رئيس الدولة يؤكد أهمية تفاعل الجهات الحكومية الخدمية مع المجتمع لتلبية متطلبات مختلف فئاته
ما وراء الحملات ضد وجود المهاجرين الأفارقة في تونس؟ :
مواقف عنصرية ،مخاوف أمنية ، أم مخططات أوروبية لتوطينهم ؟
-- قيس سعيد : ترتيب إجرامي لتوطين مُهاجري أفريقيا جنوب الصحراء في تونس
-- تورط جهات حزبية ونقابات ومواقع للتواصل الاجتماعي في تأجيج حملات عنصرية ضد المهاجرين و اللاجئين الأفارقة بتونس
-- من بين المهاجرين كفاءات يمكن أن تُسهم في تنمية تونس و ضرورة استصدار قانون لتشغيلهم و منع استغلالهم
-- جهات حقوقية :الحكومة التونسية أغمضت عينيها عن الحملات التي استهدفت المهاجرين و انخرطت فيها بالإيقافات العشوائية
يشهد من جديد ملف الوجود المكثف ، بتونس ، للمهاجرين و اللاجئين الأفارقة في الفضاء العام و على مواقع التواصل الاجتماعي وأوساط عديدة من منظمات المجتمع المدني وبعض الدوائر الحزبية والإعلامية في تونس ،وأخيرا الأوساط الرسمية ، جدلا متصاعدا إذ تطرح اليوم حسب هؤلاء نقاط استفهام عديدة أمام عددهم الكبير المتزايد وطريقة وصولهم إلى تونس ونمط عيشهم والهدف من قدومهم .
وتبرز المسألة من جديد باعتبارها قد أصبحت ظاهرة محيرة وتهدد ، حسب جهات عديدة ، بالفعل الأمن القومي للبلاد نظرا لوتيرة قدوم هؤلاء المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء خاصة واختيارهم جهات معينة للعيش فيها ،والإقامة في جماعات مُغلقة دون وثائق رسمية ، ولا دخل ثابت لهم ، مما جعل الجريمة تستفحل في صفوفهم ، علاوة على ممارسات أخرى عديدة خارجة عن القانون وصلت إلى اقامة مركز للأمن ومحاكم واستخراج وثائق بصفة غير قانونية.
وزاد الجدل تأججا تعمّد العشرات من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي شنً حملات واسعة ضد هؤلاء اللاجئين والمهاجرين ، من خلال نشر فيديوهات وأخبار مشكوك في صحتها رافقتها عديدُ التعاليق العنصرية وخطابات الكراهية ..
وتتوسع هذه الأيام باطراد هذه الحملات بعد ان انخرطت جهات حزبية على غرار حراك 25 جويلية والحزب القومي التونسي فيها رفضا لما تصفه “مشروع توطين اللاجئين الأفارقة واللاجئين غير النظاميين في تونس” ، مُروجة لأرقام تخصهم تصل ما بين 700 ألف ومليون شخص منهم 345 ألف متواجدون بمحافظة صفاقس ،عاصمة الجنوب التونسي، دون وثائق ، يحمل 40 % منهم فيروس وباء الفطر الأسود ، وأن عدد الولادات اليومية في أوساطهم هي ما بين 14 إلى 25 حالة ولادة ، ويضيفون بأنه تم إحصاء خلال سنة 2022 ما يقارب الـمائتي حالة اعتداء وسرقة واغتصاب قام بها بعض هؤلاء .
اتهامات لأوروبا بتوطينهم
و قد شن الحزب القومي التونسي حملة قوية على مواقع التواصل التونسي بغية الضغط على السلطات التونسية لترحيل المهاجرين التونسيين بدعوى انهم يعملون على بناء مستوطنات بتونس , و قال الامين العام للحزب حسام طوبان “ إن خطابنا واضح منذ بدأنا الحملة منذ عام و نصف ، و من يتهمنا بالعنصرية نجيبه بأننا لا نريد سوى تطبيق القانون فالإشكال ليس في اللون و الجنس ، نطالب بترحيل المهاجرين غير الشرعيين الذين يرتكبون جرائم ، و نطالب بتطبيق القانون 7 الصادر عام 1968 و هو الحاسم في تلك المسالة « .
