من دفء ألاسكا إلى برود المواجهة.. موسكو تعلن نهاية «شهر العسل» مع واشنطن

من دفء ألاسكا إلى برود المواجهة.. موسكو تعلن نهاية «شهر العسل» مع واشنطن


لم تمر سوى أسابيع على قمة ألاسكا حتى بدأ الدفء السياسي يتبخر من الأفق الروسي الأمريكي، إذ إن موسكو التي تحدثت يومًا عن بداية مسار جديد في علاقاتها مع واشنطن، عادت لتعترف بأن الزخم الذي خلّفه اللقاء بين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب قد تبدّد، في مشهد يعكس هشاشة التفاهمات وعودة مناخ الشك إلى قلب الأنظار الدولية.وخلال الساعات الماضية، أشار نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف إلى أن الزخم القوي الذي تشكّل باتجاه التوصل إلى اتفاق سلام “تبدّد إلى حد كبير”، محمّلًا أوروبا مسؤولية الجمود، متهماً إياها بالسعي إلى “خوض الحرب حتى آخر أوكراني».
من جانبه، شدّد الرئيس الروسي على تمسكه بأهداف الحرب، مؤكدًا أن الضربات الأوكرانية داخل الأراضي الروسية “لن تفيد كييف”، بل ستدفع الصراع نحو تصعيد لا يمكن التنبؤ به.
وتأتي هذه التصريحات الروسية في أعقاب تغيّر في موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي خرج من ألاسكا بنبرة توحي بالتفاهم، قبل أن يلوّح سريعًا بخيارات عسكرية جديدة، تعكس قناعة متزايدة بأن جهوده لتسوية النزاع وصلت إلى طريق مسدود.
وبين اتهامات موسكو وتحولات واشنطن، يبدو أن ما تبقى من الزخم الدبلوماسي يتلاشى، لتعود الأزمة الأوكرانية إلى نقطة الصفر، ويُطرح السؤال: هل يعود الجمود الراهن إلى ضغوط أوروبية على واشنطن لإفشال أي تقارب مع روسيا؟ وإلى أي مدى يمكن اعتبار تلويح ترامب بصواريخ “توماهوك” إعلانًا ضمنيًا عن فشل رهانه على الحل الدبلوماسي؟
ويرى خبراء في الشؤون الروسية، في تصريحات لـ”إرم نيوز”، أن الموقف الروسي الذي تحدث عن “تبدد الزخم” الناتج عن لقاء بوتين وترامب في ألاسكا، يعكس حالة من التوتر المكتوم بين الجانبين بعد مرحلة قصيرة من الانفراجة.
الخبير في الشؤون الروسية د. محمود الأفندي وصف تصريح نائب وزير الخارجية الروسي بشأن القمة بأنه “خطأ جيوسياسي قاتل”، مؤكدًا أنه لا يعكس الموقف الحقيقي للقيادة الروسية، ولا طبيعة نتائج القمة التي وصفها بأنها “إستراتيجية وغير معلنة».
وقال الأفندي لـ”إرم نيوز” إن الخارجية الروسية لم يكن لها دور مباشر في قمة ألاسكا، وإن التصريح «خرج عن السياق»، ما استدعى تدخل مساعد الرئيس الروسي سريعًا لتصحيح الصورة، وإعادة ضبط الموقف الرسمي.
وأشار إلى أن نتائج القمة تُنفذ بالفعل على الأرض رغم أنها لم تُعلن بشكل كامل، مؤكدًا أن أهم ما نتج عنها كان تحولًا في الموقف الأوروبي من الحرب في أوكرانيا، حيث بدأت بعض العواصم الأوروبية تتعامل مع مشروع قمة ألاسكا بوصفه “تهديدًا جيوسياسيًا لمصالحها».
وأضاف أن العلاقات الروسية الأمريكية شهدت انفراجة نسبية بعد القمة، إذ لم تفرض واشنطن أي عقوبات جديدة على موسكو، وبدأت مناقشات أولية حول إعادة تفعيل الاتفاقيات النووية الخاصة بالصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى، 
وهو ما يُعد من “النتائج المباشرة والمهمة” للقاء ألاسكا.
