظر إليه على أنها ظروف تخفيف. والى عام 2022 يتم، في هذه الدول، استحضار هذه الصيغة بمرارة: بالنسبة للعديد من القادة السياسيين في أوروبا الشرقية، يميل الرئيس الفرنسي إلى التضحية بحلف الناتو من أجل رؤيته لـ “الاستقلال الاستراتيجي” الأوروبي. وهذا أكثر بكثير من مجرد سوء فهم أو زلة: في أوروبا الشرقية، عام 2022 أكثر من عام 2019، يعتبر مفهوم الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي سذاجة، واعترافًا بالضعف، وحتى روح استسلام لروسيا.
أخيرًا، الخيار السياسي المتمثل في مواجهة حكومتي حزب القانون والعدالة وحكومة فيدس داخل المؤسسات الأوروبية، لا يُنظر اليه بشكل إيجابي في أوروبا الشرقية. يذكر انه خلال الحملة الانتخابية الأوروبية لعام 2019، تم اختيار الحكومتين البولندية والهنغارية كخصمين رئيسيين بسبب انحرافهما عن القيم والديمقراطية وسيادة القانون. وهكذا، فإن إصلاحاتهما القضائية، ورقابتهما لوسائل الإعلام العامة، والتراجع عن الحق في الإجهاض، وعدم تضامنهما أثناء أزمة اللاجئين عام 2015، شكلت جميعها الكثير من الانقسامات التي أدت إلى اعتماد عقوبات ضد بولندا والمجر لانتهاكهما سيادة القانون.
ولئن تم الترحيب بهذه المبادرات ودعمها من قبل الأحزاب الشبيهة بـ “حزب الجمهورية الى الامام “ داخل النهضة، فانها اساءت لصورة فرنسا على الجانب الشرقي من أوروبا. في الواقع، غالبًا ما كانت فرنسا في عهد ماكرون هدفًا لمحاكمة بتهمة الازدراء لأوروبا الشرقية، وهو نقد مستمر نجده تجاه الدبلوماسية الفرنسية في المنطقة.
وعلى الرغم من الدعم المقدم لأوكرانيا منذ عام 2014 في إطار اتفاقيات مينسك، وعلى الرغم من الوجود العسكري المعزز محليًا والعديد من الزيارات الثنائية، وعلى الرغم من الاتفاق مع بولندا بشأن الإطار المالي متعدد السنوات للاتحاد الأوروبي، ولا سيما بشأن السياسة الزراعية المشتركة، يُنظر إلى الولاية الأولى لماكرون في أوروبا الوسطى والشرقية على أنها ولاية الحوار الساذج مع روسيا، وانتقاد خطير لحلف الناتو، وتوتر مع دعاة السيادة.
تحديات جديدة
يفتح الوضع الحالي في المنطقة فرصا أمام الرئيس الفرنسي على أعتاب ولايته الثانية.
يتعلق التحدي الأول بالسياسة الروسية لفرنسا والاتحاد الأوروبي. المعضلة كلاسيكية: كيفية دعم الجناح الشرقي لأوروبا دون قطع العلاقات مع موسكو. اليوم، يمكن للرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي أن تدعي عن حق حدوث تغيير جوهري في السياسة الروسية للاتحاد: فقد نقلت الـ 27 من العقوبات الموجهة إلى العقوبات الجماعية. ومن خلال القيام بذلك، كسر ماكرون بوضوح “روح بريجانسون”: أصبحت فرنسا داعمًا موثوقًا لأوكرانيا، بما في ذلك داخل الاتحاد. وفي حالة وجود انتقادات ضد رغبته في الحوار مع بوتين، يذكّر الرئيس الفرنسي بشكل منهجي أنه يفعل ذلك بناءً على طلب نظيره الأوكراني.