و يتضمن القانون المذكور خمسة أبواب تتعلق بوضع الأجانب بتونس ، و الحالات التي يجب فيها طردهم أو منحهم بطاقة الاقامة أو العقوبات التي تسلط ضدهم ،علما بان هذا القانون قد تجاوزه التعامل الدولي مع ظاهرة الهجرة و التزام تونس بالاتفاقيات الدولية ذات الصلة ، التي وقعت عليها، بما فيها اتفاقية مناهضة التميز العنصري، و مصادقتها على القانون الوطني لعام 2018 الذي يتعلق بالتصدي و القضاء على كل أشكال التمييز العنصري ، و على مع ما جاء في الهيئة الوطنية التونسية لمكافحة الاتجار بالبشر، و هي الظاهرة التي تستهدف ألاف المهاجرين و يكونون ابرز ضحاياها ، علما بان هذه الهيئة الدستورية التونسية قد كشفت عن العديد من الحالات التي تم فيها استقدام هؤلاء المهاجرين بشكل غير قانوني و ايهامهم بان عقودا تنتظرهم للعب في فرق رياضية او موسيقية أو في مؤسسات توفر لهم وضعا قانونيا ، و عندما يصلون الى تونس يفاجئون بزيف هذه العقود و بضرورة دفع مستحقات مالية مقابل استقدامهم لتونس و دفع تكاليف سفرهم و اقامتهم في ظروف غير انسانية .
و أبرز الامين العام للحزب القومي التونسي حسام طوبان ان “ الحزب يطالب بفرض تأشيرة على القادمين من دول افريقيا من جنوب الصحراء ، و كانت مُقررة قبل الغائها في عام 2014 ، و لا نطالب سوى بتطبيق القانون و اليوم نشهد تقدما في حملتنا من خلال نشر الوعي لدى التونسيين بوجود مشروع استيطاني بدعم و تمويل من الاتحاد الأوروبي، فالمشكلة ليست في الهجرة بل في المشروع “ . و شدًد على أن “ الحزب ليس لديه اي مشكلة مع المهاجرين بل يحذر من سعي أوروبا الى التخلص من الافارقة بتوطينهم بتونس، و الأزمة تكمن هنا في التغيير الديموغرافي للبلاد “ ، و ذلك في اشارة الى اموال تلقتها تونس ، أثناء حكومة الشاهد ، لرصد و صد تحركات و هجرة أبناء بلدان جنوب الصحراء و غيرهم نحو السواحل الايطالية ، وإلى تصريح لوزير الهجرة الايطالي سنة 2018 يخص المسعى الأوروبي لتوطين هؤلاء المهاحرين بتونس .
تغيير تركيبة
تونس الديموغرافية
الرد الرسمي على هذه الظاهرة و ما رافقها من حملات ، و إن تأخر كثيرا ، فإنه جاء على لسان الرئيس التونسي قيس سعيد أثناء ترأسه الثلاثاء اجتماعا لمجلس الامن القومي خُصٍص للاجراءات العاجلة التي يجب اتخاذها لمعالجة ظاهرة توافد أعداد كبيرة من المهاجرين غير النظاميين من افريقيا جنوب الصحراء الى تونس .
و قد أكد الرئيس سعيد خلال هذا الاجتماع هذا الوضع غير طبيعي مشيرا الى هنالك ترتيب إجرامي تمً اعداده من مطلع هذا القرن لتغيير التركيبة الديموغرافية لتونس و ان هنالك جهات تلقت أموالا طائلة بعد سنة 2011 من أجل توطين المهاجرين من افريقيا جنوب الصحراء في تونس ، مُشيرا الى أن هذه الموجات المُتعاقبة من الهجرة غير النظامية الهدف غير المُعلن منها هو اعتبار تونس دولة افريقية فقط و لا انتماء لها للأمتين العربية و الاسلامية ، وفق تعبيره .
و أوضح الرئيس قيس سعيد أن تونس تعتزٌ بانتمائها لإفريقي فهي من الدول المُؤسسة لمنظمة الوحدة الافريقية ، و ساندت العديد من الشعوب في نضالها من أجل التحرر و الاستقلال ، كما أن تونس تدعو الى أن تكون إفريقيا للأفارقة حتى ينتهي ما عانته الشعوب الافريقية على مدى عقود من حروب و مجاعات . و شدًد قيس سعيد على ضرورة وضع حد بسرعة لهذه الظاهرة و أن “جحافل المهاجرين غير النظاميين من افريقيا جنوب الصحراء ما زالت مستمرة مع ما تؤدي اليه من عنف و جرائم و ممارسات غير مقبولة فضلا على انها مُجرمة “ ، حسب قوله .
و اعتبر رئيس الجمهورية التونسي ان “ من يقف وراء هذه الظاهرة يتًجر بالبشر و يدًعي في الوقت نفسه أنه يدافع عن حقوق الانسان « .
