رئيس الدولة والرئيس الروسي يبحثان سبل احتواء التصعيد في المنطقة والاحتكام إلى الحوار
المساعدات الأوروبية لكييف تتضمن معدات عمرها عقود
هل تُعوّض أوروبا تخلي دونالد ترامب عن أوكرانيا؟
دعا عضو هيئة التحرير في صحيفة “واشنطن بوست” لي هوكستايدر إلى عدم الاعتماد على أوروبا لسد الفجوة التي سيخلفها توقف أمريكا عن دعم أوكرانيا، في حال وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مجدداً.
وكتب هوكستايدر أن إدارة بايدن التزمت بتقديم مقدار هائل من المساعدات لأوكرانيا، والتي بلغت تقريباً 75 مليار دولار، خلال الأشهر الثمانية عشر التي تلت الغزو الروســــــي الواسع النطاق. وهذا من دون احتساب طلـــــب الإدارة الأخــــير مبلغــــــاً إضافياً بقيمة 21 مليــــــار دولار. يقترب هذا المبلغ سريعاً من أكثر من نصف إجمالي المساعدات الأمريكية لإسرائيل منذ تأسيسها سنة 1948.
مدهش.. إلى حد ما
من المثير للدهشة أن أوروبا التزمت بشكل جماعي بمبلغ أكبر لمساعدة الأوكرانيين على البقاء، والكفاح وتفادي الانهيار المالي. سيكون هذا منطقياً بالنسبة إلى العديد من الأمريكيين. لقد أشعل الغزو غير الشرعي الذي قام به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شرارة ما يُعَد في نهاية المطاف حرباً أوروبية. ويدرك الكثير من الأوروبيين أن كييف، حتى في الوقت الذي تناضل من أجل وجودها، تصد أيضاً معتدياً يشكل تهديداً خارج حدود أوكرانيا. لكن الجهود المكثفة التي تبذلها القارة ينبغي ألا تحجب واقع أن احتمالات نجاة أوكرانيا سوف تتراجع بدون استمرار القيادة السياسية للولايات المتحدة، وإمداداتها من الأسلحة والدعم المالي.
خيال
في المستقبل المنظور، من الخيالي تصور أن تكون أوروبا قادرة على سد الفجوة إذا خفضت واشنطن دعمها. إن واقع إجراء محادثة عن “سد الفجوة” ينبع بشكل أساسي من الإدراك الواضح لدى حلفاء الولايات المتحدة بأن ترامب يمكن أن يستعيد البيت الأبيض. عندما يقول ترامب إنه سينهي الحرب في غضون “24 ساعة” إذا أعيد انتخابه، فالتهديد الضمني باستخدام حق النقض ضد تقديم المزيد من المساعدات لأوكرانيا، وهو موقف تدعمه بالفعل أغلبية من الجمهوريين، وهو أمر لا يغيب عن ذهن أحد في أوروبا.
أجراس الإنذار
إن خفضاً جذرياً في دعم واشنطن لأوكرانيا سيكون دفعة كبيرة لآمال بوتين في النهضة الإمبراطورية، وإشارة إلى أن الولايات المتحدة تدير ظهرها لأوروبا بعد أكثر من 75 عاماً من القيادة الأمريكية. وسيعرض للخطر استمرارية منظمة حلف شمال الأطلسي، وكذلك الدفاع عن دول خط المواجهة الأطلسية مع طموحات موسكو الانتقامية. وقد يؤدي أيضاً إلى حمام دم في أوكرانيا من خلال إضعاف دفاعات البلاد.
أجراس الإنذار تدق في جميع أنحاء أوروبا. لكنها حتى الآن لا تؤدي إلى بديل للمساعدات الأمريكية لأوكرانيا. بالرغم من كل الجهود التي تبذلها لمساعدة كييف، لا ترقى مساهمات أوروبا النوعية إلى مستوى مساهمات الولايات المتحدة، بصرف النظر عن الأرقام الرئيسية. وليس من الواقعي على الإطلاق أن يتمكن الأوروبيون من مضاعفة مساهمتهم تقريباً للتعويض عن توقف التمويل الأمريكي في سيناريو عودة ترامب.
