القانون الانتخابي الجديد في تونس

نقطة استفهام حول مكانة النساء والشباب والبرلمان...!

نقطة استفهام حول مكانة النساء والشباب والبرلمان...!

-- سلوى الحمروني: هذا المرسوم يعاقب النساء ويؤدي إلى برلمان من الذكور
-- مختصون في القانون الدستوري ينتقدون تنقيح قانون الانتخابات
-- عبير موسي: القانون الانتخابي يكـرّس لـ «برلمــــان ديكــور»
-- جمعيات: يحتوي المرسوم على عديد المخاطر والتناقضات


    ينص القانون الانتخابي الجديد في تونس، على أن التصويت في الانتخابات التشريعية يكون على الأفراد في دورة واحدة أو دورتين عند الاقتضاء، وذلك في دوائر انتخابية ذات مقعد واحد. كما ينص المرسوم على أن العدد الجملي للمقاعد بمجلس نواب الشعب سيكون 161 مقعدا من بينها عشرة مقاعد عن الدوائر الانتخابية بالخارج، وكذلك على أنه “يمكن سحب الوكالة من النائب في دائرته الانتخابية، في صورة إخلاله بواجب النزاهة او تقصيره البيّن في القيام بواجباته النيابية، أو عدم بذله العناية المطلوبة لتحقيق البرنامج الذي تقدم به عند الترشح».

  هذا القانون، تباينت المواقف بشأنه حيث رفضته الأحزاب المعارضة، وانتقدته أهم مكونات المجتمع المدني، وطيف من أساتذة القانون الدستوري، بينما رحبت به الأحزاب المساندة للرئيس قيس سعيد.

أحزاب ترفض
وأخرى تبارك
   حزبيا، اعتبرت رئيسة الحزب الدستوري الحر أن القانون الانتخابي يمس من حقوق المرأة وحقوق الشباب، قائلةً إنه يجب تنظيم انتخابات رئاسية قبل الانتخابات التشريعية.
   وقالت موسي أن القانون الانتخابي يستهدف المرأة، قائلةً: “بالنسبة لسعيد، المرأة دورها الطاعة دون إمكانية حقيقية لتغيير الأمور... سعيد يحقد على شخصي وعلى المرأة القوية القادرة على لعب دور في المناخ السياسي العام».
   كما أكدت أنها لن تشارك في الانتخابات التشريعية القادمة، لأن البرلمان سيكون صورياً وعبارة عن “مجلس شورى” وفي خدمة الرئيس، قائلةً انها ستكون في صف الشعب من خارج قبة البرلمان، وفق قولها.

    وانتقد الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي المرسوم، واعتبره يكرس إلى نظام قاعدي ويعود بتونس إلى نظام فردي تسلطي تُلغى فيه الديمقراطية التمثيلية ويضرب دور الأحزاب السياسية.
   وأكد أن الحزب الجمهوري يرفض تزكية هذا المسار، داعيا إلى مقاطعة هذه الانتخابات “ وسيعمل على مقاومة مدنية سلمية من أجل تحشيد القوى لفرض العودة إلى العمل المؤسساتي.
    وفي سياق متصل، قال الأمين العام لحزب العمال حمة الهمامي، إن تنقيح القانون الانتخابي بمقتضى مرسوم رئاسي يشكّل حلقة جديدة مما اعتبرها “حلقات الانقلاب».

   ووصف المرسوم بالفضيحة لكونه صيغ بطريقة أحادية من قبل رئيس الجمهورية دون تشريك اي طرف وجاء لإقصاء الأحزاب على حد قوله.
   في المقابل، اعتبر الأمين العام لحزب التيار الشعبي (ناصري) زهير حمدي، أن شروط الترشح للاستحقاق الانتخابي القادم، الواردة في القانون المنقح، تضمن شفافية الانتخابات ونزاهتها، حسب رأيه.
   وقال زهير حمدي، إنه من ايجابيات القانون الانتخابي الجديد الشروط الصارمة للترشح على غرار اشتراط الاستظهار بالبطاقة عدد 3 فضلا عن إمكانية سحب الوكالة من النائب وتجريم شراء الأصوات من خلال معاقبة المترشح والناخب.

