بعد طلب يمس سيادتها

هل تغيّر كوريا الجنوبية أوراق تحالفها مع واشنطن؟

 هل تغيّر  كوريا الجنوبية أوراق تحالفها مع واشنطن؟


تسود معادلة التحالف بين واشنطن وسول حالة من الإحباط، في ظل ما طلبته الولايات المتحدة مؤخرًا من «مرونة» في عمليات قواتها المتمركزة في كوريا الجنوبية. وأثار طلب واشنطن قلق سول بشأن كيفية التوازن بين «السيادة الوطنية» والاعتماد الأمني على التحالف العسكري مع واشنطن، خصوصًا في ظل التوترات مع جارتها كوريا الشمالية.
جاء ذلك بعد لقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نظيره الكوري الجنوبي لي جاي ميونغ في البيت الأبيض، أمس الأول الاثنين، حيث أعرب عن تطلعه للقاء زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون مستقبلًا، مشيرًا إلى أن علاقته الجيدة به خلال ولايته الأولى قد تساعد على دفع جهود السلام في شبه الجزيرة الكورية قُدمًا. وأوضح خبراء في تصريحات لـ»إرم نيوز» أن هناك عدة ملفات خلافية بين واشنطن وسول، من بينها القضايا التجارية، إذ توصّل الطرفان إلى تخفيض الرسوم الجمركية إلى 15% بعد أن صرح ترامب بأنها 25%، مقابل ضخ استثمارات كورية تقارب 350 مليار دولار في الولايات المتحدة، وهو ما يثير إشكاليات على مستوى التجارة والتعاون الاقتصادي، فضلًا عن الغموض الذي يكتنف ملف التعاون النووي بين البلدين. ويؤكد الخبير في العلاقات الدولية، الدكتور خالد شيات، أن هذه «المرونة الإستراتيجية» التي تطلبها واشنطن من سول ليست موجهة ضد كوريا الشمالية، بل تندرج ضمن إستراتيجية أمريكية أوسع وأكثر دقة تجاه الصين. فالتوازن الإستراتيجي الذي تسعى واشنطن لتحقيقه يقوم على تمكين القوات الأمريكية، التي يبلغ عددها نحو 30 ألف عسكري في كوريا الجنوبية، من التحرك دون الرجوع إلى سول، وهو ما يُعد مساسًا واضحًا بسيادة كوريا الجنوبية.
وأضاف شيات، أن الحديث عن الجانب المقابل لهذه المرونة يشمل بعدين رئيسيين: الأول اقتصادي تجاري يتعلق بالمفاوضات بين سول وواشنطن حول الرسوم الجمركية وقضايا التجارة، وما يرافقها من التزامات استثمارية كورية ضخمة في الولايات المتحدة، والثاني مرتبط بملف التعاون النووي الذي لا يزال يكتنفه الغموض، في ظل مساعٍ أمريكية لإعادة صياغة أدوار إستراتيجية لكوريا الجنوبية في محيط إقليمي تعتبره واشنطن معاديًا، في إشارة إلى الصين.
وتابع أن هذا الوضع يعكس إشكالية قائمة بين الولايات المتحدة وحلفائها التقليديين، الذين يشعرون بأنهم مجرد أدوات في الإستراتيجية الأمريكية بدلًا من أن يكونوا شركاء في التنمية والتعاون الاقتصادي، وهو ما تستفيد منه الصين لإعادة صياغة إستراتيجية مضادة وتعزيز تعاونها مع هذه الدول.
من جانبه، يرى الباحث في الشؤون الآسيوية ناجي عبد الحميد أن توازن كوريا الجنوبية بين السيادة الوطنية والاعتماد الأمني على واشنطن يرتبط حاليًّا بعدم منح «استباحة» كاملة للقوات الأمريكية على أراضيها ومحيطها، ومواجهة ما يعتبره البعض تقاعسًا من إدارة ترامب عن الوفاء بالالتزامات العسكرية والاقتصادية تجاه سول.
وأضاف عبد الحميد أن سول تتبنى في هذا الصدد إستراتيجية «ناعمة» تهدف إلى الحفاظ على التحالف مع الولايات المتحدة، مع عدم التصعيد تجاه كوريا الشمالية. ويظهر ذلك في المناورات السنوية المشتركة «أولتشي فريدوم شيلد»، حيث أبقت سول على مسارات التعاون مع واشنطن من جهة، لكنها قلّصت نحو 40% من التدريبات العسكرية كرسالة تهدئة إلى بيونغ يانغ.
وأشار إلى أن إدارة ترامب تختلف عن إدارة الرئيس السابق جو بايدن في تعاملها مع سول، إذ ينظر ترامب إلى كوريا الجنوبية من زاوية مالية بحتة، وهو ما أدى إلى تأجيل تسليم الكثير من العتاد العسكري المتفق عليه. كما يرى مراقبون أن ترامب يتعامل مع الحليف الكوري الجنوبي كورقة تفاوضية ضمن تفاهمات غير معلنة مع بكين، ولا سيما فيما يتعلق ببحر الصين الجنوبي.
واختتم عبد الحميد بالإشارة إلى أن الإدارة الكورية الجنوبية الجديدة تسعى لضبط مساراتها مع جيرانها دون فتح جبهات عداء مباشرة، إذ يرى الرئيس لي جاي ميونغ أن التهدئة مع بيونغ يانغ هي الخيار الأمثل، وقد بعث بالفعل رسائل في أكثر من مناسبة تؤكد عدم الرغبة في التصعيد مع الشمال.