الفرق بين الدعمين.. ومشاكل بنيوية أخرى
أضاف الكاتب أن المساعدات الأوروبية لأوكرانيا تتضمن معدات سوفيتية كثيرة عمرها عقود من الزمن، ومسحوبة من ترسانات أوروبا الشرقية. إنها أسلحة مفيدة ولكنها ليست بديلاً للأسلحة والذخائر الأمريكية الحديثة. والتعهدات الأوروبية بالدعم المالي لكييف، بما فيها تعهد بمبلغ 55 مليار دولار على مدى 4 أعوام، تكون في كثير من الأحيان عبارة عن قروض، بعكس الدعم الأمريكي الذي يتمثل بشكل أساسي في منح مالية.
وترجع جذور المشكلة الأطول أمداً في تعزيز المساعدات الأوروبية إلى المشاكل الاقتصادية والصناعية واللوجستية، التي تعاني منها القارة. وتشمل العوامل المقيّدة النمو المتعثر في أكبر اقتصادين أوروبيين، ألمانيا وبريطانيا، ومخزونات الأسلحة الهزيلة التي استنزفتها الحرب أكثر، والمصانع وخطوط الإنتاج المغلقة، التي بدأت الآن فقط تستعد لتصنيع الأسلحة، وسوف تحتاج إليها أوكرانيا لحرب من المرجح أن تستمر طويلاً.
ضياع وتردد
إن أعمق عائق أمام القيادة الأمنية الأوروبية هو الإرادة السياسية، أو بالأحرى الافتقار إليها، وهو عجز ظهر بشكل صارخ الشتاء الماضي عندما تباطأ المستشار الألماني أولاف شولتس لأسابيع في إعطاء الضوء الأخضر لنقل دبابات ألمانية من طراز ليوبارد-2 إلى أوكرانيا. فقط عندما تحرك بايدن أولاً، من خلال وعده بإرسال دبابات أبرامز الأمريكية، وافق شولتس.
كما أن الحرب لم تمحُ خطوط الصدع الأمنية في أوروبا، حتى ولو كانت بعض التغييرات ــ مثل دعم فرنسا الأخير لعضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي ــ تنطوي على تحولات ملحوظة. ولا تزال هناك هوة عميقة بين قسم كبير من أوروبا الغربية يطمع بالتقارب في نهاية المطاف مع روسيا، والعديد من دول أوروبا الشرقية، التي تملك وجهة نظر مناهضة بشدة لروسيا، بسبب خضوعها للاتحاد السوفيتي.
عن الجهود المتسارعة
بالرغم من الجهود الأخيرة لتحفيز القوة العسكرية الأوروبية، يحقق فقط 10 من أعضاء الناتو الأوروبيين التسعة والعشرين هدف الحلف المتمثل بإنفاق 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي السنوي على الدفاع. ومن بين هذه الدول، هناك 3 دول فقط من أوروبا الغربية: بريطانيا واليونان وفنلندا. وحتى الدول الكبيرة مثل إيطاليا وإسبانيا لم تقترب بعد من تحقيق هدف الناتو. على النقيض من ذلك، تنفق الولايات المتحدة ما يقرب من 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع. ويتخطى عدد القوات الأمريكية المنتشرة في أوروبا عدد أفراد الخدمة الفعلية في الجيش البريطاني بأكمله.
بعد عقود من الاعتماد على المظلة الأمنية الأمريكية، يدرك العديد من صناع السياسات الأوروبيين أن الاستثمار في أمن أوكرانيا هو بمثابة دفعة أولى للاستثمار في أمنهم. إن جهودهم تتسارع حسب الكاتب، ولكن ليس بالسرعة الكافية لإلغاء التداعيات الكارثية المحتملة للانسحاب الأمريكي.