عديد المخاطر
والتّناقضات
   وعلّق المرصد الوطني للدفاع عن مدنية الدولة على المرسوم، معتبرا في بيان له، أمس الاثنين، أن هذه التعديلات تدلّ من ناحية على الإصرار على إعداد نصوص ذات أهمية قصوى بصفة أحادية، كما تتضمّن من ناحية أخرى عديد المخاطر على السير الطبيعي للدولة المدنية بما تعنيه من حقوق بديهية للمواطنات والمواطنين ولمؤسسات الجمهورية وقيمها.
   كما اعتبر أن المرسوم الانتخابي يتّسم بصبغة زجرية لما يتضمنّه من عقوبات مالية وأخرى سالبة للحرية أو الحرمان من الترشح مدى الحياة ضد من يقوم “بجرائم انتخابية” منها ما هو سياسي بحت مثل التأثير على ناخب بمقاطعة الانتخابات، ممّا يحدّ من حرية التعبير والرأي، وفق نص البيان.
   واعتبر المرصد الوطني للدفاع عن مدنية الدولة، أن طريقة الاقتراع التي ضمنها الرئيس قيس سعيد في مرسوم القانون الانتخابي نسفت مبدأ التناصف وتمثيلية الشباب، ونظرا للعقلية الذكورية السائدة، في عديد الجهات الداخلية بالخصوص، فإن المجلس القادم سيكون حتما خاليا أو يكاد من النساء ومن الشبان.

  وأكد المرصد إن حرمان ذوي الجنسية المزدوجة من الترشّح للانتخابات يُعدّ تعدّيا على حقوق جزء من المواطنين التونسيين.
   من جهته، اعتبر “ائتلاف صمود”، أن الرئيس التونسي “ينتهج سياسة المراحل لتنفيذ مشروعه السّياسي الرّامي لتأسيس نظام رئاسوي مطلق، ولتفكيك الأجسام الوسيطة”، مبيّنا أنّ “المرسوم الانتخابي يحتوي على عديد المخاطر والتّناقضات، التي تدفع جلّها لتعميق اختلال التّوازن بين السّلط، وتكرّس هيمنة السّلطة التنفيذيّة»
   وانتقد الائتلاف في بيان توجّه به إلى الرّأي العام إثر صدور القانون الانتخابي، رفض الرئيس تنظيم انتخابات رئاسيّة لتجديد شرعيّته، وإصراره على الاقتصار على تنظيم الانتخابات التشريعية يوم 17 ديسمبر القادم، “في تجاهل للأعراف الديمقراطيّة».
   وبيّن، في هذا الجانب، أنّ الأعراف الديمقراطية تملي على المشرّع ترك وقت كاف لا يقلّ عن 6 أشهر بين تاريخ تغيير نظام الاقتراع وإعادة تقسيم الدّوائر الانتخابيّة وتاريخ تنظيم الانتخابات التشريعيّة، لتمكين الفاعلين السّياسيين من التّأقلم، موضّحا أنّ هذه المسألة ستنتج مشهدا برلمانيّا مشتّتا وغير ناجز، بما سيزيد في تعميق الأزمة السّياسيّة في البلاد ويمهّد لإنهاء التّجربة الدّيمقراطيّة التّونسيّة.

    كما لفت إلى أنّ مجلس نوّاب الشّعب الذي سيتم انتخابه في 17 ديسمبر 2022 سوف تكون له صلاحيّة محدودة حسب ما جاء في دستور 30 يونيو 2022، وإلى أنّ الأطراف المشاركة في الانتخابات سوف تكون مطالبة بتقديم برامج ومشاريع محلّية، على أن تترك صياغة البرامج والرّؤى الوطنيّة لرئيس الجمهوريّة دون سواه، ما من شأنه أن يجعل دور مجلس النّواب هامشيا في النّظام السّياسي الجديد، ويحجم دور الأحزاب والكفاءات.

  كما تطرّق الائتلاف إلى غياب مبدأ التّناصف وتمثيليّة الشّباب، ما من شأنه تغييب المرأة والشّباب من البرلمان، إضافة إلى غياب التّنصيص عن تقدّم الأحزاب والائتلافات بصفتها وشعاراتها ورموزها للانتخابات، وذلك لمزيد ضرب كينونة الأحزاب وتهميش دورها.     وبخصوص مسألة التزكيات وسحب الوكالة، قال الائتلاف إنّ التصوّر بشأنها “طوباوي غير واقعيّ، بما قد يعقّد العمليّة الانتخابيّة ويضرب الاستقرار السّياسي كما قد يؤدّي إلى الفوضى”، وفق تقديره. وانتقد الائتلاف منع المواطنين التّونسيين المتحصّلين على جنسيّة ثانية من الترشّح داخل التّراب التّونسي.

