بينغ شواي بين نجمة تنس وغنيمة سياسية:

هكذا سحبت التعبئة الدولية البساط من تحت أقدام بكين

هكذا سحبت التعبئة الدولية البساط من تحت أقدام بكين

-- لم يحدث قط في تاريخ الصين الشعبية أن اتُهم سياسي صيني علنا بالاغتصاب مثل تشانغ قاو لي
-- الصين تدعو إلى التوقف عن تعمّد تضخيم القضية لغايات عدائية، ومحاولة تسييسها
-- لم تثر أي من حالات الاختفاء الأخيرة تعبئة مماثلة لتلك التي تمتعت بها بينغ شواي
-- ما قالته الرسالة بعيد جدًا عن الصورة الفاضلة تمامًا التي تقدمها رسميًا قيادة الحزب
-- تشانغ قاو لي، شخصية صارمة، لا تجيد الابتسام، ولا تنبعث منها جاذبية دون جوان

 
معتادة على حالات الاختفاء المشبوهة، لم تتوقع الحكومة الصينية، بالتأكيد، الزلزال الذي سيحدثه إسكات لاعبة التنس.    جرت العادة، أن ما حدث لـ “بينغ شواي” يتم دفنه والتستر عليه. كشفت لاعبة التنس الدولية الصينية، البالغة من العمر 36 عامًا، تعرّضها للاغتصاب من قبل تشانغ قاو لي، إحدى الشخصيات البارزة في الحزب الشيوعي الصيني، والتي كانت عشيقته.    ظهرت هذه الشهادة في 2 نوفمبر على موقع ويبو، المعادل الصيني لتويتر، وظلت على الإنترنت طيلة عشرين دقيقة قبل أن تمحوها الرقابة. لكن كان لدى الملايين من مستخدمي الإنترنت الصينيين الوقت لاستيعاب الرسالة وإعادة نشرها قبل أن تمحى بشكل منهجي من قبل سلطة الإشراف. من جانبها، أمرت الشرطة الصينية بإبعاد بينغ شواي عن الحياة العامة وإبقائها قيد الإقامة الجبرية دون إمكانية التواصل مع أي شخص. 

   اشتهرت هذه اللاعبة على وجه الخصوص بفوزها ببطولة ويمبلدون الزوجي عام 2013 ورولان جاروس عام 2014. وعام 2014 أيضًا، بقيت على رأس الزوجي طيلة عشرين أسبوعًا، ووصلت إلى الدور نصف النهائي في فلاشينغ ميدوز. وهي تحتل الآن المرتبة 189 عالميا في الزوجي. وفي الصين، تم محو اسمها من أي منافسة مستقبلية، وفي أحسن الأحوال، كان بإمكانها الظهور بتكتم في غضون بضعة أشهر.


غير ان السلطات الصينية بالتأكيد، لم تتوقع أن يؤدي اختفاء بينغ شواي إلى إثارة هذا الكم من ردود الافعال الدولية. أولاً، من جانب لاعبي التنس: لقد التقى الكثيرون منهم باللاعبة الصينية في مسابقات حول العالم على مدار الخمسة عشر عامًا الماضية. من سيرينا ويليامز إلى نعومي أوساكا، مرورا بكريس إيفرت ونوفاك ديوكوفيتش، وأعرب العديد من الرياضيين عن قلقهم من مصير بينغ شواي.
   كما عبّرت عدة دول عن موقفها في ذات الاتجاه. ففي فرنسا، طلب وزير الخارجية جان إيف لودريان، أن تكون بينغ شواي “قادرة على التعبير عن نفسها بحرية”. وفي الأمم المتحدة، دعا مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان إلى إجراء تحقيق “بشفافية كاملة في مزاعم الاعتداء الجنسي هذه”. بالإضافة إلى ذلك، بدأت العديد من منظمات التنس العالمية مناقشة فكرة إلغاء جميع المسابقات في الصين.

في مرمى العدالة الصينية
   اعتاد النظام الصيني على التعتيم على شخصيات تخرج عن الخط الرسمي الذي حدده الحزب الشيوعي. لكن لم يثر أي من حالات الاختفاء الأخيرة تعبئة مماثلة لتلك التي تمتعت بها بينغ شواي. في أكتوبر 2020، لم تكن هناك احتجاجات دولية عندما اختفى جاك ما فجأة بعد إلقاء خطاب ينتقد السلطات المالية الصينية. وهو مؤسس علي بابا، المجموعة الصينية القوية التي يمكن مقارنتها بالعملاق الأمريكي أمازون، والتي تقدم منصات الدفع عبر الإنترنت ومنصات البيع بالتجزئة، وهي محرك بحث للتسوق.
   ديسمبر 2020، فتحت الإدارة الصينية لتنظيم السوق تحقيقًا في “ممارسات احتكار” علي بابا. وفي يناير 2021، ظهر جاك ما مجددا في مقطع فيديو نُشر على وسائل التواصل الاجتماعي، لكن في أبريل تم تغريم الشركة بما يعادل 2.8 مليار دولار، دون ان يستأنف الحكم.

