هل أنهى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حقاً 6 حروب؟

هل أنهى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حقاً 6 حروب؟


يرى الكاتب ستيفن كولنسن في تقرير في شبكة «سي إن إن» أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لا يحاول إنهاء الحرب الوحشية في أوكرانيا فحسب، بل يزعم أنه أنهى بالفعل ما يقارب حرباً واحدة في كل شهر من ولايته الثانية، ممتدة عبر الشرق الأوسط، وأفريقيا، وآسيا الوسطى والجنوبية، وجنوب شرق آسيا.
وقال ترامب في اجتماعه مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وقادة أوروبيين يوم الاثنين: «لقد أنهيتُ 6 حروب.. نعم، أنهيتُ 6 حروب. انظروا، الهند، وباكستان، نحن نتحدث عن مناطق كبيرة، فقط ألقوا نظرة على بعض هذه الحروب. اذهبوا إلى أفريقيا وانظروا إليها.»

رئيس السلام
وأعلن البيت الأبيض في بيان هذا الشهر أن «الرئيس ترامب هو رئيس السلام»، مستعرضاً ما وصفه بالاتفاقات الدبلوماسية بين أرمينيا وأذربيجان، وكمبوديا وتايلاند، وإسرائيل وإيران، ورواندا والكونغو الديمقراطية، ومصر وإثيوبيا، وصربيا وكوسوفو.
ويقول الكاتب إن بعض هذا الكلام يُعد مبالغة «ترامبية» كلاسيكية. كما أن فريق الرئيس يمسح خريطة العالم بحثاً عن بؤر نيران يسعى لإطفائها ليحقق مكاسب سريعة تدعم حملته الشفافة، للفوز بجائزة نوبل للسلام.
لم يُعد ترامب اختراع السياسة الخارجية الأمريكية. فجميع الإدارات تعمل على وقف الحروب ودفع المصالح الأمريكية. لكن معظمها لا يُكثِر من إعلان الانتصارات باستمرار، إذ أن مثل هذا الاستعراض قد يُدمّر الدبلوماسية الهادئة. ومع ذلك، فقد أنقذ ترامب أرواحاً. ففي بعض الحالات، استخدم السلطة الرئاسية بطرق جديدة لوقف نزاعات مفاجئة قبل أن تتصاعد إلى حروب شاملة.

