مشهد معقد ومصالح متشابكة
هل تنجح تركيا في جمع بوتين وزيلينسكي وترامب؟
تعود تركيا في توقيت بالغ الحساسية، إلى الواجهة كمحور دبلوماسي يحاول إعادة تشكيل خطوط التواصل بين أطراف الحرب الأوكرانية.
وتسعى أنقرة إلى عقد لقاء مباشر يجمع الرئيسين الروسي والأوكراني فلاديمير بوتين وفولوديمير زيلينسكي، خاصةً مع دخول ترامب على خط الوساطة بصفته رئيسًا فعليًا للولايات المتحدة.
ويستند الطرح التركي إلى توافق مبدئي كشف عنه وزير الخارجية هاكان فيدان، تزامنًا مع استضافة إسطنبول لجولة مفاوضات غير معلنة رسميًا.
رغم غياب موقف أوكراني حاسم بشأن القمة، فإن تلميحات كييف المتكررة تؤكد أن الانسحاب الروسي الكامل والمساءلة القانونية لا تزال شروطًا غير قابلة للتفاوض.
في المقابل، تسعى أنقرة إلى تكرار نجاحها في اتفاق الحبوب وصفقات تبادل الأسرى، عبر توظيف شبكة اتصالاتها الواسعة مع موسكو وواشنطن وكييف، في محاولة لصناعة مشهد تفاوضي جديد يحظى بدعم دولي. ويرى خبراء، أن تركيا تسعى بجدية لاقتناص فرصة دبلوماسية نادرة قد تعيد رسم مسار الحرب الأوكرانية، عبر جمع قادة الأزمة تحت سقف واحد.
ورغم ما أعلن عن اتفاق مبدئي بين موسكو وكييف لعقد القمة، فإن الشكوك لا تزال قائمة بشأن جدية الأطراف الأساسية، في ظل فجوة سياسية واسعة وانعدام للثقة، ما يجعل أي تقدم مرهونًا بتنازلات مؤلمة لم تتبلور بعد، وفق قولهم.
وأضاف الخبراء أن التحرك التركي، وإن عكس طموحًا إقليميًا واضحًا، يصطدم بتعقيدات المشهد الدولي وتشابك المصالح بين القوى الكبرى، وأن مشاركة ترامب المحتملة تُضفي طابعًا إعلاميًا على المبادرة أكثر منه عمليًا.
وقال د. آصف ملحم، مدير مركز «JSM» للأبحاث والدراسات، إن تركيا تسعى بجدية إلى عقد ما يمكن وصفه بـ»القمة الرباعية». وأضاف ملحم أن نجاح أنقرة في جمع الأطراف المتنازعة سيكون بمنزلة إنجاز دبلوماسي كبير يُحسب لها في مسار تسوية الأزمة الأوكرانية، التي فشلت معظم المبادرات الدولية في التعامل معها حتى الآن. وأكد لـ»إرم نيوز» أن التحدي الحقيقي لا يكمن في الجهود التركية، بل في مدى استعداد روسيا وأوكرانيا للمشاركة الفعلية في هذا اللقاء. وأشار أن كل المؤشرات الحالية لا تعكس وجود نية حقيقية لدى الجانبين، رغم أن أوكرانيا تبدي مرونة نسبية انطلاقًا من قناعتها بأن القمة قد تعيد الزخم إلى المفاوضات. وأشار إلى أن الأزمة لا تزال تراوح مكانها بسبب غياب التوافق على الشروط والمبادئ الأساسية، معتبرًا أن الفجوة السياسية بين الأطراف لا تزال واسعة.
وتابع: «إذا تمكنت أنقرة من جمع بوتين وزيلينسكي وترامب إلى جانب أردوغان، فسيكون ذلك تقدمًا ملموسًا، لكنه لا يعني أن تركيا أصبحت طرفًا في الحل».