كما تم توجيه انتقادات، من تالين أو وارسو، ضد رفض المصادقة على مصطلح “الإبادة الجماعية” عند الحديث عن أفعال روسيا، وضد شكوك القبول بتنازلات إقليمية أوكرانية “شكوك مرتبطة بمقابلة مع زيلينسكي تم في النهاية نفيها”، وضد عدم الذهاب إلى كييف لإظهار مساندته، كما فعل قادة آخرون. ومع ذلك، حتى لو انتقد المتطرفون في أوروبا الشرقية رئاسة ماكرون على أساس أنها يمكن أن تفعل المزيد، فإن الموقف الفرنسي اليوم يمليه هدف هزم الهجوم الروسي، وتسليم أسلحة من الدرجة الأولى بتكتم “مدافع قيصر».
ثانيًا، سيتعين على فرنسا تسليط الضوء على هذا السجل لتذكير شركائها الشرقيين بصعوبة الواقعية السياسة. في الواقع، عند وقف إطلاق النار، ثم مفاوضات السلام، يمكن أن تكون فرنسا القوة الدولية الوحيدة القادرة على تقديم تنازلات متبادلة، ومن ثم ضمان الاتفاق. التحدي كبير: إنها مسألة البقاء حازما بشأن السيادة الأوكرانية على المدى القصير، وإيجاد مواقف تفاوضية على المدى المتوسط. وإذا كانت “روح بريجانسون” قد ماتت فعلا، في المقابل، يجب على فرنسا إعادة اختراع موقعها في المنطقة كضامنة للاتفاقات المستقبلية.
ستكون البلقان بالتأكيد التحدي الثاني لولاية ماكرون الجديدة. لنحكم: إذا لم تكن الدول المترشحة أو المترشحة المحتملة “صربيا وألبانيا ومقدونيا الشمالية والجبل الأسود” جزءً من أوروبا الوسطى والشرقية، فإن انضمامها يمثل أولوية للدول الأعضاء في الاتحاد من هذه المنطقة. هنا مرة أخرى، لدى الرئاسة الفرنسية للاتحاد الاوروبي فرصة سانحة مع القمة حول هذا الموضوع التي ستحتضنها فرنسا في يونيو بباريس.
وهنا أيضا، التحدي الذي تواجهه فرنسا يعبّر عن نفسه بمفردات زمنية. من ناحية، تتنزّل الدول المترشحة في المدى الطويل في الانخراط في مكتسبات المجموعة الاوروبية، بينما من ناحية أخرى، تدعو أوكرانيا للانضمام وفقًا لإجراء سريع. ان التوسع الى الجنوب الشرقي والشرق، يشكل اختبارا صعبا للرئاسة الفرنسية. وعلى فرنسا أن توضح أن عضوية الاتحاد الأوروبي ليست الحل القصير المدى الذي تحتاجه أوكرانيا، وأن عضوية دول البلقان هي الافق الأقوى، وأخيراً، يجب ألا يؤدي هذا التوسيع إلى إضعاف روابط الاتحاد. ويبقى أن نرى ما إذا كانت “المجموعة السياسية الأوروبية”، التي اقترحها ماكرون في 9 مايو في ستراسبورغ، يمكن تحقيقها في هذا السياق حيث لا يوجد “مسار سريع” للتوسع.
أخيرًا، سيكون التحدي الثالث الذي تواجهه فرنسا، هو الاستمرار في تسليط الضوء على الحاجة إلى القدرات العسكرية والاستراتيجية الأوروبية المستقلة في نفس الوقت الذي يشهد فيه الناتو انتعاشًا سريعًا.
على المدى القصير، يبدو أن القضية قد حسمت: عادت الولايات المتحدة إلى أوروبا، ولا سيما عبر الناتو؛ وحتى السويد وفنلندا، دولتان محايدتان بامتياز، قدمتا ترشّحهما؛ وتأثير الدومينو يعمل فعلا باستئناف الطلبات الأوكرانية أو الجورجية. لذلك من الضروري لفرنسا أن تجد، على المدى المتوسط ، طريقة لجعل الشرق يفهم أن الناتو ليس الضمان الوحيد الممكن للأمن. ومن وجهة النظر هذه، سيكون للانتخابات الأمريكية القادمة أهمية خاصة من هذه الزاوية، وكذلك سلوك تركيا داخل الحلف الأطلسي. وامام هذا التحول في مركز ثقل الجغرافيا السياسية الأوروبية، يجب على فرنسا، التي تواجه خطر رؤية نفوذها يتضاءل، أن تعزز علاقاتها مع أوروبا الوسطى والشرقية.