حملات تفتيش
و إيقافات واسعة
و قد سبق انعقاد مجلس الامن القومي حول ظاهرة المهاجرين الافارقة حملات تفتيش و ايقافات واسعة شملت مهاجرين ممن لم تتوفر لهم فرص تقنين وجودهم على الاراضي التونسية و من المهاجرين النظاميين ،و على رأسهم الطلبة الذي يدرسون بالمئات ، و ربما بالآلاف بالجامعات التونسية و بالذات الخاصة منها حيث يساهمون في الدورة الاقتصادية للبلاد . بل ان العديد من التونسيين من ذوي البشرة السمراء أصبحوا يخشون ايقافهم بسبب المواقف التمييزية و العنصرية ضد أصحاب البشرة السمراء ، و صرح أحد المواطنين أنه أصبح يتجنب التنقل بالمترو خوفا من ايقافه .
و قد اكد رمضان بن عمر الناطق الرسمي للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية ان” الدولة التونسية أغمضت عينيها “ ، وفق تعبيره “ عن الحملة التي استهدفت المهاجرين الافارقة من جنوب الصحراء على شبكات التواصل الاجتماعي و انخرطت في هذه الحملة ليتم رصد حوالي 300 إيقاف عشوائي في صفوفهم و هي إيقافات هدفها خلق حالة من الذعر و الترهيب لديهم لإثنائهم عن التوجه لتونس و لإجبارهم على مغادرتها بأي طريقة كانت “ . و بين “ أن هذه الحملة أثارت مخاوف كبرى لدى المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء ، و هو ما ترجم لدى العديد منهم في شكل من أشكال الهروب الجماعي في عديد الجهات خوفا من الملاحقات الامنية و الايقافات التي يمكن أن تطالهم « .
تحذير من تنامي
خطاب العنصرية
وأمام تنامي هذه الظاهرة التي أصبحت معقدة وتطرح أكثر من سؤال تحذر منظمات مدنية وجهات حزبية أخرى وشخصيات ومؤسسات حقوقية من مخاطر تنامي العنصرية وخطاب الكراهية تجاه هؤلاء اللاجئين والمهاجرين يُخشى أن تصل إلى تهدد وجودهم في تونس . و أشارت نجاة الزموري نائبة الرابطة التونسية لحقوق الانسان الى ان خطاب الحزب القومي التونسي شبيه بخطابات الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا “مبني على ايديولوجيا عنصرية تجاه المهاجرين “ .كما لاحظت أن الدولة لم تنجح في التعاطي مع المهاجرين الافارقة بالشكل المطلوب ، و ترى أن الحل ليس بإقصاء هؤلاء أو سجنهم ، معتبرة ذلك “ سلوكا عنصريا مبنيا على رفض الغير في الوقت الذي بات فيه تونسيون بايطاليا و غيرها ضحايا مثل هذه السلوكيات بخاصة تحت الأنظمة اليمينية “ ,و شددت الحقوقية التونسية على ضرورة أنه “ يجب أن ألا ننسى أن من حق التنقل مكفول بالمعاهدات و الاتفاقيات الدولية ، فمن حق الأفارقة التنقل من أجل البحث عن وظائف سواء في تونس أو غيرها « .
• أرقام مغلوطة
وسرديات غير صحيحة
وعلى خلفية هذه الحملات ، أيضا ،أوضح الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر ،في تصريحات صحفية ، أن هناك سرديات كبيرة تحدث في تونس تستغلها العديد من الفئات التي تستبطن المقاربات الشعبوية وتتضمن الكثير من خطاب الكراهية والعنصرية ضد المهاجرين ، وترتكز هذه السرديات ، في تناول هذه القضية ، على جانبها الأمني فقط وربطه دائما بالظواهر الاجتماعية السلبية معتمدة ،أساسا ، على أرقام مغلوطة كالحديث عن وجود مئات الألاف أو مليون من المهاجرين واللاجئين من جنوب الصحراء ويضيف أن لدينا احصائية رسمية صادرة من المعهد الوطني للإحصاء سنة 2021 تتحدث عن 21 ألف مهاجر من جنوب الصحراء فيهم الطلبة وطالبو اللجوء واللاجئون والمهاجرون النظاميون وذلك على عكس ما يروج ويقول بن عمر إن هذه القضية هي قضية انسانية بامتياز ، و هي تتطلب من الدولة وأجهزتها استجابة حقوقية وانسانية تراعي ظروف هؤلاء . ولم ينف بن عمر أن وجود هؤلاء المهاجرين قد أصبح فعلا يثير العديد من ردود الفعل من قبل قوى محافظة ويمينية لا في تونس فقط وإنما هي مقاربات تستهدف المهاجرين في أغلب دول العالم ، و قد عرفت أوجهها مع “دونالد ترامب” في الولايات المتحدة الامريكية ، وأيضا في عديد الأنظمة الاوروبية وخاصة بوصول مليوني مهاجر ولاجئ إلى إيطاليا مؤخرا .