ولفت إلى أن نقل المفاوضات إلى الأراضي التركية لم يكن سوى محاولة لإشراك أنقرة في الأزمة، التي تتجاوز ثنائية روسيا وأوكرانيا، باعتبارها في جوهرها صراعًا بين موسكو وحلف الناتو». وعن تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخيرة بشأن تقليص خطة الخمسين يومًا إلى فترة تتراوح بين عشرة واثني عشر يومًا، قال ملحم إن ذلك يعكس استمرار التباين الكبير في المواقف، ويؤكد أن الحلول لا تزال بعيدة.
وأشار إلى أنه رغم العلاقة القوية بين أردوغان وبوتين، فإن تركيا ليست بمنأى عن الانحياز، فهي تقدم دعمًا كبيرًا لأوكرانيا، وتشارك في تحالف الطائرات المسيّرة مع دول غربية.
ولفت ملحم إلى أن الولايات المتحدة ليست جزءًا من الحل، وكل ما طرحه ترامب لا يتجاوز كونه أداة للضغط على روسيا، وأن أوكرانيا باتت ورقة سياسية في صراع استنزاف متبادل، يجري على أرضها تدمير الأسلحة الغربية، وتتكبد فيه روسيا والدول الداعمة خسائر اقتصادية جسيمة.
وأكد أن أزمة الطاقة في أوروبا نتيجة قطع الإمدادات من روسيا خلقت تداعيات اقتصادية خطيرة، زادها تعقيدًا انخراط بعض العواصم الأوروبية بشكل مباشر في الحرب عبر تسليح أوكرانيا.
وتطرق إلى موقف أنقرة من شبه جزيرة القرم، مشيرًا إلى أن تركيا لا تعترف بضم روسيا للقرم، وتراها أرضًا أوكرانية، خاصة أن بعض الأصوات التركية تساءلت، إذا كانت موسكو قد ضمّت القرم بشكل غير قانوني، فلماذا لا تتعامل أنقرة بالمثل في قضايا مشابهة؟
واعتبر ملحم أن الحوار يظل ممكنًا بين مختلف الأطراف، لكنه استبعد أن يتمكن أردوغان من عقد القمة الرباعية، في ظل غياب الحد الأدنى من التوافق السياسي، مؤكدًا أن شروط إنهاء الحرب لم تتوفر بعد. من جهته، رأى ديميتري بريجع، مدير وحدة الدراسات الروسية في مركز الدراسات العربية الأوراسية، أن الحديث عن مفاوضات ناجحة لا يزال سابقًا لأوانه، رغم بعض التصريحات المتفائلة.
وقال بريجع لـ»إرم نيوز» إن إعلان وزير الخارجية التركي هاكان فيدان عن وجود اتفاق مبدئي لعقد قمة رباعية تضم بوتين وزيلينسكي وأردوغان وترامب، يمثل تحركًا دبلوماسيًا جريئًا، لكنه لا يعني أن التسوية باتت وشيكة.
وأكد أن النوايا السياسية لا تكفي، وأن العقبات أمام التسوية الحقيقية تتجلى في الخلافات العميقة، وغياب الثقة، وتشابك الحسابات الإقليمية والدولية.
ورأى بريجع أن أي لقاء دون تفاهمات مسبقة سيظل محصورًا في إطار الاستعراض الإعلامي.
وأردف أن «مشاركة ترامب تعطي المبادرة بُعدًا دعائيًا، لا سيما مع اقتراب انتخابات الكونغرس النصفية، مؤكدًا أن الوجود الأمريكي يُوظّف بشكل أكبر في الحسابات الداخلية، لا في الدفع نحو حل فعلي».
وشدد على أن تركيا تسعى لاستعادة حضورها كوسيط إقليمي، لكن مجرد الاستضافة لا يكفي ما لم تقترن برؤية واضحة وضمانات ملزمة من الأطراف كافة.
وأشار إلى أن السلام لا يُصنع عبر الشاشات، بل خلف الكواليس، عبر تنازلات صعبة وإرادة سياسية حقيقية.