ترجمة خيرة الشيباني
* أستاذ محاضر في معهد الدراسات السياسية بباريس، وأستاذ سابق للعلوم السياسية في جامعة موسكو.
**الأمين العام لـ مركز البحوث في معهد العلوم السياسية، واستاذ محاضر في معهد العلوم السياسية بباريس، باحث مشارك في المركز الجيو-سياسي للمدرسة العليا للتجارة.
-- معضلـــة فرنســــا كلاسيكية: كيفية دعم الجناح الشرقي لأوروبا دون قطع العلاقات مع موسكو
-- يعتبر مفهوم الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي سذاجة، واعترافًا بالضعف وحتى استسلاما لموسكو
-- بالنسبة للعديد من القادة السياسيين في أوروبا الشرقية، يميل ماكرون إلى التضحية بحلف الناتو
كانت العلاقات بين الرئيس ماكرون وأوروبا الشرقية متوترة منذ البداية، ومليئة بسوء التفاهم وتبادل الاتهامات. وفي سياق الحرب الأوكرانية، وعلى عتبة ولايته الثانية، يواجه الرئيس الفرنسي العديد من التحديات في منطقة يتزايد نفوذها في الاتحاد الأوروبي.
الحرب في أوكرانيا، عامل أساسي
في الانتخابات الرئاسية الفرنسية
بدأ الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير، في الوقت الذي كان من المفترض أن يطلق فيه إيمانويل ماكرون حملته الانتخابية. وطغت عودة الحرب الطاحنة وواسعة النطاق في أوروبا على المناقشات الانتخابية، ولعبت دورًا واضحًا في انتصار الرئيس المنتهية ولايته. في الواقع، ساهم العدوان الروسي بشكل عام، والموقف الاستراتيجي للرئيس بوتين على وجه الخصوص، في تشويه سمعة المنافسين الرئيسيين للرئيس المنتهية ولايته: مارين لوبان وإريك زمور وجان لوك ميلينشون، أقاموا منذ فترة طويلة علاقات سياسية مع سيد الكرملين، أو دعموا هذا الجانب او ذاك من سياسته الداخلية، أو حتى برّروا جوانب معينة من سياسته الخارجية مثل ضم شبه جزيرة القرم عام 2014.
من جهته، وعلى الرغم من الحملة الانتخابية وفترة التحفظ، تولى الرئيس الفرنسي مرة أخرى دور الزعيم الأوروبي في دعم أوكرانيا ضد روسيا، وشنّ ست موجات من العقوبات ضد الاتحاد الروسي، وتوفير المعدات والمعلومات العسكرية لكييف، وتمويل سير عمل الدولة الأوكرانية إذا لزم الأمر.
في فرنسا، عزّزت تصرفاته في أوروبا الوسطى والشرقية مكانته كرجل دولة، وضربت حنكته السياسية في الصميم، بالمقارنة، مصداقية خصومه. وقد تجلّى الدور المركزي لأوروبا الشرقية في النقاشات الفرنسية خلال المناظرة في الجولة الثانية: أحدث الرئيس ماكرون خاصة الفارق مع منافسته، مارين لوبان، عبر الإشارة إلى التقارب المالي والأيديولوجي بين التجمع الوطني والحكومة الروسية.
ولئن كانت السياسة الخارجية لا تكفي للفوز بالانتخابات، فإن الحرب في أوكرانيا ساعدت الرئيس الحالي إلى حد كبير على التميّز عن المترشحين الآخرين. عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع عواقب هذه الأزمة الكبرى -تمدّد الحرب، أو المخاطر النووية، أو تدهور الظروف الاقتصادية -بدا أنه في أفضل وضع لدى معظم الناخبين.
