من المعادن إلى الرقائق الدقيقة.. دروس مستفادة لتايوان من أوكرانيا

من المعادن إلى الرقائق الدقيقة.. دروس مستفادة لتايوان من أوكرانيا


سلّط تقرير الضوء على أوجه الشبه والاختلاف بين الوضع الجيوسياسي والاقتصادي لكل من أوكرانيا وتايوان، من منظور موارد القيمة العالية للمعادن النادرة في الأولى، وأشباه الموصلات في الثانية. 
وتناول تقرير صادر عن موقع «جيوبولتيكال مونيتور» المخاطر التي تنشأ حين تكون الدولة مركزاً حيوياً في سلاسل الإمداد العالمية، دون أن تحيط نفسها بضمانات أمنية كافية، أو تحالفات عسكرية رادعة. 
ومن خلال المقارنة بين تجربة أوكرانيا في فقدان مواردها بعد الحرب، وتايوان التي تواجه تهديداً صينياً متصاعداً، خلص التقرير إلى درس مفاده: لا تكفي الأهمية الاقتصادية لضمان الحماية السياسية والعسكرية.

اتفاق الـ60 مليار دولار.. مكاسب متأخرة
يبدأ التقرير بالإشارة إلى الاتفاق الضخم الذي وقعته أوكرانيا مع الولايات المتحدة في مايو -أيار 2025، وبلغت قيمته 60 مليار دولار، ويهدف إلى تطوير قطاع المعادن الحيوية والنادرة. لكن هذه الخطوة جاءت بعد أن تكبدت كييف خسائر هائلة نتيجة الحرب، منها تراجع الناتج المحلي بنسبة 29%، وفقدانها السيطرة على أراضٍ تحتوي على نحو 30% من الاحتياطات العالمية للتيتانيوم والمعادن النادرة.
وقال التقرير: هذه الموارد الحيوية، رغم أهميتها في صناعات الطيران والدفاع والطاقة النظيفة، لم تُدرَك كأصول استراتيجية إلا بعد أن فشلت أدوات الردع التقليدية، وتكبدت الدولة خسائر يصعب تعويضها.

تايوان: مركز حيوي
 في سلسلة توريد 
الرقائق الدقيقة
وتناول التقرير وضع تايوان بوصفها قلب صناعة الرقائق المتقدمة عالمياً. ووفق التقرير، تنتج شركة TSMC وحدها أكثر من 90% من الرقائق التي تقل دقتها عن 10 نانومتر، وهي مكونات أساسية في الذكاء الاصطناعي، والتقنيات الدفاعية، والحوسبة فائقة الأداء.
وأضاف: هذا الدور المحوري يضع تايوان في مرمى تهديدات الصين المتزايدة، التي تشير عقيدتها العسكرية إلى عام 2027 كمحطة محتملة لتحقيق «الوحدة الوطنية» بالقوة.

سياسة الغموض الاستراتيجي
وأبرز التقرير التناقض في وضع تايوان الأمني، إذ رغم استثماراتها التي تتجاوز 50 مليار دولار في ثلاث دول حليفة (الولايات المتحدة، اليابان، ألمانيا)، فإنها لا ترتبط بأي معاهدة دفاعية رسمية مع واشنطن، ولا تُعتبر عضواً في أي تحالف أمني دولي.
ورأى أن استمرار الاعتماد على سياسة «الغموض الإستراتيجي» بات يحمل مخاطر كبيرة، لا سيما مع تصاعد التهديدات، وغياب ضمانات الردع الحاسمة.

دروس أوكرانيا.. التحرك الاستباقي ضرورة 
وأشار إلى أن أحد أهم الدروس المستفادة من تجربة أوكرانيا يتمثل في أن الدعم الدولي الحقيقي لم يصل إلا بعد أن تكبدت الدولة خسائر كارثية.
وأوضح التقرير أن سيناريو مشابهاً في تايوان قد يبدأ بهجوم صاروخي مفاجئ يعطل منشآت الرقائق خلال دقائق، مما سيؤدي إلى انهيار سلاسل التوريد العالمية، دون أن يكون هناك وقت كافٍ للرد أو الدعم.

نقل المعادن لا نقل الرقائق
أحد أبرز المفارقات التي يشير إليها التقرير يتمثل في الطبيعة غير القابلة للنقل لصناعة الرقائق الدقيقة. فهذه الصناعة تعتمد على معدات عالية الحساسية من هولندا، وكوادر بشرية نادرة التدريب، ما يجعل تعويضها في أي مكان آخر شبه مستحيل في المدى القصير.
ولفت النظر إلى أن نحو 35% من إيرادات قطاع أشباه الموصلات التايواني جاءت من السوق الصينية في عام 2024. وهذا يخلق حالة من الاعتمادية المتبادلة، قد تتحول إلى نقطة ضغط حال وقوع أزمة عسكرية.
وأشار التقرير إلى أن أوكرانيا، على عكس تايوان، كانت مندمجة في السوق الأوروبية، وهو ما منحها منصة دبلوماسية ومؤسسية للدعم. أما تايوان، فتعاني عزلة دبلوماسية واضحة، وتُستبعَد من مؤسسات دولية كبرى.

الحاجة إلى «سفارات تكنولوجية» بدلاً من مصانع
واقترح أن تتحول استثمارات تايوان في الخارج من مجرد مصانع إلى ما يشبه «السفارات التكنولوجية»، أي مراكز إنتاج ذات طابع سيادي تقني، قادرة على استدعاء ردود أفعال دولية سريعة في حالة الخطر.
وأفاد التقرير بأن كلفة تعطل إنتاج تايوان قد تصل إلى 1.6 تريليون دولار خلال 6 أشهر فقط، وهي حقيقة يجب تحويلها إلى أداة ضغط سياسي للحصول على ضمانات أمنية ملموسة.

تجاوز العزلة عبر
 القنوات غير الحكومية
يرى التقرير أن من الضروري لتايوان أن توسع تعاونها مع الشركات الدولية ومراكز البحث والمعايير التقنية التي لا تشترط اعترافاً رسمياً بالدولة، بهدف تخفيف وطأة عزلتها على الساحة الدولية. وحذر من «التوقع الاستراتيجي المفرط»، أي الاعتقاد بأن المكانة الاقتصادية لتايوان كفيلة وحدها بضمان تدخل الحلفاء وقت الحاجة.
وأكد أن هـــــذه الفرضية ثبت فشلها في الحالة الأوكرانية، وبالتالي على تايوان أن تُسرّع خطواتها نحو بناء تحالفـــــات رسمية، وتعزيز قدراتها الداخلية، واستثمار تفوقها التكنولوجي في خلق بيئــــة أمنيــــة مؤسسية متينة.
في الختام، وجّه التقرير رسالة واضحة مفادها: لا يمكن لتايوان أن تعوّل على النوايا الطيبة للمجتمع الدولي، ولا على موقعها الحيوي في سلاسل التوريد. فالأهمية الاقتصادية يجب أن تُترجم إلى ضمانات أمنية فعلية، قبل أن تتكرر مأساة أوكرانيا في جزيرة أشباه الموصلات.