كرة نار في ملعب أوروبا

من يموّل حرب أوكرانيا بعد تراجع دور ترامب؟

من يموّل حرب أوكرانيا بعد تراجع دور ترامب؟


في مشهد يعيد رسم خريطة التحالفات داخل الغرب، ألقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كرة النار في ملعب الاتحاد الأوروبي خلال القمة الأخيرة التي عقدت، قبل أيام، في بروكسل، معلنًا بوضوح أن أمريكا لم تعد مستعدة لتحمل أعباء تسليح أوكرانيا والدفاع عنها في حربها الطويلة مع روسيا. 
ومنذ عودته إلى البيت الأبيض، يتعامل ترامب مع الحرب الأوكرانية باعتبارها مسؤولية أوروبية في المقام الأول، وليس التزامًا أمريكيًا.
هذا التحول بدأ يتكرس بوضوح في قمة الناتو بمدينة لاهاي في يونيو 2025، إذ خلا البيان الختامي من أي التزامات صريحة تجاه كييف، واكتفى بدعوات عامة حول الإنفاق الدفاعي، تاركًا حرية الدعم للدول الأعضاء كلٌّ بحسب قدرته.
وفي يوليو الماضي كشف ترامب عن خطة تسليح جديدة تقوم على مبدأ “السلاح مقابل المال”، بحيث تُرسل الولايات المتحدة الأسلحة إلى الناتو الذي يدفع ثمنها بالكامل قبل تسليمها لأوكرانيا.
ووفقاً للمراقبين، فإنه بهذه الصيغة، يحقق ترامب هدفين في آنٍ واحد، تجنب انتقادات الكونغرس بشأن الإنفاق، وضمان مكاسب مالية من صفقات التسليح، خاصة أن تكلفة منظومة باتريوت الواحدة تقترب من مليار دولار.
في المقابل، سارعت مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس إلى التأكيد أن “بروكسل لن ترضخ لمطالب الكرملين بوقف تسليح أوكرانيا”، فيما خرجت قمة الاتحاد الأوروبي في بروكسل 23–24 أكتوبر الجاري، لتؤكد استمرار الدعم المالي والعسكري لكييف لعامين إضافيين، مع بحث استخدام الأصول الروسية المجمّدة كمصدر تمويل جديد.
وأعلنت ألمانيا من جانبها عبر مستشارها فريدريش ميرتس استعدادها لأداء “دور حاسم” في تنفيذ الاتفاق الدفاعي الجديد مع الناتو وواشنطن، وعرضت شراء نظامين من منظومات باتريوت تمهيدًا لإرسالها إلى أوكرانيا.
وبحسب البيانات الرسمية، ساهمت أمريكا بنحو 110 مليارات دولار حتى أبريل 2025، بينما قدم الأوروبيون مع شركائهم نحو 170 مليار دولار.
لكن حلف الناتو لم ينجح في جمع أكثر من 22 مليار دولار منذ بداية العام، ما كشف حجم الفجوة التمويلية التي تهدد استمرار تدفق الدعم العسكري لأوكرانيا.

الأموال الروسية المجمدة
وقال بسام البني، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، إنه لا يمكن لأوروبا أن تصمد في مواجهة روسيا، ودعم أوكرانيا، وتسليح كييف دون دعم الولايات المتحدة أمريكا، والاستيلاء على الأموال الروسية المجمدة التي تبلغ قيمتها نحو 200 مليار دولار.
وأضاف البني، في تصريحات لـ”إرم نيوز”، أن أمريكا تتردد في مواجهة روسيا لذلك فهي تحمل أوروبا تكلفة دعم أوكرانيا بالسلاح عبر شرائه من الولايات المتحدة.
وأوضح البني أن سياسة أمريكا في التعامل العسكري مع أوكرانيا خلقت انقسامًا داخل أوروبا، حيث يقف فيكتور أوربان رئيس المجر ضد التمويل، مشيرًا إلى خروج مظاهرات في بودابست تطالب بـ “عدم الموت من أجل أوكرانيا».
وأشار إلى أن بلجيكا أيضًا أعلنت أنه لا يمكن مصادرة الأموال الروسية، لافتًا إلى أنها تمتلك النصيب الأكبر من تلك الأموال المجمّدة، حيث تستحوذ وحدها على نحو 160 مليار دولار.
وأكد الخبير في الشؤون الروسية، أنه إذا واصلت أوروبا سياسة بيع الأسلحة لأوكرانيا وإرسالها إليها، فلن تستطيع الاستمرار في ظل الضغوط الاقتصادية الحالية، كما أن استمرار تدفّق الأسلحة لن يغيّر المعادلة على الأرض.