ومع ذلك، فإن إجراءاته الحازمة ضد غزو روسيا لأوكرانيا لن تكون كافية لترسيخ فرنسا كقوة موازنة في أوروبا الوسطى والشرقية، سواء تجاه الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي (دول البلطيق الثلاث، بولندا وهنغاريا ورومانيا والجمهورية التشيكية وسلوفاكيا وبلغاريا وسلوفينيا) أو تجاه الدول غير الأعضاء (مولدوفا والبلقان وأوكرانيا والقوقاز). في الواقع، اختار إيمانويل ماكرون في فترة ولايته الأولى استراتيجية توتر مع هذه المنطقة من العالم، ولا سيما بولندا حزب القانون والعدالة، وهنغاريا فيكتور أوربان.
ونتيجة لذلك، فإن الرأي العام والحكومات المحلية ليسوا على استعداد لقبول دور معزز لفرنسا في المنطقة. وتبرز هذه التوترات بوضوح اليوم، في الانتقادات الموجهة إلى فرنسا: فالأخيرة متهمة باستمرار بعدم دعم أوكرانيا بما يكفي ضد روسيا بسبب موقفها المختلف بشأن انضمام كييف الفوري إلى الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال.
وإذا كان موقف إيمانويل ماكرون من أوكرانيا قد ساهم في انتصاره في الداخل، ففي الخارج، فإن سياسته الروسية هي مصدر قلق، وسوء فهم في أوروبا الشرقية.
بين باريس والشرق، تميزت الولاية الأولى بالتوتر
في أوروبا الوسطى والشرقية، يعاني النفوذ الفرنسي حاليًا من عدة إخفاقات خلال فترة ولاية ماكرون الأولى.
أولاً وقبل كل شيء، للدول الواقعة على الجانب الشرقي لأوروبا استياء حقيقي من “روح بريجانسون”. يجدر التذكير أنه في أغسطس 2019، قبل قمة مجموعة السبع في بياريتز، أراد الرئيس الفرنسي استقبال نظيره الروسي في قلعة بريجانسون لإظهار أن فرنسا ظلت وفية لعقيدتها في “المطالبة بالحوار” مع روسيا. وعلى الرغم من استبعاد روسيا طيلة خمس سنوات من معظم المنتديات الدولية الغربية، فقد اختار الرئيس الفرنسي تنمية اختلافه، النابع من التقاليد الديغولية للحوار الفرنسي الروسي.
أثار هذا الاختيار قلقًا عميقًا في أوروبا الشرقية: في ريجا ووارسو، وُصفت روح بريجانسون بأنها لعبة مزدوجة خطيرة لأمن أوروبا الشرقية. ولا يزال التعبير عن هذا الاستياء الى اليوم ضد الدبلوماسية الفرنسية عندما تسعى هذه الأخيرة جاهدة الى إيجاد مخرج لروسيا، في حين أن الأكثر حماسة لا يسمعون سوى خطاب النصر التام ضد فلاديمير بوتين.
وبالمثل، فإن المقابلة الشهيرة لعام 2019 حول “الموت السريري” لحلف الناتو قد تم استيعابها بشكل سلبي للغاية في أوروبا الشرقية. وقد ظهر هذا، مرة أخرى، على أنه تهاون مذنب من جانب فرنسا تجاه الاتحاد الروسي. أن يكون الرئيس ترامب والمعسكر الجمهوري، ساهما من الولايات المتحدة، كثيرًا في هذه النتيجة، لا يُنظر إليه على أنها ظروف تخفيف. والى عام 2022 يتم، في هذه الدول، استحضار هذه الصيغة بمرارة: بالنسبة للعديد من القادة السياسيين في أوروبا الشرقية، يميل الرئيس الفرنسي إلى التضحية بحلف الناتو من أجل رؤيته لـ “الاستقلال الاستراتيجي” الأوروبي. وهذا أكثر بكثير من مجرد سوء فهم أو زلة: في أوروبا الشرقية، عام 2022 أكثر من عام 2019، يعتبر مفهوم الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي سذاجة، واعترافًا بالضعف، وحتى روح استسلام لروسيا.
