هل أصبحت ورقة دونباس مفتاح الصفقة الأمريكية الروسية لإنهاء الحرب؟

هل أصبحت ورقة دونباس مفتاح الصفقة الأمريكية الروسية لإنهاء الحرب؟


في تطور مفاجئ يعكس تعقيدات الصراع الأوكراني، كشفت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية عن تفاصيل غير مسبوقة بشأن الضغوط الأمريكية على كييف لإنهاء الحرب مع روسيا. وفقًا للمصادر، طلب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الموافقة على تسليم منطقة دونباس بالكامل إلى موسكو، وهو ما يعد أحد أبرز المطالب الروسية لإنهاء الصراع.
هذه الخطوة المثيرة تطرح تساؤلات عدة حول الدور الذي قد تلعبه هذه الورقة في إعادة رسم ملامح الصراع في أوكرانيا، وتفاصيل ما وراء الكواليس في العلاقة الأمريكية الأوكرانية. 
وأشارت المصادر إلى أن ترامب حذّر زيلينسكي من التهديد المباشر للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتدمير أوكرانيا إذا لم تنصع كييف لشروط موسكو، مما يزيد من تعقيد الموقف.
المفاجأة أن الرئيس الأوكراني، الذي يسعى للحفاظ على وحدة أراضي بلاده، استطاع إقناع ترامب بالتراجع عن دعمه لفكرة تسليم دونباس بالكامل، داعيًا إلى خيار تجميد الخطوط الأمامية الحالية. لكن تصريحات بوتين الأخيرة تشير إلى استعداده للتنازل عن أجزاء صغيرة من خيرسون وزابوريجيا مقابل اعتراف أوكرانيا بسيطرة روسيا على معظم مناطق دونباس.هذه التطورات تثير العديد من الأسئلة حول ما إذا كانت ورقة دونباس ستكون المفتاح لإتمام الصفقة بين أمريكا وروسيا، وما إذا كان هذا التنازل سيشكل بداية النهاية لأطول صراع شهدته أوروبا في العقدين الأخيرين.

صفقة أمريكية روسية
ويرى الخبراء، أن إعادة طرح ملف دونباس بات تمهيدًا لاحتمال استخدامه كورقة مركزية في صفقة أمريكية روسية لإنهاء الحرب، خاصة بعد ما كشفته “فايننشال تايمز” عن طلب ترامب من زيلينسكي الموافقة على تسليم المنطقة بالكامل لروسيا. وقال سمير أيوب، المحلل السياسي والمتخصص في الشؤون الروسية، إن إلغاء القمة الروسية الأمريكية التي كانت مقررة في بودابست، والتي بنيت على مقترحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال قمة ألاسكا، لا يزال يترك آثارًا كبيرة على المشهد السياسي.
وكشف المحلل السياسي لـ”إرم نيوز”، أن هذه المقترحات كانت تتعلق بمحاولة تبادل أراضٍ بين روسيا وأوكرانيا، بحيث تحتفظ موسكو بالمقاطعات التي صوتت لصالحها في الاستفتاءات، مقابل إعادة بعض أجزاء من مقاطعتي سومي وخاركيف إلى أوكرانيا. 
وأضاف الخبير في الشؤون الروسية، أن رفض كييف والدول الأوروبية لهذه المبادرة تزامن مع اقتناع ترامب بجدوى الفكرة، خاصة في ظل التطورات الميدانية التي تميل لصالح روسيا.وأشار أيوب إلى أن التقدم العسكري الروسي على جبهات عدة، خاصة في دونيتسك والمناطق المحيطة بها، أثار قلقاً كبيراً لدى الأوروبيين وأصبح يشكل تهديدًا مباشرًا لحكومة زيلينسكي، حيث بدأ الجيش الأوكراني يفقد السيطرة على أراضٍ واسعة، مما يفتح الباب أمام المزيد من التوسع الروسي في أوكرانيا، وهو ما ترفضه كييف، وأوروبا، والولايات المتحدة.
وأكد أيوب أن نجاح روسيا في السيطرة على مزيد من الأراضي يمنح الرئيس ترامب أداة ضغط قوية لإقناع الأوروبيين بالجلوس على طاولة المفاوضات. 
وأشار إلى تصريح وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، الذي قال إن اللقاء مع الرئيس بوتين أفضل من عدم اللقاء لحل هذا الصراع، هو ما يعكس استمرار طرح مقترحات ترامب، واحتمال قبول روسيا بها، بينما تبقى العقبة الأساسية في موقف أوروبا وحكومة كييف.
وأضاف الخبير السياسي أن الضغط العسكري الروسي قد يدفع الدول الأوروبية إلى قبول تسوية إقليمية محدودة، بدلاً من خسارة المزيد من الأراضي في المستقبل
وأوضح أيوب أن رفض أوكرانيا التفاوض، الآن، قد يؤدي إلى شروط تفاوض أسوأ لاحقًا، مع احتمال سيطرة الجيش الروسي على مناطق إستراتيجية، مثل: خيرسون، وزاباروجيا، ودونيتسك، ولوغانسك، وشبه جزيرة القرم، وربما سومي، وأجزاء من خاركيف.