صور سلبية في المخيال التونسي
ومن جهة أخرى ترى أوساط حقوقية بأن ما ظهر أخيرا من ردود فعل تجاه هؤلاء قد وجد صداه في تونس من خلال حملات بدأت وظهرت في صفحات لبعض النقابات الأمنية لنشرها أخبر الجرائم التي تصور الأشخاص من جنوب الصحراء كأنهم المورطون دائما في أعمال عنف والجرائم والتحيل والدعارة .وقد رسمت هذه الصفحات صورة سلبية في المخيال الشعبي التونسي العام وصل صداها بكل أسف إلى وسائل الإعلام ، و هي تُكرس من خلال حملات ميدانية استفادت من صمت الدولة رغم استفحال خطابات العنف والكراهية والكثير من العنصرية ، وتستشهد هذه الأوساط بالحملات أمنية كبيرة التي استهدفت مؤخرا مئات من المهاجرين واللاجئين من جنوب الصحراء تم إيقافهم بحجة مراقبة تواجدهم القانوني . وقد دعت هذه الأوساط إلى ضرورة إيلاء هذه الظاهرة وواقع هذا النزيف العنيف ما يستحق من الاهتمام من قبل الجهات المختصة تنسيقا بين الدولة الموقعة على الاتفاقية الدولية لحقوق الإنسان وعدد من الصكوك الدولية الخاصة باللجوء علاوة على تمتع هؤلاء المهاجرين بوجود إطار قانوني وتشريعي متين لحماية حقوق الانسان على أراضيها.
خوف من الانزلاق للعنف
وفي سياق متصل أكد رئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان عبد الباسط بن حسن في تصريح للفجر أن هذه الحملات التي أصبحت تُشن على المهاجرين واللاجئين ، في أوساط عديدة في تونس ، تتسم بكثير من المبالغة والتضخيم ، وصولا إلى اعتبارها تمس من الامن القومي والتماسك الاجتماعي ، لتأخذ منحى عنصريا يستشف منه مزاج الكراهية للأجانب بصفة عامة ، و أضاف باسط بن حسن أن المطلوب هو ان تعالج هذه القضية بالقوانين والسياسات والتناول الإنساني بعيدا عن المعالجات العنصرية التي تمثل خطرا كبيرا على المجتمع ، مُشيرا أنه على الجميع ضرورة إلقاء الضوء على هذه المسألة ، اعتمادا على المعلومات الدقيقة والمعطيات الصحيحة ، التي بغيابها تتزايد التهويمات والقراءات الخاطئة والعارية من الصحة ،ودعا بن حسن الدولة التونسية إلى اتخاذ قرار سياسي من أجل اعتماد قوانين اللجوء والهجرة ، وقال هناك مشروع قانون للجوء أعده مركز البحوث والدراسات بوزارة العدل يحدد حقوق اللاجئين ووجباتهم ويعطي لوكالة تونسية دور تنظيم هذه المسألة بشكل يحفظ الحقوق ويؤكد على الواجبات ولكن هذا القانون ما زال لم يظهر إلى الآن .
والملاحظ في هذا السياق ، الذي ذهب اليه رئيس المعهد العربي لحقوق الانسان ، بأن جهات حقوقية أخرى أكدت أيضا الضرورة الكبرى لاستصدار قوانين وقرارات لتسهيل وجود اللاجئين والمهاجرين في تونس ، خاصة أنها قد أعطت لهم الحق في الصحة وقامت بمجهود كبير من اجل الحق في التعليم ، وتبقى ضرورة أن يكون هناك إطار للتشغيل واضح المعالم ، يمكن أن يساهم في التنمية ، ويمنع أيضا استغلال اللاجئين والمهاجرين . وأشار رئيس المعهد العربي لحقوق الانسان ضرورة النظر إلى هؤلاء المهاجرين من خلال رؤية ثقافية واجتماعية ، واعتبار أن من بين هؤلاء طلبة وطالبات وكفاءات تسهم في الحركة التنموية في البلاد ، لهم ثقافات متنوعة ويريدون فعلا المشاركة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، وصولا إلى الرغبة في تعلم اللغة العربية واللهجة المحلية بغرض التواصل مع سياقهم الاجتماعي . ودعا ، أخيرا ،كل التونسيين إلى عدم السهو إلى أن لتونس أكثر من مليون مهاجر ولاجئ يعيشون في بلدان أخرى وقد يتعرض بعضهم كذلك لبعض الممارسات غير الانسانية التي يتعرض إليها اليوم هؤلاء المهاجرين واللاجئين في تونس من قبل بعض الجهات.
