مغامرة بوتين في بولندا.. منطقة رمادية أم حرب عالمية ثالثة؟

مغامرة بوتين في بولندا.. منطقة رمادية أم حرب عالمية ثالثة؟


شهدت بولندا مؤخراً حادثة خطيرة تمثلت في اختراق طائرات روسية مسيّرة لمجالها الجوي، قبل أن تتحرك القوات البولندية بدعم من حلف الناتو لاعتراضها وإسقاطها.
 وفي هذا الإطار، قال روبرت إي. كيلي، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة بوسان الوطنية في كوريا الجنوبية، إن هذه الواقعة أثارت مخاوف من تصعيد عسكري بين روسيا والحلف، لكنه شدد على أن ما جرى أقرب إلى «مغامرة محسوبة»، ضمن ما يُعرف بـ»المنطقة الرمادية»، وليس شرارة لحرب عالمية ثالثة.

اختراق متعمد أم خطأ عابر؟
أوضح الكاتب أن بعض التقديرات ذهبت إلى اعتبار الحادثة مجرد خطأ تقني أو ملاحي، إلا أن هذا الاحتمال يبدو ضعيفاً جداً.
وأضاف في تقرير بموقع «ناشيونال سيكيوريتي جورنال» أن الطوبوغرافيا معروفة تماماً للروس بعد 3 سنوات من الحرب في أوكرانيا، والمسافة التي قطعتها الطائرات عبر أوكرانيا وبيلاروسيا تجعل من المستبعد تفسيرها كـ»سهو بريء». 
وتابع: إن الرئيس فلاديمير بوتين عُرف تاريخياً بالمجازفة، وخوض مغامرات في المنطقة الرمادية، دون الوصول إلى حد الحرب الشاملة، ما يرجح فرضية أن الاختراق كان متعمداً، لاختبار سرعة استجابة الحلف. وقال الكاتب إن الرد الصحيح على هذه الحوادث لا يكون بالانفعال أو التلويح الفوري بالمادة الخامسة من معاهدة حلف الناتو، بل بالتركيز على الصمود والردع المتدرج.
وأوضح أن الفارق الهائل في موازين القوى لا يصب في صالح روسيا: فاقتصادها لا يتجاوز تريليوني دولار، بينما يزيد اقتصاد الاتحاد الأوروبي عليه 10 أضعاف، والاقتصاد الأمريكي 15 ضعفاً.
وأضاف كيلي أن أي مواجهة تقليدية أو لجوء إلى السلاح النووي سيكون «انتحاراً استراتيجياً» لموسكو، ما يجعلها تفضّل تكتيكات الإزعاج غير المتماثلة مثل الطائرات المسيّرة، التشويش على أنظمة الملاحة، الهجمات السيبرانية، أو العبث بالكابلات البحرية.

الردع المرن: كيف
 يتعامل الحلف مع روسيا؟
تابع الكاتب مؤكداً أن المطلوب من الحلف هو بناء منظومة ردع مرنة وفعالة، تقوم على: تعزيز قدرات المراقبة والاستخبارات على مدار الساعة. وتكثيف الدوريات الجوية وضمان تغطية رادارية متواصلة. وإسقاط أي اختراقات فوراً ومن دون تردد. وتطوير الدفاعات السيبرانية القادرة على صدّ الهجمات الإلكترونية والرد عليها بالمثل. وحماية البنية التحتية تحت البحر من أي محاولات تخريبية.
وقال إن هذه الاستراتيجية تحرم روسيا من الاستفادة من «الغموض البنّاء» الذي تلجأ إليه لاختبار حدود المخاطرة.
أوضح كيلي أن على دول الحلف إعادة النظر في أولوياتها الدفاعية. فبدلاً من التركيز حصراً على المنصات التقليدية الكبرى مثل الصواريخ والطائرات الشبحية، يتعين تخصيص جزء معتبر من الميزانيات لمواجهة حرب المنطقة الرمادية. 
وأضاف أن امتلاك تقنيات متقدمة لإسقاط المسيّرات، وتطوير أدوات هجومية ودفاعية في الفضاء السيبراني، وتعزيز الردع غير التقليدي، كلها عوامل تمكّن الحلف من مواجهة روسيا في الميدان الذي تفضّل العمل فيه.

إدارة التصعيد بحزم وحكمة
وختم الكاتب مقاله قائلاً إن الحادثة الأخيرة يمكن النظر إليها كاختبار متعمد من جانب موسكو. والرد الأمثل، بحسب كيلي، هو التعامل معها بسرعة وحزم، مع إدارة سلّم التصعيد بحذر بحيث يبقى تحت سيطرة الحلف لا روسيا.  وأوضح أن الهدف الروسي قد يكون إرباك الحلفاء أو إظهار ضعفهم، لكن الرد القاطع والمنضبط سيبرهن العكس، مؤكداً أن الحلف يمتلك من الثبات والموارد ما يتيح له ردع موسكو وتفوقها في هذا الصراع المديد.