أخيرًا، الخيار السياسي المتمثل في مواجهة حكومتي حزب القانون والعدالة وحكومة فيدس داخل المؤسسات الأوروبية، لا يُنظر اليه بشكل إيجابي في أوروبا الشرقية. يذكر انه خلال الحملة الانتخابية الأوروبية لعام 2019، تم اختيار الحكومتين البولندية والهنغارية كخصمين رئيسيين بسبب انحرافهما عن القيم والديمقراطية وسيادة القانون. وهكذا، فإن إصلاحاتهما القضائية، ورقابتهما لوسائل الإعلام العامة، والتراجع عن الحق في الإجهاض، وعدم تضامنهما أثناء أزمة اللاجئين عام 2015، شكلت جميعها الكثير من الانقسامات التي أدت إلى اعتماد عقوبات ضد بولندا والمجر لانتهاكهما سيادة القانون.
ولئن تم الترحيب بهذه المبادرات ودعمها من قبل الأحزاب الشبيهة بـ “حزب الجمهورية الى الامام “ داخل النهضة، فانها اساءت لصورة فرنسا على الجانب الشرقي من أوروبا. في الواقع، غالبًا ما كانت فرنسا في عهد ماكرون هدفًا لمحاكمة بتهمة الازدراء لأوروبا الشرقية، وهو نقد مستمر نجده تجاه الدبلوماسية الفرنسية في المنطقة.
وعلى الرغم من الدعم المقدم لأوكرانيا منذ عام 2014 في إطار اتفاقيات مينسك، وعلى الرغم من الوجود العسكري المعزز محليًا والعديد من الزيارات الثنائية، وعلى الرغم من الاتفاق مع بولندا بشأن الإطار المالي متعدد السنوات للاتحاد الأوروبي، ولا سيما بشأن السياسة الزراعية المشتركة، يُنظر إلى الولاية الأولى لماكرون في أوروبا الوسطى والشرقية على أنها ولاية الحوار الساذج مع روسيا، وانتقاد خطير لحلف الناتو، وتوتر مع دعاة السيادة.
تحديات جديدة
يفتح الوضع الحالي في المنطقة فرصا أمام الرئيس الفرنسي على أعتاب ولايته الثانية.
يتعلق التحدي الأول بالسياسة الروسية لفرنسا والاتحاد الأوروبي. المعضلة كلاسيكية: كيفية دعم الجناح الشرقي لأوروبا دون قطع العلاقات مع موسكو. اليوم، يمكن للرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي أن تدعي عن حق حدوث تغيير جوهري في السياسة الروسية للاتحاد: فقد نقلت الـ 27 من العقوبات الموجهة إلى العقوبات الجماعية. ومن خلال القيام بذلك، كسر ماكرون بوضوح “روح بريجانسون”: أصبحت فرنسا داعمًا موثوقًا لأوكرانيا، بما في ذلك داخل الاتحاد. وفي حالة وجود انتقادات ضد رغبته في الحوار مع بوتين، يذكّر الرئيس الفرنسي بشكل منهجي أنه يفعل ذلك بناءً على طلب نظيره الأوكراني.
كما تم توجيه انتقادات، من تالين أو وارسو، ضد رفض المصادقة على مصطلح “الإبادة الجماعية” عند الحديث عن أفعال روسيا، وضد شكوك القبول بتنازلات إقليمية أوكرانية “شكوك مرتبطة بمقابلة مع زيلينسكي تم في النهاية نفيها”، وضد عدم الذهاب إلى كييف لإظهار مساندته، كما فعل قادة آخرون. ومع ذلك، حتى لو انتقد المتطرفون في أوروبا الشرقية رئاسة ماكرون على أساس أنها يمكن أن تفعل المزيد، فإن الموقف الفرنسي اليوم يمليه هدف هزم الهجوم الروسي، وتسليم أسلحة من الدرجة الأولى بتكتم “مدافع قيصر».