-- تورط جهات حزبية ونقابات ومواقع للتواصل الاجتماعي في تأجيج حملات عنصرية ضد المهاجرين و اللاجئين الأفارقة بتونس
-- من بين المهاجرين كفاءات يمكن أن تُسهم في تنمية تونس و ضرورة استصدار قانون لتشغيلهم و منع استغلالهم
-- جهات حقوقية :الحكومة التونسية أغمضت عينيها عن الحملات التي استهدفت المهاجرين و انخرطت فيها بالإيقافات العشوائية
يشهد من جديد ملف الوجود المكثف ، بتونس ، للمهاجرين و اللاجئين الأفارقة في الفضاء العام و على مواقع التواصل الاجتماعي وأوساط عديدة من منظمات المجتمع المدني وبعض الدوائر الحزبية والإعلامية في تونس ،وأخيرا الأوساط الرسمية ، جدلا متصاعدا إذ تطرح اليوم حسب هؤلاء نقاط استفهام عديدة أمام عددهم الكبير المتزايد وطريقة وصولهم إلى تونس ونمط عيشهم والهدف من قدومهم .
وتبرز المسألة من جديد باعتبارها قد أصبحت ظاهرة محيرة وتهدد ، حسب جهات عديدة ، بالفعل الأمن القومي للبلاد نظرا لوتيرة قدوم هؤلاء المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء خاصة واختيارهم جهات معينة للعيش فيها ،والإقامة في جماعات مُغلقة دون وثائق رسمية ، ولا دخل ثابت لهم ، مما جعل الجريمة تستفحل في صفوفهم ، علاوة على ممارسات أخرى عديدة خارجة عن القانون وصلت إلى اقامة مركز للأمن ومحاكم واستخراج وثائق بصفة غير قانونية.
وزاد الجدل تأججا تعمّد العشرات من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي شنً حملات واسعة ضد هؤلاء اللاجئين والمهاجرين ، من خلال نشر فيديوهات وأخبار مشكوك في صحتها رافقتها عديدُ التعاليق العنصرية وخطابات الكراهية ..
وتتوسع هذه الأيام باطراد هذه الحملات بعد ان انخرطت جهات حزبية على غرار حراك 25 جويلية والحزب القومي التونسي فيها رفضا لما تصفه “مشروع توطين اللاجئين الأفارقة واللاجئين غير النظاميين في تونس” ، مُروجة لأرقام تخصهم تصل ما بين 700 ألف ومليون شخص منهم 345 ألف متواجدون بمحافظة صفاقس ،عاصمة الجنوب التونسي، دون وثائق ، يحمل 40 % منهم فيروس وباء الفطر الأسود ، وأن عدد الولادات اليومية في أوساطهم هي ما بين 14 إلى 25 حالة ولادة ، ويضيفون بأنه تم إحصاء خلال سنة 2022 ما يقارب الـمائتي حالة اعتداء وسرقة واغتصاب قام بها بعض هؤلاء .
اتهامات لأوروبا بتوطينهم
و قد شن الحزب القومي التونسي حملة قوية على مواقع التواصل التونسي بغية الضغط على السلطات التونسية لترحيل المهاجرين التونسيين بدعوى انهم يعملون على بناء مستوطنات بتونس , و قال الامين العام للحزب حسام طوبان “ إن خطابنا واضح منذ بدأنا الحملة منذ عام و نصف ، و من يتهمنا بالعنصرية نجيبه بأننا لا نريد سوى تطبيق القانون فالإشكال ليس في اللون و الجنس ، نطالب بترحيل المهاجرين غير الشرعيين الذين يرتكبون جرائم ، و نطالب بتطبيق القانون 7 الصادر عام 1968 و هو الحاسم في تلك المسالة « .
