مناورات «زاباد 2025» تربك أوروبا.. صاروخ فرط صوتي بحضور أمريكي

مناورات «زاباد 2025» تربك أوروبا.. صاروخ فرط صوتي بحضور أمريكي


قال خبراء سياسيون وعسكريون فرنسيون إن المناورات العسكرية الروسية–البيلاروسية الأخيرة «زاباد 2025»، التي شهدت اختبار الصاروخ الفرط صوتي الجديد «زيركون» وحضور مراقبين أمريكيين بشكل غير متوقع، تمثل منعطفًا استراتيجيًا في المشهد الأمني الأوروبي. 
ويؤكد الخبراء أن موسكو توظف هذه المناورات لتعزيز صورة الردع، فيما تستخدم واشنطن هذه المشاركة الرمزية لترسيخ حضورها الدبلوماسي والعسكري، الأمر الذي يزيد الضغط على الاتحاد الأوروبي ويدفعه إلى إعادة التفكير في موقعه بين موسكو وواشنطن.
وفي هذا السياق، قال الباحث الفرنسي إتيان ماركوز، الخبير في قضايا الردع والدفاع الصاروخي بمؤسسة البحوث الاستراتيجية لـ»إرم نيوز»: «علينا أن نتذكر أن كل إعلان روسي حول الأسلحة الفرط صوتية يحمل بُعدًا دعائيًا واضحًا».
وأوضح أن موسكو تسعى إلى ترسيخ صورة تفوق عسكري لا يُضاهى، أكثر مما تسعى إلى تقديم قدرة عملياتية قابلة للاستخدام الفوري».
وقال ماركوز: «الصاروخ زيركون يمثل تقدمًا تقنيًا بلا شك، لكن لا ينبغي النظر إليه كـ>كارثة> أو تحول جذري في ميزان القوى، قدرات الردع الغربية مبنية على تعددية الوسائل، ومن الخطأ اختزالها في سلاح واحد جديد مهما بلغت سرعته».
وأضاف الباحث: «الانتقال من الاختبارات الفردية إلى الاستخدام العملياتي واسع النطاق يظل معقدًا، فالمسألة لا تتعلق بالسرعة والمدى فقط، بل بقدرة روسيا على إنتاج هذه الصواريخ بكميات كبيرة، وتأمين أنظمة الإطلاق، ودمجها في استراتيجيتها العسكرية بشكل متماسك». وتابع ماركوز: «علينا ألا ننسى أن كل تطور هجومي يقابله عادة تطور دفاعي، الناتو والولايات المتحدة يعملان منذ سنوات على أنظمة اعتراض متعددة الطبقات، معززة بالذكاء الاصطناعي ورادارات جديدة، لذلك، رغم ما يقال في الإعلام، الصاروخ الروسي لا يغير قواعد اللعبة بشكل جذري».
وبموازاة ذلك، رأت صحيفة «ليزيكو» الفرنسية أن المناورات العسكرية التي تقوم بها روسيا وحلفاؤها في بيلاروسيا تلقت ضيوفًا غير متوقعين، وهم مراقبون أمريكيون، علامة على تقوية الروابط بين واشنطن وموسكو، الأمر الذي يزيد الضغط على الدول الأوروبية.
وأشارت الصحيفة الفرنسية إلى أن وزارة الدفاع البيلاروسية، التي أعلنت هذا الاثنين، خلال مناورات “Zapad 2025” التي تنفّذها روسيا وبيلاروسيا، نشرت على قناتها في «تلغرام» فيديو يُظهِر محادثة مصافحة بين الملحق العسكري الأمريكي براين شوب وبين الوزير البيلاروسي، فيكتور خرنين.
ويظهر في الفيديو أن المبعوث الأمريكي يقول: «شكرًا على الدعوة»، ويرد الوزير البيلاروسي: «أفضل الأماكن للمراقبة ستكون تحت تصرفكم.. سنريك كل ما يهمك».
ورأت الصحيفة الفرنسية أن حضور المراقبين الأمريكيين في بيلاروسيا كان مفاجئًا، لكنه خطوة منطقية لدونالد ترامب، بعد القمة مع فلاديمير بوتين في ألاسكا، خاصة بعدما استبعد الرئيس الأمريكي أن إرسال طائرات من دون طيار روسية إلى بولندا الأسبوع الماضي كان مقصودًا، خلافًا لتحليل وارسو.
