مساعدات أم قواعد عسكرية؟.. صفقة هندية مليارية تهز ميزان موريشيوس

مساعدات أم قواعد عسكرية؟.. صفقة هندية مليارية تهز ميزان موريشيوس


أعلنت الهند عن حزمة اقتصادية لموريشيوس بقيمة 680 مليون دولار، تشمل تطوير ميناء بورت لويس، وتوسيع الطرق السريعة، وتحسين البنية التحتية الصحية، وتطوير منطقة تشاغوس البحرية المحمية، في خطوةٍ اعتبرها البعض مجرد دعم تنموي، بينما يُشير آخرون إلى أبعاد عسكرية وإستراتيجية خفية. وكشفت صحيفة «غراند بيناكل تريبيون»، أن هذه الاتفاقيات جرى توقيعها خلال زيارة رئيس وزراء موريشيوس نافينشاندرا رامغولام إلى فاراناسي بالهند في الـ11 من سبتمبر 2025، حيث استقبل رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي ضيفه في لقاء بدا للوهلة الأولى تقليديًّا، لكنه سرعان ما اتضح أنه تحرك محسوب لتعميق النفوذ الهندي في المحيط الهندي، في ظل صراع دولي على الهيمنة البحرية.

تعزيز التعاون البحري
وبحسب مصادر مطّلعة فإن الاتفاقيات الموقّعة تركز على تعزيز التعاون البحري بين البلدين، والمراقبة الفضائية، وتطوير جزيرة أغاليغا؛ ما يعكس رغبة نيودلهي في مواجهة النفوذ الصيني في المنطقة.  من جهته صرَّح رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بعد الاجتماع، بأن الحزمة ليست مجرد مساعدات، بل استثمار في مستقبل مشترك، مؤكدًا أن موريشيوس ليست شريكًا فحسب، بل “عائلة” للهند. ويُشير المحللون إلى أن موقع موريشيوس الإستراتيجي يمنحها قوة غير متناسبة مع حجمها؛ فهي تطل على طرق بحرية حيوية تصل بين إفريقيا وآسيا والشرق الأوسط، حيث تمر نحو 80% من تجارة النفط البحرية العالمية، وإلى الشمال تقع «دييغو غارسيا» القاعدة الأمريكية الحيوية، بينما تمتد طموحات القوى الإفريقية والآسيوية شرقًا وغربًا؛ ما يجعل لأي تعزيز نفوذ في موريشيوس انعكاساته على السياسة الإقليمية.