تهميش دور البرلمان
    مدير مرصد شاهد لمراقبة الانتخابات ودعم التحولات الديمقراطية، ناصر الهرّابي، قال من جهته، إنّ المرسوم “سيهّمش دور مجلس نواب الشعب والأجسام الوسيطة وسيغيّب المرأة عن المشهد البرلماني”، معتبرا أنّ التنقيح “كان جوهريّا ومسّ من نظام الاقتراع الذي أصبح على الأفراد، دون الاستناد إلى دراسات أو معايير”، حسب رأيه.
   ولاحظ أنّ المرصد يؤكّد وجود “مخاطر” من اعتماد هذا النظام، “في ظل التّفاوت الذي ما انفك يتعمّق على مستوى الدّوائر الانتخابيّة وبالتالي لا يمكن تنزيله على أرض الواقع”، كما أشار إلى أن اعتماد نظام الاقتراع على الأفراد في الجهات ودون دراسة علمية وسوسيولوجية، “قد يؤدّي إلى نعرات جهوية».

   كما انتقد مسألة تزكية الناخب التي تمّ فيها اعتماد التناصف “في غير محلّه”، ملاحظا أنّ المرأة، وفق هذا المرسوم، “يمكنها تزكية الناخب، لكنها غير قادرة على ضمان عضويتها في البرلمان”. وقال إنّ هذا القانون سيفرز “برلمانا مشتّتا، غير قادر على المصادقة على القوانين الهامة” كما أنه “سيهمّش دور الأحزاب السياسية التي لا بدّ أن تكون موجودة».
   وأكّد مدير المرصد، أنّه “كان من الأجدى أن تتمّ صياغة القانون وتنقيحه، في إطار تشاركي، يجتمع حوله التونسيون، باعتباره أهمّ قانون بعد الدستور وذلك لتفادي العزوف والمقاطعة لاحقا».

مختصون ينتقدون
  المختصون في القانون الدستوري ادلوا بدلوهم في الجدل القائم وجاءت معظم ملاحظاتهم انتقادية. وفي هذا الإطار، أشارت أستاذة القانون سلوى الحمروني، أمس الاثنين، إلى أن هذا المرسوم يأتي في حالة استثناء دستوري “دون تمشي تشاوري، ودون ديمقراطية تشاركية”، و هو على غرار نصوص أخرى جاء بصفة أحادية حسب تعبيرها.
   ووجهت سلوى الحمروني انتقادات بصفة خاصة لمسألة التزكيات مشيرة الى ان هذا المرسوم يعاقب النساء ويؤدي الى برلمان من الذكور ذوي الجاه والنفوذ المالي».
   من جانبها وتعليقا على هذا المرسوم، عبّرت أستاذة القانون العام هناء بن عبدة على عدد من التحفظات إزاء بعض الاجراءات الجديدة، فيما ثمنت قرارات أخرى نص عليها المرسوم.

    وفيما يتعلق بالتحفظات، اعتبرت هناء بن عبدة، ان نظام الاقتراع على الأفراد الذي وقع اعتماده، “يعدّ تراجعا عن مكاسب النساء ومبدأ التناصف الذي نص عليه الدستور في الفصل 51، و”سيؤدي الى تراجع في حضور النساء في الحياة السياسية”، وقالت أن أول ضحايا التصويت على الأفراد هن النساء ثم الشباب” حسب تعبيرها.
   واعتبر أستاذ القانون الدّستوري، عبد الرزاق المختار، أنّ “تعسير شروط الترشح بتلك الكيفيّة الواردة في مرسوم تنقيح قانون الانتخابات، سيكون له مفعول عكسي، فإمّا أنه سيتسبّب في نفور الناس من العملية الانتخابية برمّتها أو أنه سيفرز برلمانا لأصحاب المال والشبكات العشائرية.