ورفعت مناورات “Zapad” مجددًا من منسوب التوتر بين بيلاروسيا وجيرانها، بولندا، ولاتفيا وليتوانيا، ثلاث دول مجاورة، قد عززت تدابيرها الأمنية، أغلقت حدودها ونظّمت مناورات عسكرية مواكبة.
ونسخة 2025 من مناورات Zapad صممت لتظهر الحيطة، رغم أن الصاروخ الباليستي الجديد “Orechnik” الروسي قد تم نشره بالفعل، الإعلام الرسمي أراد أن يُبرز شفافية نوعًا ما.
وقالت الصحيفة الفرنسية الرسالة هذه السنة واضحة: «الأوروبيون عليهم المراجعة الجيوسياسية، والتفكير في تغيير موقفهم تجاه مينسك وموسكو، أولًا من خلال الإظهار العسكري عند الحدود، وثانيًا من خلال فتح قنوات مباشرة مع واشنطن ومينسك».
وقبل افتتاح المناورات، أطلقت بيلاروسيا، سراح 52 سجينًا، توجهوا إلى ليتوانيا، التي تستضيف جالية معارضة كبيرة. لوكاشينكو، الذي يقود البلاد بقبضة قوية منذ سقوط الاتحاد السوفيتي، لم يُطلق عليهم وصف “سجناء سياسيين”، لكنهم فعليًا معارضون.
في المقابل، قامت واشنطن بخطوة مهمة لبيلاروسيا: رفع العقوبات على الناقل الجوي الوطني “Belavia”، وهذه هي المرة الثانية هذا العام التي تُفرج فيها مينسك عن معارضين سياسيين، والمرة الثانية التي تترتب فيها هذه الإفراجات على مفاوضات يبدو أن واشنطن لعبت دورًا بارزًا فيها.
وكما في المرة السابقة في يونيو، جاء الإفراج مصحوبًا بزيارة مبعوث أمريكي، وسلم رسالة من دونالد ترامب إلى لوكاشينكو قال فيها: «هذه لفتة نادرة من الصداقة»، أعلنت الرئاسة البيلاروسية الثلاثاء أنها منحت العفو لـ25 سجينًا آخر. بدوره، قال الباحث الفرنسي في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية المتخصص في العلاقات الروسية–الأوروبية والسياسات الأمنية توماس جوما  لـ»إرم نيوز» إن الحضور الأمريكي كمراقب في مناورات Zapad-2025 هو إشارة مزدوجة: سياسيّة: واشنطن ترسّخ فكرة أن الحوار مع روسيا لا يزال مفتوحًا، لكن بشرط الحفاظ على الردع. 
وأضاف أن حضورها ليس دعمًا للمناورات بقدر ما هو محاولة لرصدها وتفهّمها عن قرب، وربما لإظهار أن حلف الناتو غير حصري في تفاعله العسكري أو الاستراتيجي في المنطقة. ورأى أن الإشارة الثانية هي استراتيجية: من جهة، «روسيا وبيلاروسيا تحاولان تحويل Zapad إلى منصة تُظهر القدرات التكنولوجية الجديدة مثل الصاروخ “Orenich-Orechnik” (ما يعزز الردع الروسي) ومواقف من الطراز النووي التكتيكي».

وتابع: «من جهة أخرى، فالولايات المتحدة، رغم وجودها المراقب، تحاول أن تراقب الخطوات دون أن تُورّط نفسها في مواجهة مفتوحة حاليًا، لكنها تؤكد وجودها الجيوستراتيجي.
ويرى جوما أن أوروبا الآن أمام مفترق: «إما أن تعيد صياغة استراتيجيات دفاعية مشتركة وتتوقف عن الاعتماد الكامل على الولايات المتحدة، وإما أن تندفع إلى مواجهة مع روسيا ومحاورها، ما قد يرفع التوتر إلى مستويات خطرة».
بدوره، قال أوليفييه فيدرين المحلل السياسي المعروف بخبرته في الشؤون الروسية والأوكرانية لـ»إرم نيوز» إن الخطوة الأمريكية هذه ليست مفاجئة بالكامل في سياق إدارة ترامب التي تحرص على إبقاء قنوات الاتصال حتى مع الخصوم. 
ورأى أن الدعوة الموجهة لمراقبين هي تكتيك لترسيخ موقع الولايات المتحدة كقوة مراقبة وليست مجرد خصم، وهذا له أثر نفسي كبير على موسكو ومينسك.