ثانيًا، سيتعين على فرنسا تسليط الضوء على هذا السجل لتذكير شركائها الشرقيين بصعوبة الواقعية السياسة. في الواقع، عند وقف إطلاق النار، ثم مفاوضات السلام، يمكن أن تكون فرنسا القوة الدولية الوحيدة القادرة على تقديم تنازلات متبادلة، ومن ثم ضمان الاتفاق. التحدي كبير: إنها مسألة البقاء حازما بشأن السيادة الأوكرانية على المدى القصير، وإيجاد مواقف تفاوضية على المدى المتوسط. وإذا كانت “روح بريجانسون” قد ماتت فعلا، في المقابل، يجب على فرنسا إعادة اختراع موقعها في المنطقة كضامنة للاتفاقات المستقبلية.
ستكون البلقان بالتأكيد التحدي الثاني لولاية ماكرون الجديدة. لنحكم: إذا لم تكن الدول المترشحة أو المترشحة المحتملة “صربيا وألبانيا ومقدونيا الشمالية والجبل الأسود” جزءً من أوروبا الوسطى والشرقية، فإن انضمامها يمثل أولوية للدول الأعضاء في الاتحاد من هذه المنطقة. هنا مرة أخرى، لدى الرئاسة الفرنسية للاتحاد الاوروبي فرصة سانحة مع القمة حول هذا الموضوع التي ستحتضنها فرنسا في يونيو بباريس.
وهنا أيضا، التحدي الذي تواجهه فرنسا يعبّر عن نفسه بمفردات زمنية. من ناحية، تتنزّل الدول المترشحة في المدى الطويل في الانخراط في مكتسبات المجموعة الاوروبية، بينما من ناحية أخرى، تدعو أوكرانيا للانضمام وفقًا لإجراء سريع. ان التوسع الى الجنوب الشرقي والشرق، يشكل اختبارا صعبا للرئاسة الفرنسية. وعلى فرنسا أن توضح أن عضوية الاتحاد الأوروبي ليست الحل القصير المدى الذي تحتاجه أوكرانيا، وأن عضوية دول البلقان هي الافق الأقوى، وأخيراً، يجب ألا يؤدي هذا التوسيع إلى إضعاف روابط الاتحاد. ويبقى أن نرى ما إذا كانت “المجموعة السياسية الأوروبية”، التي اقترحها ماكرون في 9 مايو في ستراسبورغ، يمكن تحقيقها في هذا السياق حيث لا يوجد “مسار سريع” للتوسع.
أخيرًا، سيكون التحدي الثالث الذي تواجهه فرنسا، هو الاستمرار في تسليط الضوء على الحاجة إلى القدرات العسكرية والاستراتيجية الأوروبية المستقلة في نفس الوقت الذي يشهد فيه الناتو انتعاشًا سريعًا.
على المدى القصير، يبدو أن القضية قد حسمت: عادت الولايات المتحدة إلى أوروبا، ولا سيما عبر الناتو؛ وحتى السويد وفنلندا، دولتان محايدتان بامتياز، قدمتا ترشّحهما؛ وتأثير الدومينو يعمل فعلا باستئناف الطلبات الأوكرانية أو الجورجية. لذلك من الضروري لفرنسا أن تجد، على المدى المتوسط ، طريقة لجعل الشرق يفهم أن الناتو ليس الضمان الوحيد الممكن للأمن. ومن وجهة النظر هذه، سيكون للانتخابات الأمريكية القادمة أهمية خاصة من هذه الزاوية، وكذلك سلوك تركيا داخل الحلف الأطلسي. وامام هذا التحول في مركز ثقل الجغرافيا السياسية الأوروبية، يجب على فرنسا، التي تواجه خطر رؤية نفوذها يتضاءل، أن تعزز علاقاتها مع أوروبا الوسطى والشرقية.
ترجمة خيرة الشيباني
* أستاذ محاضر في معهد الدراسات السياسية بباريس، وأستاذ سابق للعلوم السياسية في جامعة موسكو.
**الأمين العام لـ مركز البحوث في معهد العلوم السياسية، واستاذ محاضر في معهد العلوم السياسية بباريس، باحث مشارك في المركز الجيو-سياسي للمدرسة العليا للتجارة.