و يتضمن القانون المذكور خمسة أبواب تتعلق بوضع الأجانب بتونس ، و الحالات التي يجب فيها طردهم أو منحهم بطاقة الاقامة أو العقوبات التي تسلط ضدهم ،علما بان هذا القانون قد تجاوزه التعامل الدولي مع ظاهرة الهجرة و التزام تونس بالاتفاقيات الدولية ذات الصلة ، التي وقعت عليها، بما فيها اتفاقية مناهضة التميز العنصري، و مصادقتها على القانون الوطني لعام 2018 الذي يتعلق بالتصدي و القضاء على كل أشكال التمييز العنصري ، و على مع ما جاء في الهيئة الوطنية التونسية لمكافحة الاتجار بالبشر، و هي الظاهرة التي تستهدف ألاف المهاجرين و يكونون ابرز ضحاياها ، علما بان هذه الهيئة الدستورية التونسية قد كشفت عن العديد من الحالات التي تم فيها استقدام هؤلاء المهاجرين بشكل غير قانوني و ايهامهم بان عقودا تنتظرهم للعب في فرق رياضية او موسيقية أو في مؤسسات توفر لهم وضعا قانونيا ، و عندما يصلون الى تونس يفاجئون بزيف هذه العقود و بضرورة دفع مستحقات مالية مقابل استقدامهم لتونس و دفع تكاليف سفرهم و اقامتهم في ظروف غير انسانية .
و أبرز الامين العام للحزب القومي التونسي حسام طوبان ان “ الحزب يطالب بفرض تأشيرة على القادمين من دول افريقيا من جنوب الصحراء ، و كانت مُقررة قبل الغائها في عام 2014 ، و لا نطالب سوى بتطبيق القانون و اليوم نشهد تقدما في حملتنا من خلال نشر الوعي لدى التونسيين بوجود مشروع استيطاني بدعم و تمويل من الاتحاد الأوروبي، فالمشكلة ليست في الهجرة بل في المشروع “ . و شدًد على أن “ الحزب ليس لديه اي مشكلة مع المهاجرين بل يحذر من سعي أوروبا الى التخلص من الافارقة بتوطينهم بتونس، و الأزمة تكمن هنا في التغيير الديموغرافي للبلاد “ ، و ذلك في اشارة الى اموال تلقتها تونس ، أثناء حكومة الشاهد ، لرصد و صد تحركات و هجرة أبناء بلدان جنوب الصحراء و غيرهم نحو السواحل الايطالية ، وإلى تصريح لوزير الهجرة الايطالي سنة 2018 يخص المسعى الأوروبي لتوطين هؤلاء المهاحرين بتونس .
تغيير تركيبة
تونس الديموغرافية
الرد الرسمي على هذه الظاهرة و ما رافقها من حملات ، و إن تأخر كثيرا ، فإنه جاء على لسان الرئيس التونسي قيس سعيد أثناء ترأسه الثلاثاء اجتماعا لمجلس الامن القومي خُصٍص للاجراءات العاجلة التي يجب اتخاذها لمعالجة ظاهرة توافد أعداد كبيرة من المهاجرين غير النظاميين من افريقيا جنوب الصحراء الى تونس .
و قد أكد الرئيس سعيد خلال هذا الاجتماع هذا الوضع غير طبيعي مشيرا الى هنالك ترتيب إجرامي تمً اعداده من مطلع هذا القرن لتغيير التركيبة الديموغرافية لتونس و ان هنالك جهات تلقت أموالا طائلة بعد سنة 2011 من أجل توطين المهاجرين من افريقيا جنوب الصحراء في تونس ، مُشيرا الى أن هذه الموجات المُتعاقبة من الهجرة غير النظامية الهدف غير المُعلن منها هو اعتبار تونس دولة افريقية فقط و لا انتماء لها للأمتين العربية و الاسلامية ، وفق تعبيره .
و أوضح الرئيس قيس سعيد أن تونس تعتزٌ بانتمائها لإفريقي فهي من الدول المُؤسسة لمنظمة الوحدة الافريقية ، و ساندت العديد من الشعوب في نضالها من أجل التحرر و الاستقلال ، كما أن تونس تدعو الى أن تكون إفريقيا للأفارقة حتى ينتهي ما عانته الشعوب الافريقية على مدى عقود من حروب و مجاعات . و شدًد قيس سعيد على ضرورة وضع حد بسرعة لهذه الظاهرة و أن “جحافل المهاجرين غير النظاميين من افريقيا جنوب الصحراء ما زالت مستمرة مع ما تؤدي اليه من عنف و جرائم و ممارسات غير مقبولة فضلا على انها مُجرمة “ ، حسب قوله .
و اعتبر رئيس الجمهورية التونسي ان “ من يقف وراء هذه الظاهرة يتًجر بالبشر و يدًعي في الوقت نفسه أنه يدافع عن حقوق الانسان « .
