هل استعدت واشنطن لروسيا ما بعد بوتين؟
لفت مدير تحرير “فايننشال تايمز” في الولايات المتحدة بيتر سبيغل إلى حقيقة في الصراع في أوكرانيا تستحق التكرار في هذه اللحظة الحاسمة، وهي، أنها مثل كل الحروب الأخرى، ستنتهي. وسيرحل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مثل القادة الآخرين. في الأشهر الماضية، برزت أوقات ظهر فيها أن مؤسسة السياسة الخارجية في الغرب نسيت كل تلك الحتميات، مع قلة قليلة منها قادرة على التفكير في ما وراء هجوم الربيع المضاد. يجب أن تكون نهاية هذه الحرب، بشروط مقبولة من كييف، الأولوية القصوى للغرب، بصرف النظر عمن يجلس في الجانب الآخر من طاولة المفاوضات. كان لمحاولة انقلاب يفغيني بريغوجين، رغم فشلها، تأثير مفيد في تذكير العالم بأن روسيا ستظل على أطراف أوروبا بعد مغادرة بوتين المشهد، وقد يغادر في وقت لم يختره. يجب أن تكون صدمة الغرب من الأحداث المتكشفة بسرعة، وما يبدو من ارتباك الرد، اللحظة التي تذكر فيها واشنطن نفسها بأن التخطيط للسلام لا يقل أهمية عن التخطيط للحرب.
في مقال حديث نشرته فايننشال تايمز، عمد رئيس الوزراء الفنلندي الأسبق ألكسندر ستاب الذي يعد المسؤول المحتمل عن الشؤون الخارجية في المفوضية الأوروبية المقبلة، بصياغة التحدي بهذه الطريقة، خلال القرن الماضي أتيحت الفرصة ثلاث مرات للعالم ليعيد تنظيم نفسه بطريقة من شأنها أن ترفع احتمالات السلام والازدهار إلى حدها الأقصى.
ففي 1919، فشل العالم فشلاً ذريعاً. وفي 1945، بعدما اتعظ من إخفاقات الجيل السابق وصدم من حرب عالمية حقيقية، كان الغرب في الغالب على حق. كانت الفرصة الثالثة في 1989، غير أن الحكم لم يصدر. قال ستاب إن غزو بوتين يفتح نافذة تاريخية شبيهة بتلك السنوات الفاصلة. سيحكم التاريخ إذا كانت 2022 مثل 1919 أو 1945 أو 1989.
قد يبدو من السهل محاولة التوليف السريع لدروس السلام المتفق عليها في نهاية الحربين العالميتين الأولى والثانية والحرب الباردة. في الواقع، إن المكتبات مليئة بالكتب حول هذا الموضوع بالتحديد، ولاحظ سبيغل أن الصحافيين والسياسيين وصانعي القرار يعيدون قراءة الكثير منها. لكن سبيغل يقدم فكرة واحدة تستند حسب تعبيره إلى قراءة غير متخصص للتاريخ وإلى عقدين من إعداد التقارير عن النزاعات. إذا كان ثمة درس واحد لقراءة أحداث باريس في 1919 أو اتفاقيات السلام الأحدث في دايتون في 1995 أو اتفاق يوم الجمعة العظيمة في 1998 فهو أنه لا يمكن أن يكون السلام مستداماً ما لم تكن جميع القوى الكبرى، بما فيها المنهزمة في المعركة ومرتكبي أعمال مروعة، حاضرة حول الطاولة وتعامل على قدم المساواة.