   في نفس الوقت، تم تشديد لوائح التجارة الإلكترونية في الصين إلى حد كبير، وفي الربع الثالث من هذا العام، تراجعت أرباح علي بابا بنسبة 81 بالمائة للفترة من يوليو إلى سبتمبر الماضي: فقد انخفضت من 28 أو 77 مليارًا إلى 5.37 مليار يوان (أي 741.3 مليون يورو).
   لا شك أن العقوبة المفروضة على علي بابا ومؤسسها، تُظهر أن الحكومة الصينية تريد اخضاع الشركات الكبرى ذات التكنولوجيا الجديدة. ويبدو أن من مخاوفها الأخرى، منع عالم الترفيه من أن يصبح مهمًا للغاية، وبالتالي، الحد من العبادة المتنامية للمشاهير.

   في بداية شهر أغسطس الماضي، كانت تشاو وي ممثلة شهيرة في الصين، وقد شطب اسمها من جميع الشبكات الاجتماعية، وهي صاحبة ما يقرب من 86 مليون مشترك على ويبو. والأفلام التي صورتها، لم تعد متاحة على منصات التنزيل، ورسميًا، لم يتم تقديم أي تفسير.
   وتعتبر تشاو وي، البالغة من العمر 45 عامًا، ثريّة للغاية وتمتلك حتى مزرعة عنب في فرنسا، شاتو مونلو، أحد انواع سانت اميليون كرو. ومن المحتمل أن استثماراتها في استوديوهات علي بابا للأفلام عملت ضدها.
   فنان آخر في مرمى نيران العدالة الصينية حاليا: منذ أغسطس، كريس وو في السجن، متهما من قبل شخصية مؤثرة على الانترنت، بتخديرها واغتصابها، وفعل نفس الشيء مع حوالي 20 امرأة أخرى.
   مغني الراب هذا، من أصل صيني ولكن جنسيته كندية، ينتمي إلى فرقة اكسو، وهي فرقة فتيان كورية جنوبية صينية حققت نجاحًا هائلاً قبل ثلاث سنوات في الصين. وكتبت صحيفة الشعب اليومية، أن “الجنسية الأجنبية ليست تعويذة، ومهما كانت شهرة الشخص، فإنها لا تمنحه أي حصانة».
   ولكن في المقابل، يبدو أنه يمكن تسوية بعض الآثار والاشكالات ماليّا. وهكذا اختفت الممثلة فان بينغ بينغ، التي اشتهرت بدورها في فيلم اكس-مان أو الرجل الحديدي، طيلة ثلاثة أشهر تقريبًا عام 2018. في سن السابعة والثلاثين، تورطت في قضية تهرب ضريبي في صناعة السينما، قبل ان يتم الإعلان عن انها دفعت ما يعادل 111 مليون يورو للسلطات الضريبية. وقد حرصت على الاعتذار “للسلطات الضريبية” و “المجتمع».

تراجع
   من الواضح أن قضية بينغ شواي تندرج في فئة مختلفة تمامًا. أولاً، حرصت بطلة التنس نفسها على تسليط الضوء على ما حدث لها. وفي منشورها على وبيو، أوضحت أنها مارست الجنس مع تشانغ قاو لي، الذي كان يبلغ من العمر 68 عامًا في ذلك الوقت، قبل سبع سنوات. ثم حدث ذلك مرة أخرى في منزله قبل ثلاث سنوات بعد مباريات تنس. وفي   كل مرة، تقول بينغ شواي، كانت زوجة تشانغ قاو لي “تقف حارسة خارج” الغرفة التي يتم فيها اللقاء. وحدث المشهد مرة أخرى، قبل أسبوع من كتابة بنغ شواي رسالتها. “كنت خائفة جدا. بعد ظهر ذلك اليوم، رفضت في البداية، ولم أستطع التوقف عن البكاء. لماذا عدت إلي، وأخذتني إلى بيتك واجبرتني على ممارسة الجنس معك؟»، كتبت مخاطبة السيد تشانغ. ولتضيف: “كنت تخشى دائمًا أن أخفي جهاز تسجيل... سوف تنكر ذلك بالتأكيد وإلا ستذهب إلى حد مهاجمتي «.

   ما تقوله هذه الرسالة هو بالطبع بعيد جدًا عن الصورة الفاضلة تمامًا التي تقدمها رسميًا قيادة الحزب. ومهما حدث في الدوائر العليا للسلطة الصينية، خاصة في عهد ماو تسي تونغ، لم يحدث قط في تاريخ جمهورية الصين الشعبية أن اتهم سياسي صيني علنا بالاغتصاب كما حدث، لتشانغ قاو لي. وهذا الأخير، كان من عام 2012 إلى عام 2017، أحد الأعضاء السبعة في اللجنة الدائمة للحزب الشيوعي، أعلى هيئة للسلطة الصينية. وعلى هذا النحو، فهو من حيث المبدأ، لا يمكن المساس به، ولا تحوم حوله شكوك، ومثالي.
   خرّيج اقتصاد، ومتخصص في الإحصاء والتخطيط، انضم تشانغ قاو لي إلى الحزب الشيوعي في سن 27. عمل في البداية في مقاطعة كانتون كموظف في صناعة النفط، ثم ارتقى في المراتب الحزبية.

