تجنب المزيد من العنف السياسي يتطلب أكثر من التنديد

محاولة اغتيال ترامب تكشف أزمة شرعية في أمريكا

محاولة اغتيال ترامب تكشف أزمة شرعية في أمريكا


صعدت محاولة اغتيال الرئيس السابق دونالد ترامب التوترات السياسية بشكل كبير في مجتمع لا يريد ولا يستطيع تحمل مثل هذا التصعيد، ورغم إبداء رؤساء سابقين والعديد من الشخصيات السياسية والإعلامية تعاطفهم مع ترامب وإدانتهم للعنف، لكن ذلك لن يكون هذا كافياً لتجنب المزيد من العنف السياسي وعواقبه. وأشار كثيرون إلى السياسة السامة في أمريكا كعامل مساهم في حادث إطلاق النار، فالمتحزبون السياسيون يصفون منافسيهم بالأعداء الأشرار العازمين على تدمير البلاد، بدلاً من وصفهم بمواطنين لديهم وجهات نظر مختلفة، ومع ذلك فإن المشكلة أعمق من هذا بكثير، بحسب بول جاي. سوندرز، رئيس مركز المصلحة الوطنية الأمريكي وعضو مجلس إدارته.

أزمة شرعية
وقال الكاتب في مقاله بموقع «ناشيونال إنترست»: «تمر الولايات المتحدة بأزمة شرعية. والأزمة الحالية، مثلها كمثل غيرها من الأزمات، قد تدمر النظام القائم في أمريكا، مع عواقب مدمرة على الصعيدين الداخلي والعالمي».
وأوضح الكاتب أن الخطوة الأولى لمنع حدوث ذلك تتمثل في فهم ما يحدث وأسباب حدوثه، قائلاً إن تقليص المشكلة إلى سبب واحد ــ دونالد ترامب ــ ليس تحليلاً سيئاً فحسب، بل يشكّل أساساً ضعيفاً وخطيراً للجهود الرامية إلى التغلب على تحدٍ تاريخي.  وأكد الكاتب ضرورة إدراك أن أزمات الشرعية غالباً ما تبدو وكأنها تتقدم بطريقة خطية حتى أيامها الأخيرة، ومن هذا المنظور، فإن انهيار الشرعية السياسية يشبه إلى حد كبير انهيار سوق الأوراق المالية.
والواقع أن كلتا العمليتين تعتمدان على نفس المحرك ــ علم النفس البشري ــ وتعكسان نفس الحدث، ألا وهو فقدان الثقة على نطاق واسع. ومع ذلك، تستعيد أسواق الأوراق المالية ثقة المستثمرين ولو بعد سنوات، طالما ظلت أسسها السياسية سليمة، ونادراً ما تتاح للأنظمة السياسية التي تفقد شرعيتها هذه الفرصة، وبدلاً من ذلك، ينشأ نظام جديد. ونادراً ما تكون هذه العملية سلمية.
ولفت الكاتب النظر إلى أنه على مدار العقود الخمسة الماضية، كانت النخب السياسية والإعلامية في أمريكا نشطة بشكل صادم في مهاجمة شرعية النظام السياسي الذي يحافظ عليها، إذ هاجم الديمقراطيون المنتخبون والناشطون السياسيون الديمقراطيون بانتظام وبشكل روتيني النظام السياسي الأمريكي باعتباره غير ممثل وغير عادل. والشيء نفسه كان يفعله الجمهوريون.
وذكر الكاتب أن مهاجمة «النظام» أو وصف التحديات التي تواجهها أمريكا بأنها «متعلقة بالنظام» من غير الممكن أن يؤدي إلى تقويض شرعية النظام السياسي الأمريكي. ونظراً لأن كلا الحزبين (والجماعات الناشطة الداعمة) يسعيان إلى استغلال كل ثغرة قانونية ممكنة لتأمين الانتصارات الانتخابية، فقد كان من المحتم أن يمتد هذا الانتقاد إلى ما هو أبعد من مؤسسات أمريكا إلى عمليات الحكم فيها، بما في ذلك الانتخابات. وقد حدث ذلك بالفعل.

وسائل الإعلام تزيد من حدة المشكلة
وأضاف: زادت وسائل الإعلام الأمريكية من سوء هذه المشكلة وفداحتها. فمنذ استقالة ريتشارد نيكسون في أعقاب فضيحة ووترغيت، بحثت وسائل الإعلام الأمريكية بلا هوادة عن العيوب في كل المؤسسات الأمريكية تقريباً، بما في ذلك الحكومات الفيدرالية والولائية والمحلية، والهيئات التشريعية، والمحاكم، والجيش، والشركات، والكنائس، والجمعيات الخيرية، وفي نهاية المطاف وسائل الإعلام نفسها. وعلى الرغم من هذا، فقد عزز عملها عموماً مصداقية النظام السياسي، ووسع نطاق انتشاره، وكثف تأثيره. ويكمن الخطر الأعظم، برأي الكاتب، في أن الأحداث ما بعد إطلاق النار على ترامب قد تتطور بشكل مستقل عن الجهات الفاعلة والبيئة التي أنتجت هذه اللحظات المأساوية.
ولا يزال الدافع وراء محاولة الاغتيال غير معروف في هذا الوقت، ولكن هذا قد لا يهم، إذ يُنظَر إلى الهجوم على نطاق واسع على أنه ذو دوافع سياسية. وحتى إذا تبين أن الجاني كان مريضاً عقلياً، فسوف يكون من الصعب تأطير محاولة إطلاق النار على مرشح رئاسي كحدث غير سياسي، وسوف يكون رد فعل الأمريكيين على المحاولة ــ والوفيات التي وقعت ــ حاسماً. وتتعلق بعض المخاطر الأكثر خطورة، حسب الكاتب، بالناشطين الذين قد يرون أن المزيد من العنف ــ أو الجهود الحثيثة لمنعه ــ ليس مبرراً فحسب بل ضرورياً أيضاً.  ومن المؤكد أن المرء قد يتخيل أن بعض الأفراد أو الجماعات المتطرفة المؤيدة لترامب قد تسعى إلى تنظيم «ميليشيات مواطنين» لتوفير (من وجهة نظرهم) الأمن الإضافي في التجمعات الانتخابية المستقبلية أو، في هذا الصدد، في مراكز الاقتراع في يوم الانتخابات.

أوقات خطيرة
وقد يحمل البعض أو الكل أسلحة نارية، سواء بشكل قانوني أو غير قانوني. ولكن كيف سيتفاعلون مع المتظاهرين المناهضين لترامب، أو مع المارة الذين لا يحبونهم؟ وهل تستطيع الجماعات المتطرفة المناهضة لترامب أن تنظم صفوفها بنفس الطريقة لأسباب أخرى؟ وكيف سيتفاعلون مع الحكومة والمجتمع الأمريكي؟ يتساءل الكاتب ويقول إن الفترة التي تسبق يوم الانتخابات ويوم التنصيب ستكون أوقاتاً خطيرة بشكل خاص.

كيف يمكن تجنب العنف السياسي
وأوضح الكاتب أن تجنب المزيد من العنف السياسي يتطلب أكثر من مجرد التنديدات الروتينية.
وسوف يتطلب أيضاً قيادة نشطة على الجانبين، من القمة، لوقف الخطاب المغالى فيه، والتوقف عن شيطنة الأمريكيين، والتوقف عن تقويض حكومة أمريكا ومؤسساتها، والبدء في التصرف كمسؤولين عموميين يشعرون بالمسؤولية تجاه ما عهده الناخبون إليهم من أسرهم وثرواتهم وحياتهم.