وفيما يتعلق بتطورات الحرب الأوكرانية، أكد الأفندي أن أوروبا رفضت عمليًا انضمام أوكرانيا إلى “الناتو”، رغم استمرار التصريحات العلنية المؤيدة لذلك. وأضاف أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أرسل إشارات واضحة بعدم رغبته في التصعيد المباشر ضد موسكو، حين قال إن “روسيا نمر من ورق”، وهو ما يعكس إدراكًا داخل الإدارة الأمريكية بأن النزاع “ليس أولوية إستراتيجية” في الوقت الراهن.
قمة ألاسكا والتحول النوعي
وفيما يخص الحديث عن تزويد كييف بصواريخ “توماهوك” الأمريكية، أوضح الخبير في الشؤون الروسية أن هذه الخطوة تواجه عقبات تقنية ولوجستية كبيرة، أبرزها أن أوكرانيا لا تملك المنصات أو الطائرات القادرة على إطلاقها، وأن تدريب القوات على استخدامها يحتاج إلى “قرابة عام كامل».
وقال الأفندي إن بوتين تعامل مع التهديد الأمريكي بتحفظ حين قال: “يجب تعزيز الدفاعات الجوية”، لكنه في الوقت نفسه لم يُبدِ قناعة بأن واشنطن ستُقدم فعليًا على هذه الخطوة في المدى القريب.أما المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية سمير أيوب، فاعتبر أن قمة ألاسكا مثّلت “تحولًا نوعيًا” في العلاقات بين موسكو وواشنطن، خاصة بعدما ظهر أن ترامب يمتلك قدرة فعلية على التأثير في مجريات الصراع الأوكراني.وقال في تصريحاته لـ”إرم نيوز” إن موسكو أخطأت في تقدير نوايا واشنطن في البداية، عندما كانت تعتقد أن ترامب قادر على الضغط على كييف والدول الأوروبية لخفض التصعيد وفتح مسار تفاوضي.
وأشار أيوب إلى أن مواقف ترامب “اتسمت بالتقلب”، إذ أبدى في بعض تصريحاته تفهمًا للمخاوف الروسية، قبل أن يعقّبها بمواقف أكثر تشددًا، نتيجة “ضغوط أوروبية” سعت إلى إفشال ما رأت أنه نتائج إيجابية لقمة ألاسكا، 
وحثت واشنطن على تشديد لهجتها تجاه موسكو.
أوروبا تخشى الدعم لأمريكي لكييف
ويرى الخبير في الشؤون الروسية أن أوروبا كانت تخشى من أي تراجع في الدعم الأمريكي لكييف، لأن وقف المساعدات الثقيلة قد يؤدي إلى انهيار الجيش الأوكراني بسرعة، بما يشكّل هزيمة سياسية وإستراتيجية لأوروبا والولايات المتحدة على السواء.وعن أثر هذا التحول، كشف سمير أيوب أن تشدد واشنطن لن يحسم الصراع عسكريًا، بل سيؤدي إلى إطالة أمد الحرب وزيادة الخسائر البشرية والمادية، مشيرًا إلى أن كثيرًا من الأسلحة الأمريكية الثقيلة تسببت في دمار واسع وسقوط ضحايا مدنيين.وأضاف أن دوافع ترامب في تبديل مواقفه “ليست سياسية فقط، بل اقتصادية أيضًا”، موضحًا أن صفقات الأسلحة الأوروبية تمثل عاملًا مهمًا في حسابات واشنطن.وختم أيوب بأن مستقبل الصراع مفتوح على احتمالات التصعيد، خاصة إذا دخلت أنظمة تسليح جديدة أو تغيّرت مواقف بعض الحلفاء الرئيسين، مؤكدًا أن التوازنات الداخلية والخارجية لكل طرف تجعل الحل السياسي رهنًا بالتطورات الميدانية، وأن نهاية الحرب لا تبدو قريبة وفق المعطيات الحالية.