   في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كان حاكم مقاطعة شاندونغ قبل أن يصبح سكرتير الحزب في تيانجين عام 2007. مدينة بحرية بالقرب من بكين، ويبلغ عدد سكانها 14 مليون نسمة، شهدت تيانجين تنمية اقتصادية هائلة.
   لقد أقامت منطقة اقتصادية مخصصة للتكنولوجيات الجديدة ومتصلة بالعاصمة في نصف ساعة بواسطة تي جي في. وكان تشانغ قاو لي، الشخصية الصارمة، والتي لا تجيد الابتسام، ولا تنبعث منها جاذبية دون جوان، شريكا في كل هذه الانجازات. وما كشفته بينغ شواي، يضفي لمسة إضافية على صورته.

   في عالم التنس الدولي، لا يبدو أن بينغ شواي رقيقة. عام 2018، تم تعليقها ستة أشهر من قبل الاتحاد الدولي للتنس، لمحاولتها “بأساليب مخيفة” إجبار شريكتها في الزوجي النسائي على الانسحاب من بطولة ويمبلدون. ثم اضطرت الى دفع غرامات تعادل 8600 يورو. لكن الدعم الدولي الذي ولّدته رسالتها على ويبو، منحها بعدًا رمزيًا كبيرًا. وكان على النظام الصيني تنظيم تراجعه.

   ظهر مقطع فيديو قصير، يستحيل تحديد تاريخه على الإنترنت، يفترض أنه تم تصويره بواسطة هاتف خلوي، ويُظهر بينغ شواي هادئة ومرتاحة تمامًا. إنها لا تعطي، بأي حال، الانطباع بأنها الشخص الذي تسبب للتو في زلزال من خلال الكشف عن أنه كان ضحية لاعتداء جنسي. محاطة برياضيين محترفين آخرين، وأمام سلسلة من الأطباق الصينية، تستمع باهتمام لمدرب يتحدث بسذاجة تامة عن جدول أعمالها، ويخبرها: “هذا العام ليس مثل العام السابق... أخيرًا، لديك ثلاثة أشهر للتدريب. وسيتعين تنظيم كل شيء بشكل جيد اعتبارًا من 21 ديسمبر».

«دعاية الدولة الصينية»
   بعد هذه اللقطة، تم إصدار وثائق أخرى: صور تظهر بينغ شواي في غرفتها، أو مقطع فيديو تحضر فيه مسابقة للاعبي تنس شباب. عندئذٍ، في 21 نوفمبر، أجرى مسؤولو الرياضة العالمية، منهم توماس باخ، رئيس اللجنة الأولمبية الدولية، محادثة فيديو مع بنغ شواي استمرت نصف ساعة. ثم ذُكر أن اللاعبة شكرت اللجنة الأولمبية الدولية “على اهتمامها بسلامتها”، وأوضحت أنها “بأمان وبصحة جيدة في بيتها وأنها ترغب في احترام خصوصيتها».
    مثل هذه التصريحات لها ميزة لبكين: فهي يمكن أن ترضي أولئك الذين يخشون أن يكون لمصير بينغ شواي عواقب سلبية على صورة الألعاب الأولمبية الشتوية التي ستقام بالقرب من بكين في فبراير المقبل. في المقابل، فإن الكلمات المهدئة للرياضية لا تطمئن أولئك الذين يشتبهون في قيام السلطات الصينية بممارسة ضغوط شديدة عليها.

   ورأت بعض الأوساط انه من خلال هذه المقابلة، نقلت اللجنة الأولمبية الدولية “دعاية الدولة الصينية”. وشكك ستيف سيمون، رئيس اتحاد لاعبات التنس المحترفات، وهو اتحاد يدير دورات التنس النسائية المحترفة، في صدق كل شيء يظهر في بكين عن لاعبة التنس. وبحسب قوله، فإن الفيديوهات ليست كافية “لإثبات أن بينغ شواي حرة”. وتطالب رابطة اللاعبات المحترفات “بدليل مستقل وقابل للتحقق” بأنها بأمان، وتهدد بسحب مصالح الجمعية في الصين إذا لم يتم فعل شيء.

   هل كانت بينغ شواي تدرك مدى ردود الفعل التي كانت ستثيرها من خلال كتابتها لشهادتها على موقع ويبو؟ من الواضح أن ما أعلنته يلائم الثقافة الحالية لحركة مي تو. من هنا، أجبرتها السلطات الصينية على التحدث بحيادية قدر الإمكان، وعدم التحدث عن الاغتصاب الذي أدانته في 2 نوفمبر. في الوقت نفسه ، في 19 نوفمبر، حدد تشاو ليجيان، أحد المتحدثين باسم وزارة الخارجية الصينية، الخط الدفاعي للقيادة الصينية، بقوله: “أعتقد أن على البعض أن يتوقف عن التضخيم المتعمّد لهذه القضية لغايات عدائية، وخاصة، محاولة جعلها قضية سياسية”... أما تشانغ قاو لي، فلم ينبس ببنت شفة.