حملات تفتيش
و إيقافات واسعة
و قد سبق انعقاد مجلس الامن القومي حول ظاهرة المهاجرين الافارقة حملات تفتيش و ايقافات واسعة شملت مهاجرين ممن لم تتوفر لهم فرص تقنين وجودهم على الاراضي التونسية و من المهاجرين النظاميين ،و على رأسهم الطلبة الذي يدرسون بالمئات ، و ربما بالآلاف بالجامعات التونسية و بالذات الخاصة منها حيث يساهمون في الدورة الاقتصادية للبلاد . بل ان العديد من التونسيين من ذوي البشرة السمراء أصبحوا يخشون ايقافهم بسبب المواقف التمييزية و العنصرية ضد أصحاب البشرة السمراء ، و صرح أحد المواطنين أنه أصبح يتجنب التنقل بالمترو خوفا من ايقافه .
و قد اكد رمضان بن عمر الناطق الرسمي للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية ان” الدولة التونسية أغمضت عينيها “ ، وفق تعبيره “ عن الحملة التي استهدفت المهاجرين الافارقة من جنوب الصحراء على شبكات التواصل الاجتماعي و انخرطت في هذه الحملة ليتم رصد حوالي 300 إيقاف عشوائي في صفوفهم و هي إيقافات هدفها خلق حالة من الذعر و الترهيب لديهم لإثنائهم عن التوجه لتونس و لإجبارهم على مغادرتها بأي طريقة كانت “ . و بين “ أن هذه الحملة أثارت مخاوف كبرى لدى المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء ، و هو ما ترجم لدى العديد منهم في شكل من أشكال الهروب الجماعي في عديد الجهات خوفا من الملاحقات الامنية و الايقافات التي يمكن أن تطالهم « .
تحذير من تنامي
خطاب العنصرية
وأمام تنامي هذه الظاهرة التي أصبحت معقدة وتطرح أكثر من سؤال تحذر منظمات مدنية وجهات حزبية أخرى وشخصيات ومؤسسات حقوقية من مخاطر تنامي العنصرية وخطاب الكراهية تجاه هؤلاء اللاجئين والمهاجرين يُخشى أن تصل إلى تهدد وجودهم في تونس . و أشارت نجاة الزموري نائبة الرابطة التونسية لحقوق الانسان الى ان خطاب الحزب القومي التونسي شبيه بخطابات الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا “مبني على ايديولوجيا عنصرية تجاه المهاجرين “ .كما لاحظت أن الدولة لم تنجح في التعاطي مع المهاجرين الافارقة بالشكل المطلوب ، و ترى أن الحل ليس بإقصاء هؤلاء أو سجنهم ، معتبرة ذلك “ سلوكا عنصريا مبنيا على رفض الغير في الوقت الذي بات فيه تونسيون بايطاليا و غيرها ضحايا مثل هذه السلوكيات بخاصة تحت الأنظمة اليمينية “ ,و شددت الحقوقية التونسية على ضرورة أنه “ يجب أن ألا ننسى أن من حق التنقل مكفول بالمعاهدات و الاتفاقيات الدولية ، فمن حق الأفارقة التنقل من أجل البحث عن وظائف سواء في تونس أو غيرها « .
• أرقام مغلوطة
وسرديات غير صحيحة
وعلى خلفية هذه الحملات ، أيضا ،أوضح الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر ،في تصريحات صحفية ، أن هناك سرديات كبيرة تحدث في تونس تستغلها العديد من الفئات التي تستبطن المقاربات الشعبوية وتتضمن الكثير من خطاب الكراهية والعنصرية ضد المهاجرين ، وترتكز هذه السرديات ، في تناول هذه القضية ، على جانبها الأمني فقط وربطه دائما بالظواهر الاجتماعية السلبية معتمدة ،أساسا ، على أرقام مغلوطة كالحديث عن وجود مئات الألاف أو مليون من المهاجرين واللاجئين من جنوب الصحراء ويضيف أن لدينا احصائية رسمية صادرة من المعهد الوطني للإحصاء سنة 2021 تتحدث عن 21 ألف مهاجر من جنوب الصحراء فيهم الطلبة وطالبو اللجوء واللاجئون والمهاجرون النظاميون وذلك على عكس ما يروج ويقول بن عمر إن هذه القضية هي قضية انسانية بامتياز ، و هي تتطلب من الدولة وأجهزتها استجابة حقوقية وانسانية تراعي ظروف هؤلاء . ولم ينف بن عمر أن وجود هؤلاء المهاجرين قد أصبح فعلا يثير العديد من ردود الفعل من قبل قوى محافظة ويمينية لا في تونس فقط وإنما هي مقاربات تستهدف المهاجرين في أغلب دول العالم ، و قد عرفت أوجهها مع “دونالد ترامب” في الولايات المتحدة الامريكية ، وأيضا في عديد الأنظمة الاوروبية وخاصة بوصول مليوني مهاجر ولاجئ إلى إيطاليا مؤخرا .