حزام أمني
وأكد سمير أيوب أن الإستراتيجية الروسية الحالية تهدف إلى إنشاء “حزام أمني” على الحدود انطلاقًا من مقاطعتي كورسك وبلغورود، مما يعزز وضع موسكو على الأرض، ويمنحها قدرة أكبر على الاستفادة من هذا التفوق في أي مفاوضات قادمة، خاصة مع إعادة طرح الإدارة الأمريكية بقيادة ترامب لمبادرة تبادل الأراضي.
وأكد المحلل السياسي أن موازين الصراع تحددها الجبهات، مشيرًا إلى أنه طالما أن الإنجازات العسكرية تصب في مصلحة روسيا، والطرف الأوكراني غير قادر على استعادة أراضيه، فإن مسار الحرب سيظل في يد موسكو والولايات المتحدة، وأن نهاية الصراع، إذا استمرت التطورات الميدانية على حالها، ستكون لصالح روسيا.

تسليم دونباس
أما الأستاذ المساعد في جامعة لوباتشيفسكي الحكومية الروسية، عمرو الديب، فأكد أن الحديث المتداول، مؤخراً، حول محاولة إقناع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بتسليم دونباس ليس جديداً، بل يعود إلى بدايات وصول ترامب إلى البيت الأبيض في ولايته الحالية. 
وأشار الديب في تصريحات لـ”إرم نيوز” إلى أن هذا الطرح ظل مطروحاً في إطار النقاشات الأمريكية الأوكرانية، غير أن الموقف الأوكراني كان دائماً العقبة التي حالت دون أي تقدم ملموس.
وقال الديب إن جوهر الخلاف يتمثل في أن مسألة التنازل عن دونباس تُعد أساس الصراع القائم حالياً بين روسيا وأوكرانيا، مشيراً إلى أن ملف القرم بدوره لا يزال على طاولة المطالب الأوكرانية ضمن أي مسار تفاوضي محتمل. 
وأضاف الأستاذ المساعد في جامعة لوباتشيفسكي الحكومية الروسية أن وجود هذه الملفات الحساسة في صلب أي نقاش لا يعني وجود توجه جدّي نحو إنهاء الحرب، لأن قبول أوكرانيا بذلك يثير تساؤلات حول استمرارها في القتال لأكثر من 3 سنوات ونصف. 
وأشار الديب إلى أن ما يجري تداوله، حالياً، قد لا يتجاوز كونه تقارير صحفية، أو إعادة طرح لأفكار سبق تداولها في إطار المفاوضات الأمريكية الأوكرانية، أو بشأن المطالب التي يوجهها ترامب لأوكرانيا.
وأوضح أن هذا لا يشير إلى وجود مبادرة جديدة قد تقود إلى اتفاق فعلي، مؤكداً أن المعطيات الراهنة لا تعكس أي تغير جوهري قد يفضي إلى حل قريب.