ما هو المطلوب من واشنطن للرد على انقلاب النيجر؟

ما هو المطلوب من واشنطن للرد على انقلاب النيجر؟

حتى الأسبوع الماضي، كانت النيجر معقلًا للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين في منطقة الساحل وسط أفريقيا المضطربة.
ولم يكن التواجد الأمريكي في النيجر يقتصر على استضافة الدولة لأكثر من 1000 عسكري أمريكي في قاعدتين جويتين و1500 جندي فرنسي يشاركون في عمليات مكافحة الإرهاب، بل كانت النيجر أيضاً شريكاً رئيسياً في التنمية والمشاريع الغربية في أفريقيا.
وذكر محرر الشؤون السياسية في صحيفة ناشونال إنترست بيتر فام، أن أغلب الطموحات الغربية والأوروبية فقدت بـ”غمضة عين” مع الإطاحة بالحكومة النيجيرية التي أعلنها قائد الحرس الرئاسي وبادر والاتحاد الأوروبي لقطع دعم ميزانيته للبلاد استجابة لذلك، ويبدو أن سنوات من الجهد الصبور واستثمارات بمليارات الدولارات لدعم ما كان يُعتقد أنها مرساة للأمن والاستقرار الإقليميين، ذهبت “أدراج الرياح».
 
وضع متقلب 
التقت الكتلة الإقليمية، (المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا) المعروفة بـ”إيكواس” ، في قمة طارئة يوم وقررت فرض عقوبات على قادة الانقلاب، وتجميد المعاملات المالية مع حكومة النيجر، وإغلاق الحدود والمجال الجوي (الحدود بين أعضاء الكتلة والنيجر) وتم منح المجلس العسكري مهلة أسبوع واحد، وبعد ذلك ستتخذ إجراءات إضافية “قد تشمل استخدام القوة”، وكلها مؤشرات على أن الوضع لا يزال متقلباً.
وبحسب ما ذكرت ناشونال إنترست، يتعين على صانعي السياسات أن يضعوا في اعتبارهم جملة من النقاط المهمة خلال الأيام المقبلة من بينها تجنب الروايات السهلة والاستنتاجات المبسطة حول الوضع السياسي العسكري المعقد، موضحة أن استباق الاستنتاجات حول الانقلاب دليل على الافتقار إلى الفهم الأساسي للديناميكيات الداخلية داخل القوات المسلحة لبلد مثل النيجر.
وبينت أن الاتهام المبتذل بالتدريب الأمريكي الذي أدى إلى الانقلابات غير ملائم بشكل خاص في حالة النيجر، حيث ذهب 500 مليون دولار من نفقات الحكومة الأمريكية على المساعدة العسكرية لهذا البلد منذ 2012 ضمن (أحد أكبر برامج المساعدة الأمنية في إفريقيا) لتدريب وتجهيز الوحدات المتخصصة مثل قوات العمليات الخاصة وكذلك فرق الإجلاء الطبي الجوي والشركات اللوجستية وحتى كتيبتين لعمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام. كانت النتيجة غير المقصودة، إلا أن وحدات قوات العمليات الخاصة تنتشر في جميع أنحاء البلاد لمحاربة المتمردين الإرهابيين.
وعلى الرغم من ادعاءات الجنرال تشياني المبررة ذاتياً بشأن “التدهور المستمر للوضع الأمني” مما أدى إلى “الزوال التدريجي والحتمي لبلدنا” ، فإن الدليل هو أن الاستثمار المستمر لشركاء النيجر في قوات العمليات الخاصة كان يؤتي ثماره.
وكما ذكرت الإيكونوميست: “بينما تصاعد الموت والدمار في مالي وبوركينا فاسو ، كان أقل من عُشر الوفيات في البلدان الـ3 العام الماضي في النيجر ، على الرغم من اضطرارها أيضاً للتعامل مع أعمال عنف إرهابية منفصلة ارتكبتها بوكو حرام، مجموعة تمتد من شمال شرق نيجيريا. كانت الوفيات الناجمة عن الصراع في الأشهر الستة الأولى من هذا العام في النيجر هي الأدنى مقارنة بأي فترة مماثلة منذ 2018».
 