أسئلة عن أوكرانيا
لكن نجاحه يثير أسئلة جديدة تنطبق أيضاً على أوكرانيا، حسب الكاتب، هل ترامب ملتزم بالمدى الطويل، أم أنه يبحث فقط عن صفقات يمكنه الترويج لها، تماماً كما كان يضع اسمه على منتجات تجارية، باعتباره رجل أعمال؟ وهل سيؤدي تقليصه لوكالة التنمية الدولية الأمريكية، وخفضه لحجم وزارة الخارجية إلى حرمانه من الأدوات التي تحتاجها الولايات المتحدة لتحويل الاختراقات، إلى اتفاقات سلام دائمة تعالج الأسباب الجذرية للحروب؟
ظل ترامب يصــر يوم الاثنين، وهو يحاول المنــــــاورة بتبنيه موقف روســـــــــيا الرافض لوقف إطلاق نار فوري في أوكرانيا، على أنه مهتــــم أكثر بالصفقـــات النهائية.
 لكن المفارقة أن بعض صفقاته حول «6 حروب» أقرب إلى وقف إطلاق نار مؤقت منها إلى اتفاقيات سلام دائمة تُنهي نزاعات ممتدة عبر أجيال.
وفي حالة إيران وإسرائيل، فإن ادعاء ترامب أنه صنع السلام بعد صراع استمر 12 يوماً يزيد تعقيداً بسبب تورط الولايات المتحدة في ضربات ضد برنامج طهران النووي.
حرب غزة
وبينما هناك هدنة غير رسمية، لا توجد أي مؤشرات على أن الحرب المتواصلة بين الدول الثلاث منذ الثورة في إيران في 1979 ستنتهي. كما يتجاهل ترامب بسهولة فشله في إنهاء الحرب بين إسرائيل وحركة حماس.
 والغضب العالمي بسبب تقارير عن مجاعة واســـــــعة النطاق في غزة، إلى جانب دعمه القوي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، قد يُقوض آماله في جائزة نوبل، مهما كانت نتيجة ملف أوكرانيا. 
ولا يزال سجله ملطخاً بفشل جهود السلام في ولايته الأولى مع كوريا الشمالية. فزعيمها كيم جونغ أون بات يملك مزيداً من الأسلحة النووية أكثر مما كان عليه قبل أن يقدم له ترامب قمماً دعائية بلا نتائج.
نجاحات في الكواليس
وعن النجاحات، تقول سيليست والاندر، مساعدة وزير الدفاع السابقة والباحثة حالياً في مركز الأمن الأمريكي الجديد، إن «ما لفتني أن الحالات المفيدة، خاصةً بين الهند وباكستان، أُنجزت بطريقة مهنية، هادئة، دبلوماسية تمهيد الأرضية وإيجاد نقاط مشتركة بين الأطراف.» أما آخر إنجازاته فكان إعلان سلام بين أرمينيا وأذربيجان بعد نزاعهما الطويل في منطقة القوقاز.
ووُقع الاتفاق في احتفال فاخر بالبيت الأبيض، وهو يُلزم الجمهوريتين السوفيتيتين السابقتين بالاعتراف المتبادل بالحدود، ونبذ العنف. لكن مفاوضات معقدة تنتظر الطرفين على قضايا دستورية وإقليمية شائكة قبل الوصول إلى اتفاق سلام شامل.
وهذا الاتفاق، حسب الكاتب، يلفت الانتباه لسببين، أولهما الطريقة التي تُبدي بها الدول الأجنبية إعجابها بترامب للحصول على ما تريد،  والثاني نزعة إمبريالية واضحة في كثير من وساطاته. فعلى سبيل المثال، وافق الخصمان على فتح ممر للنقل يمنح الولايات المتحدة حقوق تطويره بالكامل، وسمي «طريق ترامب للسلام والازدهار». وأعلن الرئيس الأذري إلهام علييف، أن «الرئيس ترامب، في ستة أشهر، حقق معجزة.»
وحسب التقرير فإن هذه صفقة ذكية للولايات المتحدة لأنها تواجه نفوذ روسيا وإيران في المنطقة. لكنها ستتطلب متابعة دائمة من ترامب. وكتب سفيران أمريكيان سابقان لدى أذربيجان، روبرت سيكوتا وريتشارد مورنينغستار، في مقال لمجلس الأطلسي، أن «الأمنيات والبيانات اللفظية لا تكفي»، داعين ترامب إلى نشر مسؤولين من وزارة الخارجية والتجارة ووكالات أخرى لتثبيت الاتفاق.
أحد إنجازات ترامب الأخيرة كان في جنوب شرق آسيا، حيث هدد بتجميد اتفاقات تجارية مع تايلاندا، وكمبوديا لوقف حرب حدودية في الشهر الماضي أودت بـ38 على الأقل. وكان الضغط المباشر على قادة البلدين عبر اتصالات هاتفية، فعالاً، وربما لم يكن ليخطر ببال رئيس آخر. ومع ذلك، لم يعمل ترامب بمفرده، إذ أن الاتفاق كان بوساطة رابطة دول جنوب شرق آسيا، آسيان، لكن رئيس وزراء كمبوديا هون مانيت كان يعرف كيف يستثمر الموقف، فرشح ترامب لجائزة نوبل تقديراً لـ»حكمته الاستثنائية».
وسارت باكستان على خطاه ضمن حملة دبلوماسية ناجحة لاستمالة ترامب، وإضعاف خصمها النووي الهند، بعد أن تدخل الرئيس الأمريكي في اشتباك حدودي في مايو -أيار.

 أفريقيا والشرق الأوسط
وأعلن ترامب «انتصاراً مجيداً لقضية السلام» في صفقة وساطة بين رواندا والكونغو الديمقراطية. وتتضمن الاتفاقية خطوات أولية مهمة للاعتراف بالحدود، ونبذ الحرب، ونزع سلاح الميليشيات. غير أن لا أحد يتوقع أن ينتهي الصراع قريباً، خاصةً أن جماعة «إم23» المتمردة المدعومة من رواندا، رفضت الاتفاق.
أما ادعاء ترامب أنه صنع السلام بين مصر وإثيوبيا فمبالغ فيه. فهو يشير إلى النزاع حول سد النهضة الإثيوبي الذي تخشى القاهرة أن يقلص حصتها من مياه النيل الاستراتيجية. ودعا ترامب إلى اتفاق على السد، لكن دون التوصل إلى اتفاق ملزم حتى الآن.
أما ادعاءات البيت الأبيض عن صربيا وكوسوفو فترجع إلى ولاية ترامب الأولى، عندما اتفق الخصمان على خطوات للتطبيع الاقتصادي. لكن حتى الآن، لا توجد علاقات دبلوماسية بينهما، بعد 17 عاماً من إعلان كوسوفو استقلالها عن صربيا. كما أن الجهود الأخيرة للتطبيع، قادها الاتحاد الأوروبي أكثر من فريق ترامب.
في كثير من الجوانب، فإن ادعاءات ترامب إنهاء 6 حروب تعكس نمط رئاسته التي ترفع شعارات انتصارات ضخمة غالباً ما تكون أقل مما هي عليه. لكن هناك بالفعل إنجازات حقيقية في سجله، واحتمالات لاختراقات طويلة الأمد إذا استطاع ترامب التحلي بالجدية والصبر.