من الفضاء إلى الأسلحة الفتاكة.. المحور المعادي للغرب يتمدد بهدوء

من الفضاء إلى الأسلحة الفتاكة.. المحور المعادي للغرب يتمدد بهدوء


ترى الكاتبة والباحثة المتخصصة في شؤون روسيا والشرق الأوسط، آنا بورشيفسكايا، أن الغرب يُخطئ في تقييم طبيعة التحالف القائم بين روسيا والصين وإيران (ومعهما كوريا الشمالية).  فبينما يعتقد كثير من المحللين أن هذا «المحور» قد انهار خلال الأزمة الأخيرة في الشرق الأوسط، تؤكد الكاتبة في مقالها بموقع مجلة «ناشونال سيكيورتي جورنال» أن هذا التحليل سطحي، ويغفل التحولات الجوهرية التي تؤسس لتعاون أعمق وأكثر خطورة بين الخصوم الجيوسياسيين للغرب. وأشارت بورشيفسكايا، وهي زميلة بارزة في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، إلى أن البعض اعتبر موقف روسيا والصين الباهت خلال القصف الأمريكي الإسرائيلي لمواقع نووية في إيران في يونيو -حزيران 2025 دليلاً على ضعف التحالف الثلاثي، إذ اكتفت موسكو وبكين بإدانات سياسية ولم تقدما أي دعم عسكري ملموس لطهران. لكن الكاتبة ترفض هذا التفسير، مؤكدة أن المحور لم يتفكك، بل تعززت روابطه بعد الأزمة، موضحة أن هذه الدول استخلصت دروساً استراتيجية من «حرب الأيام الاثني عشر»، وبدأت بتوسيع آليات التعاون في مجالات حساسة وواعدة، مثل الفضاء والتكنولوجيا والعتاد العسكري.
 شراكة تتجاوز الأرض
وقالت الكاتبة إن التعاون الفضائي بين روسيا وإيران لا يُعد مجرد مناورة تقنية، بل مؤشراً على تحول استراتيجي عميق، إذ أطلقت موسكو هذا الشهر قمراً إيرانياً جديداً للاتصالات إلى الفضاء، في خطوة تأتي بعد إطلاق سابق لقمر «خيّام» عام 2022.
وأوضحت بورشيفسكايا أن هذا التعاون يعكس التقاء المصالح بين موسكو وطهران في تحدي الهيمنة الغربية على الفضاء، مضيفة أن الصين وروسيا تسعيان معاً لترسيخ موطئ قدم مستقل في الفضاء الشرق أوسطي، في وقت تحاول فيه واشنطن فرض معايير دولية للسلوك الفضائي.
وأضافت بورشيفسكايا أن التعاون بين دول المحور لم يقتصر على الفضاء، بل امتد إلى المجال العسكري والاقتصادي بشكل متسارع، فروسيا والصين وكوريا الشمالية تعمل على تطوير طائرات مسيّرة هجومية بسرعة تتفوق على نظيراتها الغربية.
كما لفتت الكاتبة إلى أن الرحلات الجوية التجارية بين موسكو وبيونغ يانغ استؤنفت لأول مرة منذ عقود، في مؤشر على رغبة الطرفين في توسيع التعاون، كذلك زار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف كوريا الشمالية مؤخراً، ما يعزز فرضية تشكيل محور غير غربي متعدد الأذرع.
أوضحت بورشيفسكايا أن العقوبات الغربية لم تُضعف قدرة أطراف المحور على تبادل التكنولوجيا العسكرية، مشيرة إلى أن محركات طائرات صينية تُهرّب إلى روسيا عبر شركات واجهة، وتُستخدم في تصنيع طائرات مسيّرة هجومية من طراز Garpiya-A1. وأضافت أن إيران، المحبطة من تأخر تسليم مقاتلات سو-35 الروسية، توجهت نحو الصين للحصول على مقاتلات شبح J-20 ومنظومات دفاع جوي HQ-9B لتعويض النقص الحاد في دفاعاتها الجوية.

زيادة الدعم 
وتابعت الكاتبة أن طهران، رغم شعورها بخيبة أمل من الموقف الروسي خلال الأزمة، لم تُغيّر من تحالفاتها الاستراتيجية، بل ازدادت اعتماداً على موسكو وبكين للحصول على الدعم السياسي في الملف النووي، وتفادي تفعيل آلية «سناب باك» التي قد تعيد العقوبات الدولية.
ونقلت بورشيفسكايا عن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي تأكيده أن التشاور مع موسكو وبكين مستمر، كما أن خطط بناء ثمانية مفاعلات نووية روسية في إيران ما زالت قائمة، ما يدل على استمرار الروابط الاستراتيجية.
وقالت الكاتبة إن ما لا يفهمه كثير من صناع القرار الغربيين هو أن هذا المحور لا يعتمد على التزامات دفاعية ملزمة مثل تلك الموجودة في التحالفات الغربية، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين حرص طيلة عقدين على تجنب التورط المباشر في صراعات الشرق الأوسط، ولم يتضمن الاتفاق بين موسكو وطهران أي بند للدفاع المشترك.
وأوضحت بورشيفسكايا أن هذه المرونة المقصودة هي ما يسمح لأطراف المحور بالمناورة وتجنب التورط المباشر، مع الاستمرار في تحقيق أهدافهم الجيوسياسية، خصوصاً في ظل انكفاء الدعم الغربي لطهران.

الغرب يخطئ
 في القياس والتحليل
أشارت الكاتبة إلى أن الخطأ الجوهري الذي يرتكبه الغرب هو قياس هذه التحالفات وفقاً لمعايير الليبرالية الغربية التي تعتمد على الشفافية والالتزامات المتبادلة. في المقابل، يعمل هذا المحور على تفكيك النظام الليبرالي العالمي واستبداله بنظام أكثر فوضوية وخطورة.
وأكدت الكاتبة أن المعركة طويلة الأمد، وعلى الغرب أن يُعيد ترتيب صفوفه، ويُعزّز الردع، ويتجنب الاستهانة بخصومه الذين يطورون قدراتهم باستمرار خارج دائرة التحالفات التقليدية.
وخلصت الكاتبة آنا بورشيفسكايا إلى أن التحالف بين روسيا والصين وإيران – رغم افتقاره إلى الشكل التقليدي للتحالفات العسكرية – يشكّل تهديداً تدريجياً للنظام العالمي القائم. فالعلاقات القائمة على المنفعة، والمرونة التكتيكية، والاعتماد المتبادل، تصنع ببطء بنية جيوسياسية جديدة تتحدى قواعد اللعبة التي أرساها الغرب لعقود.