من الضحية إلى الجلاد.. كيف تحوّلت رواندا إلى قوة إقليمية «صاعدة»؟

من الضحية إلى الجلاد.. كيف تحوّلت رواندا إلى قوة إقليمية «صاعدة»؟


قالت صحيفة «وول ستريت جورنال»، إن روانـــــــدا تحولــــــــت، بعد أكثر من 3 عقــــــــــود على الإبادة الجماعية التي أودت بحياة ما يقـــــارب 800 ألف من قبائل «التوتسي» و»الهوتو» عام 1994، من دولة منكوبة ومثقلة بالذكريات الدامية إلى قوة إقليمية صاعدة ومثيرة للجدل. 
ورغــــم أن روانــــــــدا نجحت في إعادة بناء مؤسـســاتها الداخليـــــــة وتقديم نفسها نموذجًـــــا للانضباط والتنميـــــة، فإنها في الوقت نفســــــه باتت تُتهم بتأجيج الصراعات في جوارهـــــا، خصوصًا في شــــرق الكونغو.
دعم متمردي «إم23»
وبينما تتهم الولايات المتحدة والأمم المتحدة كيغالي بدعم متمردي حركة «إم 23»، الذين سيطروا مؤخرًا على مدينة غوما، بوابة الكونغو الشرقية، تركت المعركة خلفها مشاهد من الفوضى؛ شاحنات عسكرية محترقة، ومواقع أممية مهجورة، ونزوح مئات الآلاف من المدنيين. 
تؤكد تقارير حقوقية أن آلاف الجنود الروانديين شاركوا في القتال إلى جانب المتمردين، في خطوات قد ترقى إلى جرائم حرب، رغم النفي المتكرر من حكومة كيغالي.
وأوضحت الصحيفة أنه رغم تمسك رواندا بخطاب «الدفاع عن حدودها وحماية التوتسي»، يرى محللون أن الدافع الحقيقي يكمن في المعادن النفيسة المدفونة بالكونغو، مثل: الذهب والكولتان، الضرورية لصناعات التكنولوجيا الحديثة؛ إذ تتهم كينشاسا رواندا بنهب هذه الموارد وتحويلها عبر شبكات تجارية إلى الخارج. 
وفي حين يزيد من هذه الشكوك أن اتفاق السلام الأخير، الموقَّع بوساطة أمريكية في يونيو- حزيران الماضي، ألمح إلى دمج سلاسل التوريد المعدنية بين البلدين؛ ما يفتح الباب أمام رواندا لتصبح لاعبًا محوريًّا في تجارة بمليارات الدولارات.

صورتان متناقضتان
لكن في الداخل، لا تزال رواندا تحمل صورتين متناقضتين. فمن جهة، استطاع الرئيس بول كاغامي أن يطوي صفحة الحرب الأهلية بإلغاء الهوية العرقية من الوثائق الرسمية، وإرساء مشاريع مصالحة وطنية، وتحويل العاصمة كيغالي إلى نموذج للمدن النظيفة والآمنة في أفريقيا. ومن جهة أخرى، يتهمه خصومه بإرساء حكم استبدادي يطارد المعارضين ويضيّق على حرية التعبير، وهو ما تنفيه حكومته باستمرار.
خارجياً، رسّخ الجيش الرواندي نفسه كقوة إقليمية منظمة، مدربة على أيدي الأمريكيين والصينيين؛ حيث ساعد في طرد مقاتلي «داعش» من شمال موزمبيق وتأمين مشاريع الغاز العملاقة هناك، كما لعب دورًا محوريًّا في بعثات حفظ السلام الأممية من السودان إلى أفريقيا الوسطى.  ورغم الانتقادات الغربية لتدخله في الكونغو، لا تزال الجيوش الإفريقية والغربية تنظر إلى رواندا كخيار موثوق يوفر بديلًا عن المرتزقة الروس.
وخلصت الصحيفة إلى أنّ المفارقة الكبرى تتمثل في أن دولة كانت يومًا ضحية للتطهير العرقي، أصبحت اليوم متهمة بالعدوان على جيرانها؛ وكما يصفها أحد الخبراء: «لقد تحوّل الضحية إلى قوة تخشاها المنطقة». 
وبين مطامع الموارد وظلال الماضي الدامي، يبقى مستقبل شرق الكونغو معلَّقًا، واتفاق السلام الأخير مرهونًا بمدى استعداد رواندا للتخلي عن إستراتيجيتها الهجومية.