الأمن ليس كافياً
وأشارت ناشونال إنترست إلى أن الأمن شرط مسبق وضروري لشرعية أي دولة، إلا أنه ليس كافياً بأي حال من الأحوال حيث يكمن جوهر الأزمة في منطقة الساحل هو شرعية الدولة التي تشكل (تصور المواطنين أن حكومتهم صالحة ومنصفة وقادرة ومستعدة لتلبية احتياجاتهم) وفي غياب التزامات الدول بتلبية احتياجات مواطنيها، من غير المرجح أن تنجح أي دولة أو حتى حكومة من المشاركة الدولية».
ويُحسب لكل من الرئيس بازوم وسلفه، محمد إيسوفو، فهم ذلك وجعل بناء شرعية الدولة النيجيرية مركزًا لأجندتهما السياسية المحلية ودعمت أمريكا وحلفاؤها جهود التنمية هذه بسخاء حتى الانقلاب الذي وقع الأسبوع الماضي تسبب في قيام الاتحاد الأوروبي بقطع دعم الميزانية عن النيجر، وكان الاتحاد الأوروبي خصص ما يقرب من 125 مليون يورو سنوياً لتحسين الحوكمة والتعليم وبرامج النمو المستدام، كما تقدم فرنسا، التي تعمل من خلال (وكالة التنمية الفرنسية الرسمية)، حوالي 100 مليون يورو سنوياً وفي السنة المالية 2022، قدمت الولايات المتحدة 101 مليون دولار كمساعدة إنمائية، بشكل أساسي من خلال “الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية”، بالإضافة إلى 135 مليون دولار من المساعدات الإنسانية.
علاوة على ذلك، اعتمدت حكومة النيجر، في العام الماضي  على خطة تنمية اقتصادية واجتماعية مدتها 5 سنوات مبنية على ركائز تطوير رأس المال البشري، والإدماج، والتضامن وتوطيد الحكم والسلام والتضامن؛ والتحول الهيكلي للاقتصاد، وتلقت حكومة النيجر، في مؤتمر دولي في باريس في ديسمبر (كانون الثاني) 2022، تعهدات من مختلف الشركاء الدوليين تصل إلى حوالي 23.4 مليار دولار من المبلغ المقدر بـ30 مليار دولار للخطة الطموحة، على أن يتم دفعها بين 2022 و 2026.
 
بعيداُ عن الإثارة
تزامن الانقلاب وافتتاح القمة الروسية - الأفريقية الثانية في سانت بطرسبرغ (وهو اجتماع لم يحضره الرئيس بازوم) وأثار على الفور شكوكاً حول احتمال مشاركة مجموعة فاغنر، المترسخة في جمهورية إفريقيا الوسطى و مالي ولها مخالب في بوركينا فاسو والسودان وأماكن أخرى في حزام الساحل. وقام باحثون من مختبر الأدلة الجنائية الرقمي التابع للمجلس الأطلسي بتوثيق كيف صعدت قنوات تيلغرام الروسية، مع وقوع الانقلاب، من حملات الدعاية الطويلة التي “صورت بازوم على أنه تابع للغرب، وأن النيجر تحت قيادة بازوم “تعتمد بشكل مباشر على فرنسا” و “جزء من بقايا الإمبراطورية الفرنسية الاستعمارية الجديدة”. حتى أن بعض القنوات زعمت أن قادة الانقلاب كانوا مرتبطين بفاغنر.
ما حدث في النيجر يختمر منذ سنوات ويحاول المستعمرون السابقون إبقاء شعوب البلدان الأفريقية تحت السيطرة لكبح جماحهم، يملأ المستعمرون السابقون هذه البلدان بالإرهابيين وتشكيلات قطاع الطرق المختلفة وبالتالي خلق أزمة أمنية هائلة، وبطبيعة الحال ألف جندي من مجموعة فاعنر يستطيعون  فرض النظام وتدمير الإرهابيين، ومنعهم من إيذاء سكان الدول المسالمين.
من جانب آخر سيكون من الخطأ إسناد الكثير إلى يفغيني بريغوجين (قادة مجموعة فاغنر) أو المبالغة في قدرته على الإنجاز بعد الاضطرابات داخل شبكته الإجرامية العالمية منذ تمرده قصير الأمد ضد الكرملين في أواخر يونيو(حزيران)، كما سيمثل التقليل من طموحاته (تلك الموجودة في روسيا) مجرد تبجح أو تغاض عن الدور الذي لعبته الجهات الأجنبية الفاعلة في جهد طويل الأمد ومتطور على وسائل التواصل الاجتماعي لتشويه سمعة الحكومة النيجيرية.
وبحسب الصحيفة لم يكن من قبيل الصدفة ظهور الأعلام الروسية واللافتات في المظاهرات المؤيدة للانقلاب منذ اليوم الأول للتمرد، ولكن حتى لو لم يكن بريغوجين قادراً على الوفاء بتفاخره وتوسعه في إفريقيا ، فإن هذا القلق في واشنطن وباريس والعواصم الغربية الأخرى قد يكون كافياً لتحويل الموارد لمواجهة التهديد المحتمل في القارة السمراء والابتعاد عن المكان الذي يمكثون فيه (أوكرانيا).