تأثير مبادرة
 الحزام والطريق
وفي هذا السياق، تسعى الهند إلى مواجهة تأثير مبادرة الحزام والطريق الصينية، عبر تقديم حزمة شاملة من الأمن، والتنمية، والروابط الثقافية؛ لتوفير بدائل للمشاريع الصينية في المنطقة، ويعد مشروع أغاليغا، الذي يشمل توسيع مدرج الطائرات وبناء مرافق الميناء، بمثابة تحويل الجزيرة إلى قاعدة هندية دائمة، بينما يعزز التعاون الفضائي مراقبة النشاط البحري على نطاق واسع، بما يشمل مكافحة القرصنة والأزمات الإنسانية. ويحذر المراقبون من أن التطورات في تشاغوس تظل قضية حساسة؛ فبينما تتبع جغرافيًّا لموريشيوس، لكنها فُصِلت عن بريطانيا عام 1965 وتم تأجيرها للولايات المتحدة لإدارة قاعدة «دييغو غارسيا»، وفي 2019، اعتبرت محكمة العدل الدولية استمرار الإدارة البريطانية غير قانوني، بينما دعمت الجمعية العامة للأمم المتحدة سيادة موريشيوس، وبينما تدعم الهند بدورها موقف بورت لويس، لكنها تحرص على عدم الإضرار بعلاقاتها مع الولايات المتحدة التي تعتمد على «دييغو غارسيا» في إستراتيجيتها الهندو-باسيفيكية. من جانبه عبَّر رامغولام عن امتنانه للهند قائلًا: «نرغب في زيارة جزر تشاغوس، بما في ذلك «دييغو غارسيا»؛ لرفْع علمنا، وبينما قدَّمت بريطانيا لنا سفينة، لكننا فضلنا واحدة من الهند لأنها تحمل رمزية أكبر»، من جانبه، هنأ مودي موريشيوس على الاتفاق ووصفه بالإنجاز التاريخي، مؤكدًا التزام الهند بدعم حقوق السيادة للمملكة.
خطة التعاون الهيدروغرافي
وتشمل الاتفاقيات، خطة خمسية للتعاون الهيدروغرافي، بما في ذلك المسوحات المشتركة، خرائط الملاحة، وجمع البيانات لمنطقة الامتياز الاقتصادي لموريتيوس، التي توسعت بعد معاهدة السيادة مع بريطانيا، كما أوضح وزير الخارجية الهندي فيكرام ميسري: «المسؤوليات الجديدة كبيرة، وموريشيوس بحاجة إلى موارد بحرية، والهند شريك مفضل لتقديم الدعم الكامل لاستغلال تلك الموارد».
من الجدير بالذكر أن العلاقات بين البلدين كانت تعززت بالفعل خلال زيارة مودي لموريشيوس في مارس 2025، ومع الاتفاقيات الجديدة تتعمق هذه الشراكة الإستراتيجية أكثر. لكن الصفقة لم تمر دون جدل؛ ففي بريطانيا أثارت معاهدة نقل السيادة على تشاغوس، احتجاجات سياسية، حيث اتهم بعض النواب الحكومة بالتمرير غير الشفاف للاتفاق، بينما أبدى النائب من حزب المحافظين نايجل فاراج اعتراضه خلال مناقشات البرلمان حول مستقبل قاعدة دييغو غارسيا.

 تداعيات النفوذ الهندي
وجاء في السياق أن تداعيات النفوذ الهندي الموسع في موريشيوس تنعكس على الولايات المتحدة التي تعتبر الأمر ضمانًا لمشاركة نيودلهي في مواجهة التمدد الصيني، لكنه قد يثير مخاوف بشأن ترتيبات القاعدة الأمريكية، ومن جانب آخر، يواجه النفوذ البريطاني ضغوطًا متزايدة، فيما تكبح العلاقات الهندية الخاصة مع بورت لويس طموحات الصين في المنطقة الحيوية.
من وجهة نظر الهند، فإن منطقة المحيط الهندي الغربي إقليميًّا، تعاني عدم الاستقرار، ما بين الاضطرابات في مدغشقر إلى التمرد في موزمبيق وضعف بعض الدول الجزرية؛ ما يضع نيوديلهي أمام تحديات إستراتيجياتها البحرية، وداخل موريشيوس، يخشى البعض من آثار التوسع العسكري على سيادة الدولة، خصوصًا مع تحول أغاليغا إلى موقع إستراتيجي دائم.

شبكة مواقع إستراتيجية
لكن وفي نهاية المطاف، يبدو أن الهند تسعى لبناء شبكة من المواقع الإستراتيجية: أندامان ونيكوبار شرقًا، ولاكشادويب غربًا، وأغاليغا جنوب غرب؛ ما يشكل قوسًا للمراقبة والقوة البحرية الذي يعكس تحولًا كبيرًا في الإستراتيجية الهندية من حدود قارية إلى سيطرة بحرية شاملة.
من جانبه لاحظ المحلل بيدانغا تشوتيا: «توجه الهند ليس خيريًّا فحسب، بل رهان إستراتيجي، يستغل التنمية والسيادة والأمن على رقعة شطرنج من النفوذ البحري.» ما بدأ كحزمة مساعدات اقتصادية تحول إلى مؤشر واضح لتغير موازين القوة العالمية، حيث أصبحت الجزر الصغيرة مثل موريشيوس مفصل التاريخ في صياغة مستقبل القوى الكبرى ونظام القرن الحادي والعشرين.