أوكرانيا وروسيا لا تبحثان حاليّاً مسألة التسوية

مخاوف أوكرانية من فخ روسي للغرب

مخاوف أوكرانية من فخ روسي للغرب

ما الرسائل التي يُفترض أن يرسلها سكرتير صحفي في سفارة روسية في الغرب إلى الكرملين في أيامنا هذه؟ يقول الكاتب الصحفي البريطاني أليك راسِيل إن مسؤولاً ألمانياً طرح عليه هذا السؤال في بداية الهجوم الأوكراني المضاد، وأنه تذكر هذا السؤال خلال قمة الناتو الأسبوع الماضي، وبعد الكشف عن محادثات بين مسؤولين أمريكيين سابقين ودبلوماسيين روس.
فبينما كان حلف شمال الأطلسي يناقش مستقبل أوكرانيا، انشغلت وسائل الإعلام البريطانية بفضيحةٍ مذيع في هيئة الإذاعة البريطانية حتى أنَّ أخبار القمة لم تتصدر الصفحات الأولى للصحف. ويضيف الكاتب:”أوقات سعيدة للدبلوماسيين الروس في لندن الحريصين على نقل الرسالة التي يعلمون أن الكرملين يود سماعها عن المملكة المتحدة المُشتتة والمتعالية».
وتابع راسيل في مقاله بصحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية: كان المسؤول الألماني يمزح لكنه تناولَ نقطة محورية مفادها أنه من المنطقي جداً أن نتخيل أن بوتين ما زال يتلقى رسائل إيجابية. فما الفائدة التي يمكن أن تعود على أي دبلوماسي باطلاعه على الحقيقة؟ يتساءل الكاتب.
 
حقائق قاسية
وهنا تحديداً يأتي دور الكشف عن محادثات أبريل (نيسان) بين مسؤولي الأمن الوطني الأمريكي السابقين والدبلوماسيين الروس، بمن فيهم سيرغي لافروف. فبعد أشهرٍ من المواجهات بين الجيشين الروسي والأوكراني والخسائر الجسيمة التي تكبداها من دون تغييرات كبيرة في خطوط الجبهات، أصبح من الأهم بكثير أن يكون الغرب قادراً على التأثير على عقلية المسؤولين الروس بمواجهتهم بالحقائق القاسية.
 
اتهامات بالخيانة
وأثار كشف شبكة “أن بي سي” للمحادثات اتهامات بالخيانة. فقد كانت فكرة التواصل مع ممثلي الدولة التي أشعلت فتيل هذه الحرب وسفكت دماء كثيرين بالنسبة لكثيرين في أوكرانيا غير مقبولة. ويخشى آخرون أن تمهد أي اتصالات  الطريق للسقوط في الفخ الروسي يؤدي إلى صفقة عقيمة يخون فيها السياسيون الواقعيون الغربيون الحريصون وحسب على أن تضع الحرب أوزارها، مصالحَ أوكرانيا.
والمخاوف الأخيرة منطقية جداً، برأي الكاتب، فقد واجه اتفاق مينسك عام 2015 الذي أنهى المرحلة الأولى من الغزو الروسي هذه التهمة. واتفاق دايتون عام 1995 الذي تم التوصل إليه إثر الحرب البوسنية مثال نموذجي أيضاً. فقد قسَّمَ البوسنة والهرسك بطريقةٍ كانت بمنزلة المكافأة لعدوان الصرب البوسنيين.
 
مخاوف أوكرانيا
وتخشى أوكرانيا أن يؤول بها المآل إلى إبرام صفقة كبرى تُجبرها على التخلي عن أهدافها الرسمية المتمثلة في هزيمة روسيا واستعادة السيطرة على جميع أراضيها، بما في ذلك شبه جزيرة القرم.
ويستشهد بعض مسؤولي أوروبا بتنازل فنلندا عن 10% من أراضيها للاتحاد السوفيتي بعد حرب شتاء 1939-1940 كنموذج لتلك الصفقة.
ولذلك، سيكون المشاركون في محادثات سرية مدركين لخطر اقتناعهم بموقف روسيا إلى درجة ترقى إلى الرضا عن الوضع الراهن.
 
المحادثات السرية ضرورية
ورغم ذلك، فإقامة محادثات سرية أمر بالغ الأهمية على مستويات عديدة، حسب الكاتب. ومحادثات أبريل (نيسان) مجرد نموذج واحد للمحادثات السرية، لكنها ليست الأهم على الأطلاق، لا سيما أن لافروف ليس طرفاً أساسيّاً في الكرملين.
ويقول الكاتب: “لا تبحث أوكرانيا ولا روسيا حاليّاً مسألة التسوية”، مستبعداً أن تضع الحرب أوزارها العام المقبل. وما زال الغرب يعقد الآمال على حدوث تغييرات في الوضع من طريق تنفيذ هجوم مضاد.
ويضيف الكاتب: “جدير بنا أن نتذكر أنه بعد يوم الاستقلال، حاربت قوات التحالف لأكثر من شهرين دمويين في النورماندي قبل أن تطيح بالقوات الألمانية. ومن الممكن ببساطة أن تنهار القوات الروسية فجأة».
 
لا مناص من المفاوضات
ولكن، سواء مُنيت روسيا بالهزيمة أو وصلت الأمور إلى طريق مسدود، وهو السيناريو الذي يهابه مؤيدو كييف أكثر من غيره، فالمفاوضات في مرحلة ما أمر لا مناص منه. وكلما كانت هناك جهات اتصال أكثر، كان ذلك أفضل وأجدى.
على مر التاريخ كان هذا النهج مثيراً للجدل. فالمحادثات السرية عن الفصل العنصريّ الجنوب إفريقي في ثمانينات القرن العشرين أثارت ذعر كثيرين من المُعسكرين، لكنها ساعدت على تمهيد الطريق للديمقراطية.
ورأى الكاتب أن الطبيعة الغامضة للسياسات الروسية تجعل المحادثات السرية أكثر إلحاحاً. فبالنظر إلى الدماء التي أُريقت، يشعر معارضو بوتين بالإهانة بسبب الحجة التي مفادها أن علينا أن نتحرى الحذر من النظام التالي لبوتين خشية أن يكون خلفه أسوأ منه.
لكن، هناك مخاوف حقيقية أيضاً بشأن ما يمكن أن يحدث في حالة حلّ النظام الروسي الحاكم. فقد خطرَ للمسؤولين الغربيين أن انهيار الدولة الروسية يمكن أن يفضي إلى فوضى عارمة شبيهة بتلك التي وقعت إثر انهيار يوغوسلافيا.
وأكد الكاتب أنه “يتعين على الغرب أن يدع موسكو تدرك مدى جديتنا وعزمنا حيال المسألة. وعلى الغرب أن يعرف مَن يتعين عليه أن يُخاطب وبمن يثق بعد سنوات طويلة انتُقِصَ فيها من شأن خبرة روسيا في وزارات الخارجية الغربية».
واختتم الكاتب مقاله بالقول: “في التاريخ الحديث، أبدى الحكام المُستبدون مراراً وتكراراً قدرتهم على إساءة تفسير نوايا الأعداء، والعكس صحيح. ويخطر على البال سلوبودان ميلوسيفيتش وصدام حسين في هذا السياق. وعلى الغرب أن يخترق ستار خداع الذات المحيط بحاشية بوتين بطريقةٍ ما».