مع حلول الشتاء.. معركة «الطاقة» تدخل فصلها الأخطر في الحرب الروسية الأوكرانية

مع حلول الشتاء.. معركة «الطاقة» تدخل فصلها الأخطر في الحرب الروسية الأوكرانية

يرى خبراء أن الحرب الروسية الأوكرانية تدخل مرحلتها الأخطر مع حلول فصل الشتاء، بعدما تحولت من مواجهة ميدانية إلى “حرب طاقة شاملة” تستهدف شل القدرات الأوكرانية، بعدما نجحت موسكو في نقل الصراع من ميادين القتال إلى محطات الكهرباء وأنابيب الغاز.
وبيّنوا، لـ”إرم نيوز”، أن موسكو تعتبر منشآت الطاقة جزءًا من البنية العسكرية وتسعى من خلالها إلى قطع الإمدادات عن الجيش الأوكراني، في حين تواجه كييف شتاءً قاسيًا وصعوبة في تأمين الكهرباء والتدفئة رغم الدعم الأوروبي.
وأكد الخبراء أن أوكرانيا تقف على حافة الظلام في “معركة الكهرباء”، التي تبدو أشد قسوة من معركة الجبهات، وأن هذا التصعيد قد يعجل بفتح قنوات تفاوض جديدة بين واشنطن وموسكو، لكن دون مؤشرات على تسوية قريبة.
ونجحت روسيا في تدمير محطات فرعية تغذي مفاعلين نوويين بالكهرباء في كييف، إلى جانب 8 محطات كهرباء وأكثر من 800 منشأة تدفئة، وهو ما دفع الحكومة الأوكرانية إلى تطبيق جداول تقنين للكهرباء تمتد حتى 14 ساعة يومياً.
ويعيش الأوكرانيون ما يشبه جحيماً يوميا، مع انقطاع المياه والتدفئة وانهيار الخدمات، ويواجه الرئيس فولوديمير زيلينسكي حالة من الغضب الشعبي نظرًا لفشل حكومته في تطبيق خطة لإنتاج الطاقة اللامركزية كانت مقترحة منذ 3 سنوات.

تقليص القدرات الميدانية
وقالت نورهان الشيخ، أستاذة العلوم السياسية والمتخصصة في الشأن الروسي، إن استهداف روسيا لمراكز الطاقة الأوكرانية ليس جديدًا، بل يمثل جزءا من بنك الأهداف الروسي المستمر منذ 3 أعوام، مشيرة إلى أن الشتاء الحالي هو الرابع الذي يشهد عمليات مماثلة.
وأضافت، لـ”إرم نيوز”، أن المواطن الأوكراني يبقى الطرف الأكثر تضررًا من تلك الضربات، رغم أن الهدف الروسي منها قطع الإمدادات عن الجيش الأوكراني وشل قدراته العسكرية، مؤكدة أن منشآت الطاقة تُعدّ من وجهة نظر موسكو جزءًا من البنية التحتية العسكرية التي تغذي المجمعات القتالية الأوكرانية.
وأكدت الشيخ أن روسيا لا تستهدف التضييق على المدنيين بقدر ما تسعى إلى إضعاف أداء الجبهة الأوكرانية، قائلة: “من دون الطاقة لا يمكن للدبابات أو الأسلحة الأوكرانية التحرك”، وهو ما يجعل ضرب مصادر الطاقة وسيلة مباشرة لتقليص القدرات الميدانية لكييف.
وفيما يتعلق بفرص التهدئة، رأت الشيخ أن التوصل إلى تسوية سلمية يبدو صعبًا جدًا، بعكس ما يروّج له الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لافتة إلى أن الدعم الأوروبي المستمر يمثل عقبة رئيسية أمام أي وقف لإطلاق النار. وأضافت أن غياب هذا الدعم كان سيؤدي إلى تغيير جذري في الموقف الأوكراني.
وأشارت إلى أن روسيا لم تعد على عجلة للتسوية في ظل تقدمها الميداني وسيطرتها على أراضٍ جديدة، مؤكدة أن الوضع يتحسن لصالح موسكو.
وذكرت الشيخ أن أي تسوية محتملة ستتضمن وقف إطلاق النار ومناقشة حدود التمدد الروسي وربما مقايضات للأراضي مثل ما طُرح حول منطقة سومي، مضيفة أن روسيا ترى الوقت في صالحها ولا تستعجل الحل السياسي طالما تحقق مكاسب على الأرض.

الشتاء الأقسى
من جانبه، قال الأكاديمي والدبلوماسي المتخصص في شؤون أوروبا الشرقية، ياسين رواشدي، إن الحرب الروسية الأوكرانية تدخل أخطر مراحلها منذ اندلاعها، موضحًا أن فصل الشتاء يشهد عادة تصعيدًا في العمليات العسكرية التي تتركز على مصادر الطاقة والتدفئة في البلدين.
وأكد، لـ”إرم نيوز”، أن موسكو ستكون أكثر حدة في عملياتها خلال الشتاء بحكم موقعها الجغرافي في شمال أوروبا، مشيرًا إلى أن القصف الروسي سيستهدف منشآت الطاقة الأوكرانية بشكل مكثف، في حين سيحاول الجانب الأوكراني الرد على منشآت الطاقة الروسية، إلا أن تأثير الضربات في روسيا سيكون أقل نظرًا لقدرتها الكبيرة على إنتاج ومعالجة موارد الطاقة.
وأضاف رواشدي أن أوكرانيا تبدو شبه محاصرة وغير قادرة على إدارة “أزمتها الطاقوية”، مما سيجعل الشتاء الحالي الأصعب والأقسى على مواطنيها، لافتًا إلى أن الخطاب الأوكراني عن الصمود يحمل طابعًا إعلاميًا أكثر منه واقعيًا، لأن الظروف المعيشية القاسية ونقص الطاقة والغذاء قد تفوق قدرة السكان على التحمل.
وأشار إلى أن الاتحاد الأوروبي سيتدخل لتقديم الدعم الإنساني والاقتصادي، لكن ذلك لن يعني استسلام أوكرانيا أو رفعها الراية البيضاء، لافتًا إلى أن الشتاء الحالي سيكون الأصعب على أوكرانيا منذ بدء الحرب، كما توقع تراجعًا متسارعًا في شعبية الرئيس فولوديمير زيلينسكي قد يدفعه إلى التفكير في الاستقالة مستقبلاً.
وأوضح رواشدي أن كييف تراهن على إمكانية تحريك المسار السياسي مطلع العام المقبل، متحدثًا عن لقاء مرتقب بين الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب في شهر كانون الثاني-يناير المُقبل، قد يشكل نقطة انطلاق للحل السياسي للأزمة، لا سيما أن مفاوضات جارية بين دبلوماسيين كبار من موسكو وواشنطن لإعادة إحياء قنوات الحوار، وأن نجاحها سيحدد موعد اللقاء المنتظر بين الزعيمين.