حل جذري
ولفت المحلل السياسي إلى أن روسيا دولة عظمى لن ترضخ لمثل هذه الضغوط، وهي تطالب بحل جذري للأزمة يضمن الأمن لأوروبا من خلال تحييد أوكرانيا، ومنع انضمامها إلى حلف الناتو، وجعلها دولة منزوعة السلاح.
وأوضح أن امتناع أوروبا عن شراء النفط والغاز الروسي تسبب في تضخم داخلي وهبوط في الإنتاج المحلي الأوروبي، مشددًا على أن روسيا مصممة على تحقيق جميع أهداف العملية العسكرية.
وأكد المحلل السياسي أن أوروبا ستجلس، 
عاجلًا أم آجلًا، على طاولة المفاوضات لوقف الحرب وإعلان استسلام أوكرانيا، مشيرًا إلى أن بعض الدول كبولندا ورومانيا والمجر تطمح إلى ضم أجزاء من الأراضي الأوكرانية التي تعتبرها تابعة لها تاريخيًا.

تمويل أوكرانيا
من جانبه، قال د. نبيل رشوان، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لا يريد أن يُغرم الولايات المتحدة، موضحًا أنه منذ وصوله إلى البيت الأبيض كان واضحًا في رفضه الاستمرار في تمويل أوكرانيا.
وأشار رشوان في تصريحات لـ”إرم نيوز” إلى أن أمريكا قدمت نحو 350 مليار دولار لأوكرانيا، بحسب ما أعلنه ترامب خلال فترة حكم جو بايدن، مضيفًا أن الرئيس الأمريكي السابق حمل الأوروبيين مسؤولية نفقات السلاح الموجهة لدعم كييف.
وأضاف أن رئيسة المفوضية الأوروبية أكدت أن المفوضية ستستخدم الأصول الروسية المجمدة في تمويل صفقات السلاح المقدمة إلى أوكرانيا، موضحًا أن كييف وقعت اتفاقًا مع الولايات المتحدة لشراء 25 بطارية صواريخ باتريوت، فضلًا عن وجود خط اتصال مباشر بين واشنطن وكييف في هذا الشأن. 
وأكد رشوان أن أوكرانيا ليست دولة ضعيفة في مجال التسليح، بل تُعد من أكثر الدول كفاءة في إنتاج المسيرات، مشيرًا إلى أنه خلال اللقاء الأخير في البيت الأبيض بين الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والرئيس ترامب، عرض زيلينسكي على ترامب الحصول على المسيّرات الأوكرانية مقابل صواريخ توماهوك، لكن ترامب رفض العرض قائلًا إن لدى أمريكا “مسيّرات متطورة، ويفتخر بصناعة السلاح الأمريكية».
صفقات تسليح جديدة 
وتابع الخبير في الشؤون الروسية أن “الاتحاد الأوروبي لا يزال قادرًا على تمويل صفقات تسليح جديدة لإمداد أوكرانيا باعتبارها خط الدفاع الأول في مواجهة روسيا».
ولفت إلى أن الأوروبيين يدركون تمامًا أنه في حال ترك أوكرانيا دون دعم فإنها قد تسقط،
 خاصة في ظل ما تمر به من أزمات متلاحقة.
وأشار إلى أن “مسألة وقف إطلاق النار تُعد ضرورية بالنسبة لزيلينسكي وترامب، لمنح أوكرانيا الوقت الكافي لتزويدها بأسلحة نوعية قد تغير المعادلة على الأرض».