صور سلبية في المخيال التونسي
ومن جهة أخرى ترى أوساط حقوقية بأن ما ظهر أخيرا من ردود فعل تجاه هؤلاء قد وجد صداه في تونس من خلال حملات بدأت وظهرت في صفحات لبعض النقابات الأمنية لنشرها أخبر الجرائم التي تصور الأشخاص من جنوب الصحراء كأنهم المورطون دائما في أعمال عنف والجرائم والتحيل والدعارة .وقد رسمت هذه الصفحات صورة سلبية في المخيال الشعبي التونسي العام وصل صداها بكل أسف إلى وسائل الإعلام ، و هي تُكرس من خلال حملات ميدانية استفادت من صمت الدولة رغم استفحال خطابات العنف والكراهية والكثير من العنصرية ، وتستشهد هذه الأوساط بالحملات أمنية كبيرة التي استهدفت مؤخرا مئات من المهاجرين واللاجئين من جنوب الصحراء تم إيقافهم بحجة مراقبة تواجدهم القانوني . وقد دعت هذه الأوساط إلى ضرورة إيلاء هذه الظاهرة وواقع هذا النزيف العنيف ما يستحق من الاهتمام من قبل الجهات المختصة تنسيقا بين الدولة الموقعة على الاتفاقية الدولية لحقوق الإنسان وعدد من الصكوك الدولية الخاصة باللجوء علاوة على تمتع هؤلاء المهاجرين بوجود إطار قانوني وتشريعي متين لحماية حقوق الانسان على أراضيها.
خوف من الانزلاق للعنف
وفي سياق متصل أكد رئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان عبد الباسط بن حسن في تصريح للفجر أن هذه الحملات التي أصبحت تُشن على المهاجرين واللاجئين ، في أوساط عديدة في تونس ، تتسم بكثير من المبالغة والتضخيم ، وصولا إلى اعتبارها تمس من الامن القومي والتماسك الاجتماعي ، لتأخذ منحى عنصريا يستشف منه مزاج الكراهية للأجانب بصفة عامة ، و أضاف باسط بن حسن أن المطلوب هو ان تعالج هذه القضية بالقوانين والسياسات والتناول الإنساني بعيدا عن المعالجات العنصرية التي تمثل خطرا كبيرا على المجتمع ، مُشيرا أنه على الجميع ضرورة إلقاء الضوء على هذه المسألة ، اعتمادا على المعلومات الدقيقة والمعطيات الصحيحة ، التي بغيابها تتزايد التهويمات والقراءات الخاطئة والعارية من الصحة ،ودعا بن حسن الدولة التونسية إلى اتخاذ قرار سياسي من أجل اعتماد قوانين اللجوء والهجرة ، وقال هناك مشروع قانون للجوء أعده مركز البحوث والدراسات بوزارة العدل يحدد حقوق اللاجئين ووجباتهم ويعطي لوكالة تونسية دور تنظيم هذه المسألة بشكل يحفظ الحقوق ويؤكد على الواجبات ولكن هذا القانون ما زال لم يظهر إلى الآن .
والملاحظ في هذا السياق ، الذي ذهب اليه رئيس المعهد العربي لحقوق الانسان ، بأن جهات حقوقية أخرى أكدت أيضا الضرورة الكبرى لاستصدار قوانين وقرارات لتسهيل وجود اللاجئين والمهاجرين في تونس ، خاصة أنها قد أعطت لهم الحق في الصحة وقامت بمجهود كبير من اجل الحق في التعليم ، وتبقى ضرورة أن يكون هناك إطار للتشغيل واضح المعالم ، يمكن أن يساهم في التنمية ، ويمنع أيضا استغلال اللاجئين والمهاجرين . وأشار رئيس المعهد العربي لحقوق الانسان ضرورة النظر إلى هؤلاء المهاجرين من خلال رؤية ثقافية واجتماعية ، واعتبار أن من بين هؤلاء طلبة وطالبات وكفاءات تسهم في الحركة التنموية في البلاد ، لهم ثقافات متنوعة ويريدون فعلا المشاركة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، وصولا إلى الرغبة في تعلم اللغة العربية واللهجة المحلية بغرض التواصل مع سياقهم الاجتماعي . ودعا ، أخيرا ،كل التونسيين إلى عدم السهو إلى أن لتونس أكثر من مليون مهاجر ولاجئ يعيشون في بلدان أخرى وقد يتعرض بعضهم كذلك لبعض الممارسات غير الانسانية التي يتعرض إليها اليوم هؤلاء المهاجرين واللاجئين في تونس من قبل بعض الجهات.