   من جهتها، بيّنت أستاذة القانون الدّستوري سلسبيل القليبي، أنّ نظام الاقتراع على الأفراد “ليس نظاما صديقا، لا للنساء ولا للشباب”، لأنه، حسب رأيها، “لا يدعم التمثيل النسائي أو الشبابي في دوائر السلطة، على عكس ما كان يتضمنه نظام الاقتراع على القائمات والذي نص على التناصف».
   من جهتها، اعتبرت رجاء الجبري، عن منظمة “مراقبون”، أنّ تنقيحات القانون الانتخابي، “منافية لمبادئ المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، خاصّة في تشديده لشروط الترشح وتقسيم الدّوائر الانتخابية”، ملاحظة أن هذا القانون الجديد “كرّس الكثير من النقائص».
   من جهة أخرى، يطرح التقسيم الترابي الجديد للدوائر الانتخابية، الذي ينص عليه المرسوم الانتخابي، العديد من الإشكاليات والتحديات، أهمها المساواة بين التونسيين في التمثيل البرلماني، وغياب معايير موضوعية لاعتماد هذا التقسيم دون غيره، وفق ما أكده عدد من أساتذة القانون والخبراء في الشأن الانتخابي، خلال مائدة مستديرة نظمتها الجمعية التونسية للقانون الدستوري.

   وفي هذا السياق، صرح رئيس الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية شوقي قداس، بأن كل المعتمديات ليست بنفس الطبيعة السكانية، وأن هناك 94 معتمدية يناهز فيها عدد السكان 100 ألف ساكن، كما أن هناك 241 معتمدية يتراوح عدد سكانها بين 4 الاف و60 ألف ساكن، ولا يمكن تقسيمها بالتساوي خاصة في ظل غياب منظومة معلومات جغرافية.
   وقال “إن خيار نظام الاقتراع على الأفراد سيضعنا امام اشكاليات صعبة جدا”، معتبرا أن نظام الاقتراع السابق لم يكن سيئا لو تم اعتماد عتبة انتخابية بنسبة 7 بالمائة، بما قد يجنب افراز مشهد برلماني مشتت كالبرلمان السابق، معربا عن اسفه من الدخول في ما وصفه “بتشويه المسار الانتخابي».
   في حين اعتبر رئيس جمعية “عتيد” بسام معطر، أن هذا التقسيم يستشف منه “محاولة توجيه للأصوات”، حسب تعبيره.





ائتلاف حزبي جديد يقاطع الانتخابات التشريعية

أعلن أمين عام حزب التكتل خليل الزاوية اتفاق قيادات أحزاب التيار الديمقراطي والجمهوري والتكتل وحزب العمال والقطب على التشكل في ائتلاف منفتح عن قبول عضوية أحزاب أخرى، مضيفا أن أرضية الائتلاف بصدد الصياغة.
من جانبه أكد أمين عام الحزب الجمهوري عصام الشابي اقرار الاحزاب الخمسة مقاطعة الانتخابات التشريعية وفق القانون الانتخابي الذي أعلنه الرئيس قيس سعيد.
وقال خلال ندوة صحفية أمس الاثنين “نحن الأحزاب الخمسة “حزب العمال والحزب الجمهوري والتيار الديمقراطي والقطب والتكتل من اجل العمل والحريات”، نرفض المشاركة في الانتخابات التشريعية.

   وقال: “نقاطع هذه الانتخابات لأنها تمثّل المحطة الأخيرة في أجندة قيس سعيد، وهي خطّة أخرى للفشل السياسي».
   وتابع: المرسوم الانتخابي لقيس سعيد يضرب أحد اهم المكاسب للمرأة التونسية بإلغائه للتناصف في الانتخابات».
   وقال عصام الشابي: “ندعو المواطنين والمواطنات إلى مقاطعة الانتخابات».
   في حين أكد القيادي في التيار الديمقراطي محمد الحامدي إن البرلمان المقبل الذي سيفرزه القانون الانتخابي الجديد سيكون برلمانا بلا سياسة ولا سياسيين، منتقدا توجه القانون الانتخابي إلى إلغاء تمثيلية الجهات وإقرار تمثيلية المحليات وتقليص التمثيلية بتخفيض عدد النواب وفق تقديره.

   وشدد الحامدي على مقاطعة الخماسي للمسار الانتخابي داعيا جميع الاحزاب السياسية والمواطنين الى مقاطعته والعمل على التحول الى مسار ديمقراطي حقيقي وفق قوله.
  يشار الى انه سبق للحزب الدستوري الحر ومكونات جبهة الخلاص اعلان مقاطعتهم لذات الانتخابات.