قد يبدو من السهل محاولة التوليف السريع لدروس السلام المتفق عليها في نهاية الحربين العالميتين الأولى والثانية والحرب الباردة. في الواقع، إن المكتبات مليئة بالكتب حول هذا الموضوع بالتحديد، ولاحظ سبيغل أن الصحافيين والسياسيين وصانعي القرار يعيدون قراءة الكثير منها. لكن سبيغل يقدم فكرة واحدة تستند حسب تعبيره إلى قراءة غير متخصص للتاريخ وإلى عقدين من إعداد التقارير عن النزاعات. إذا كان ثمة درس واحد لقراءة أحداث باريس في 1919 أو اتفاقيات السلام الأحدث في دايتون في 1995 أو اتفاق يوم الجمعة العظيمة في 1998 فهو أنه لا يمكن أن يكون السلام مستداماً ما لم تكن جميع القوى الكبرى، بما فيها المنهزمة في المعركة ومرتكبي أعمال مروعة، حاضرة حول الطاولة وتعامل على قدم المساواة.
أدى فشل ذلك إلى تدمير السلام الذي أعقب “الحرب لإنهاء كل الحروب”. إن الولايات المتحدة التي خرجت من الصراع كقوة عالمية لأول مرة في تاريخها عادت إلى شواطئها منغمسة في الانعزالية.
وعوقبت ألمانيا بتعويضات انتقامية. واستبعدت الحركات المناهضة للاستعمار في أفريقيا وآسيا. وبالمثل، يمكن إرجاع إخفاقات 1989 إلى العجز عن دمج المنافستين السابقتين موسكو ومينسك، في هيكل أمني جديد. أطلق ناتو متردداً مبادرة “الشراكة من أجل السلام” والتي شملت جميع الدول السوفياتية السابقة غير العضو في ناتو، وكان هناك أيضاً مجلس ناتو وروسيا. لكن لا أحد في الغرب اعتقد حقاً أن روسيا عضو في النادي. سيبقى ناتو، على حد تعبير أمينه العام الأول، مكاناً لإبقاء الأمريكيين في الداخل، والألمان مقيدين، والروس في الخارج.
وعوقبت ألمانيا بتعويضات انتقامية. واستبعدت الحركات المناهضة للاستعمار في أفريقيا وآسيا. وبالمثل، يمكن إرجاع إخفاقات 1989 إلى العجز عن دمج المنافستين السابقتين موسكو ومينسك، في هيكل أمني جديد. أطلق ناتو متردداً مبادرة “الشراكة من أجل السلام” والتي شملت جميع الدول السوفياتية السابقة غير العضو في ناتو، وكان هناك أيضاً مجلس ناتو وروسيا. لكن لا أحد في الغرب اعتقد حقاً أن روسيا عضو في النادي. سيبقى ناتو، على حد تعبير أمينه العام الأول، مكاناً لإبقاء الأمريكيين في الداخل، والألمان مقيدين، والروس في الخارج.
يرى الكاتب علامات قليلة على استعداد غربي لإعادة دمج روسيا ما بعد بوتين في أسرة الدول المتحضرة. وفي الواقع، يعتقد عكس ذلك تماماً، يناقش الاتحاد الأوروبي حالياً استخدام الأصول الروسية المجمدة لإعادة إعمار أوكرانيا، وهي مبادرة عارضتها ألمانيا التي لديها تاريخ مع العذاب بسبب مطالبة القوى الفائزة بدفع تعويضات ما بعد الحرب.
يبدو أن أكثر الجهود لمعالجة قضية روسيا ما بعد الحرب، هي التي جمعت في الشهر الماضي مجموعة مشرذمة من المعارضين في بروكسل والتي خرجت بانقسامات أكثر مما كانت عليه عندما بدأت. رغم أن الاجتماع المغلق في بروكسل كان جهداً جديراً بالاهتمام، يبقى الغرب في حاجة إلى أن يكون أكثر واقعية. من المحتمل أن يقود روسيا ما بعد بوتين رجل أقرب إلى يفغيني بريغوجين منه إلى أليكسي نافالني. يمكن أن يكون أكثر بلطجة فساداً وشوفينية. ما لا يمكن أن يكون عليه هو أكثر تهديداً للاستقرار.