نيجيريا تتحدى ترامب.. لماذا على أمريكا أن تقلق؟
تقف نيجيريا أمام إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، رافضة الرضوخ لمطالبها باستقبال المهاجرين، وبينما يتعدى موقف أبوجا الهجرة، فإن على واشنطن أن تقلق من أن تنضم إليها دول أفريقية باتت غير مستعدة للعمل كـ «مقاولين» للسياسة الغربية. ورفضت أكبر دولة أفريقية من حيث عدد السكان سياسة واشنطن بشأن الهجرة، حيث صرّح وزير الخارجية النيجيري يوسف توغار، في وقت سابق بأن البلاد «تعاني من مشاكلها الخاصة بما يكفي» ولن ترضخ للضغوط الأمريكية لاستقبال المرحّلين الذين لا تربطهم أي صلة بنيجيريا.
وترى مجلة «فورين بوليسي» أن الموقف النيجيري «وإن كان هادئاً»، إلا أنه يحمل أبعاداً أخرى، باعتباره رفضاً أوسع للمنطق التبادلي الذي لطالما شكّل العلاقات الأمريكية الأفريقية، معتبرة أن أبوجا لا تدافع عن حدودها فحسب، بل أيضاً عن سيادتها.
ويُتوقع أن يكون للرفض النيجيري «عواقب وخيمة»، في الوقت الذي يُعيد فيه ترامب إحياء سياسته المثيرة للجدل المتعلقة بترحيل المهاجرين من دول ثالثة، والتي بدأها على نطاق أضيق في أمريكا اللاتينية خلال ولايته الأولى.
والآن تُوسّع إدارته هذه الجهود وتُكثّف جهودها في التقرّب من الدول الأفريقية، وهو تحوّل تجلّى في القمة المصغّرة التي عقدها ترامب مع القادة الأفارقة في البيت الأبيض في يوليو/تموز، حيث ألمح إلى إحراز تقدّم في هذه الاتفاقيات دون تقديم تفاصيل.
لكنّ قرار نيجيريا مبني على مبدأ وواقعية، بحسب «فورين بوليسي»، فمع أكثر من 230 مليون نسمة، تعاني البلاد بالفعل من ضغوط هائلة، مثل تفاقم انعدام الأمن الغذائي، وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، وحركات التمرد في الشمال، وتفاقم الضائقة الاقتصادية.
كما أن سجونها مكتظة، حيث تبلغ نسبة الإشغال 137%، وسيؤدي استقبال المرحلين من الولايات المتحدة إلى زيادة الضغط على المؤسسات الهشة أصلاً، وتحويل الموارد الشحيحة عن الاحتياجات المحلية العاجلة.
وكذلك يتعارض مقترح الترحيل بشكل مباشر مع إطار السياسة الخارجية النيجيرية المرتكز على «الأسس الأربعة»، وهي الديمقراطية، والتنمية، والديموغرافيا، والشتات. وتُقدّم هذه الاستراتيجية نيجيريا كقائدة قارية، تُشكل شراكاتها الدولية حول السيادة والإصلاح، ومن ثم فإن اتفاقية ترحيل الدول الثالثة لا تفشل في دعم هذه الأهداف فحسب، بل تُقوّضها بشكل فعال.
توقيت حسّاس
ترى «فورين بوليسي» أن على إدارة ترامب أن تتمهل قبل التصعيد ضد نيجيريا، معتبرة أن التوقيت حساس والتحدّي «ليس خالياً من المخاطر»، بل قد يقوّض التعاون المستقبلي، وربّما يحفّز دولاً أفريقية أخرى على «التمرّد».
وانضمام نيجيريا مؤخراً إلى مجموعة البريكس كدولة شريكة، يضعها في صراع مباشر مع التعريفات الجمركية الأمريكية الجديدة التي تستهدف الدول الأعضاء، والتي من المقرر أن تدخل حيز التنفيذ في أغسطس/آب، وهو تصعيد قد يُفاقم زعزعة استقرار العلاقات التجارية والدبلوماسية في ظل حالة عدم اليقين الاقتصادي.
ووفق «فورين بويسي» يُعدّ رفض نيجيريا القاطع «جزءاً من عملية حسابية أوسع نطاقاً في جميع أنحاء الجنوب العالمي»، مشيرة إلى أنه لفترة طويلة، كان يُتوقع من الدول الأفريقية أن تتحمل أعباء إدارة الأزمات الغربية اللاحقة، وأن تُنفّذ القرارات المتخذة في عواصم بعيدة، غالبا مقابل مساعدات المانحين.
وتستدرك المجلة الأمريكية أن «هذه الديناميكيات آخذة في التغير»، مضيفة أن عدداً متزايداً من الدول في أفريقيا لم يعد مستعداً للعمل كمقاولين من الباطن للسياسة الغربية، إذ قاومت جنوب أفريقيا إلى حد كبير ضغوط واشنطن بشأن تحالفاتها التجارية والخارجية، وحافظت على علاقاتها مع روسيا وإيران، حتى في الوقت الذي تسعى فيه إلى إبرام صفقة تجارية مع الولايات المتحدة.
وتتابع المجلة «اليوم ترسم نيجيريا خطاً جديداً، فرؤيتها للسيادة لا تقتصر على السيطرة الإقليمية، بل تشمل أيضاً استقلالية السياسات، والكرامة الدبلوماسية، والشراكات المتبادلة، إذ لم يعد الرفض مجرد عمل تخريبي، بل أصبح استراتيجياً». كما تعتقد «فورين بوليسي» أن موقف نيجيريا يكشف أيضاً عن خلل في السياسة الخارجية الأمريكية، معتبرة أن أبوجا تعد قوة إقليمية مؤثرة، ففي عام 2024، بلغ حجم تجارتها الثنائية مع الولايات المتحدة قرابة 10 مليارات دولار؛ ما يجعلها من أبرز شركاء واشنطن الأفارقة. كما تلعب نيجيريا دوراً محورياً في حفظ السلام الإقليمي، ومكافحة الإرهاب، وإمدادات الطاقة العالمية، وتتمتع بنفوذ داخل الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، حيث تدعم باستمرار إصلاح الحوكمة العالمية. وبذلك تستغرب «فورين بوليسي» مخاطرة واشنطن بالتقليل من شأن التكلفة اقتصادياً ودبلوماسياً واستراتيجياً، المترتبة على تنفير شريك بالغ الأهمية، لا سيما مع تهافت المنافسين العالميين على ملء الفراغ.