سؤال يخترق دويّ المدافع:
هل حقا العقوبات الاقتصادية ضد روسيا لا تجدي نفعا؟
- مع اقتراب فصل الشتاء، ومع مخاوف نقص الغاز، تشدد الدعاية الروسية على تكلفة العقوبات على الأوروبيين
- الغرض من العقوبات ليس تغيير سلوك روسيا، بل إضعاف قدراتها على المديين المتوسط والبعيد
-العقوبات هي الوسيط بين عدم القيام بأي شيء والذهاب إلى الحرب
- انخفض تصدير التقنيات المتقدمة إلى روسيا بنسبة 90 بالمائة منذ بداية الحرب
بينما يدعو إيمانويل ماكرون الفرنسيين إلى “قبول دفع ثمن حريتهم وقيمهم”، تدعو مارين لوبان إلى التخلي عن العقوبات المفروضة على روسيا والتي لن تؤدي إلا إلى جعل “ معاناة الشعب الفرنسي». بالنسبة لمارين لوبآن، فإن “العقوبات “ضد روسيا” لا تخدم أي غرض على الإطلاق، باستثناء جعل الشعوب الأوروبية تعاني، وبالنتيجة، الشعب الفرنسي”. في بداية شهر أغسطس، ذهبت رئيسة مجموعة التجمع الوطني في الجمعية الوطنية إلى حد المطالبة “بإلغائها للحيلولة دون ان تجد أوروبا نفسها في مواجهة انقطاع التيار الكهربائي، لا سيما فيما يتعلق بواردات الغاز».
في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، تبنى الاتحاد الأوروبي عقوبات كبيرة ضد موسكو بهدف “فرض عواقب وخيمة على روسيا بسبب أفعالها، والتصدي بشكل فعال لقدرات روسيا على مواصلة العدوان”، يوضح المجلس الأوروبي. “إنني أفكر في شعبنا، الذي سيحتاج إلى قوة معنوية لمواجهة الأوقات المقبلة، ولمقاومة الغموض، وأحيانًا السهولة والمحنة، ومتحدين، وقبول دفع ثمن حريتنا وقيمنا”، صرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، السبت 20 اغسطس.
«قبل أن نسأل عما إذا كانت العقوبات مجدية، يجب أن نسأل أنفسنا أولاً ‘لأي غرض؟’، يوضح أوليفييه شميت، أستاذ العلاقات الدولية في مركز دراسات الحرب في جامعة جنوب الدنمارك. “الذين ينتقدون العقوبات يقولون إنها ‘لا تغيّر سلوك روسيا’، وغالبًا ما ينحصر الجدل في هذه النقطة. ومع ذلك، نحن نعلم – تظهر الدراسات في العلاقات الدولية ذلك -أن تغيير سلوك دولة بفرض عقوبات لا يجدي نفعا أو تكون فاعليته جزئية جدا».
وعلى حد قوله، فإن “الغرض من العقوبات ليس تغيير سلوك روسيا، بل إضعاف قدراتها على المديين المتوسط والبعيد”. بمعنى: فرض الاستنزاف على روسيا، بالإضافة إلى الاستنزاف الذي يمارسه الجيش الأوكراني على الجبهة العسكرية، دون اللجوء إلى القوة. ان “العقوبات هي الوسيط بين عدم القيام بأي شيء على الإطلاق والذهاب إلى الحرب. كما أنها تجعل من الممكن وضع معيار داخل النظام الدولي، من خلال تحديد ما هو مقبول من عدمه».
سباق القدرة
بعد ستة أشهر من بدء الغزو، وعلى الرغم من تعثر الجيش الروسي امام المقاومة الأوكرانية، يبدو أن العقوبات لم يكن لها تأثير واضح على الخطوط الأمامية للجبهة. دخلت روسيا في حالة تخلف عن السداد للمرة الأولى منذ عام 1918. لكن وفق صندوق النقد الدولي، من المتوقع أن ينكمش الاقتصاد الروسي بنسبة 6 بالمائة عام 2022، بينما كانت المؤسسة قد توقّعت انكماشًا بنسبة 8 بالمائة في أبريل الماضي، في حين يراهن البنك الدولي، من جانبه، على انخفاض بنسبة 11 بالمائة. بل أن انفجار أسعار الغاز، الذي دبرته موسكو إلى حد كبير، جعل من الممكن زيادة ميزانيتها الفيدرالية مؤقتًا في بداية العام.
«إنها ليست أداة سحرية: الخصم يتكيف”، يعلق أوليفييه شميت. في الواقع، وجدت روسيا حلولًا، لا سيما من خلال إعادة توجيه أنشطتها إلى دول أخرى لا تفرض عقوبات، مثل تركيا أو الهند أو الصين. مقاومة زائفة، بالنسبة لأوليغ كورينوك، أستاذ الاقتصاد بجامعة كومنولث فيرجينيا، سوابنيل سينغ، الباحث في الاقتصاد في البنك المركزي الليتواني، وستان فيوجر، الباحث في معهد أمريكان إنتربرايز. ففي مقال نشرته فورين بوليسي في يوليو، أكد الخبراء الثلاثة أنه من العبث “الأمل في تجسيد تأثير العقوبات في نفس الإطار الزمني للعمل العسكري”، لكن “الاقتصاد الروسي تضرر بشكل خطير من العقوبات بطريقة ستتضح بشكل متزايد».
وحسب صحيفة نيويورك تايمز، على سبيل المثال، اثرت العقوبات على قدرة روسيا على استيراد الرقائق الإلكترونية التي تزود العديد من أنظمة أسلحتها. وانخفض تصدير التقنيات المتقدمة إلى روسيا بنسبة 90 بالمائة منذ بداية الحرب، في حين أن صناعتها الدفاعية تعتمد بشكل كبير على المواد المستوردة.
«إنه الرهان الموضوع: إضعاف الاقتصاد الروسي وإمداداته في التكنولوجيا الحيوية لتقليل إنتاجه هيكليًا، لأن المخزونات محدودة”، يضيف أوليفييه شميت. و”الرهان برمته بالنسبة للأوكرانيين هو الاستمرار في تلقي دعم الغرب للحفاظ على هذا الاستنزاف في مواجهة روسيا لأطول فترة ممكنة”. وتساهم العقوبات المفروضة على موسكو في هذا، مثلها مثل شحنات الأسلحة المسلّمة إلى كييف.
ثغرات
ومن المعايير الحاسمة الأخرى لقياس فعالية العقوبات قياس فعالية تنفيذها. في نهاية يونيو، اعترف رئيس الوكالة البريطانية المسؤولة عن إنفاذ العقوبات بوجود 70 موظفًا فقط، في حين ارتفع عدد الكيانات التي حددتها العقوبات من 220 إلى 1400 بعد غزو أوكرانيا، وأن نفس الوكالة في الولايات المتحدة لديها أكثر من 300 شخص. لا يزال العديد من الأوليغارش المتهمين بالمشاركة بطريقة أو بأخرى في الحرب الأوكرانية أو إثراء النظام الروسي يتسللون من الشقوق. وقبل أيام قليلة، أشار المعارض أليكسي نافالني الى عدة أشخاص، من بينهم أليكسي ميلر، زعيم شركة الغاز الروسية العملاقة غازبروم. في يونيو، كشف فريق نافالني كيف عمل ميلر لسنوات لإنقاذ خزائن فلاديمير بوتين. وحتى الآن، لم يتم استهدافه بالعقوبات الأوروبية.
بعد غزو القرم عام 2014، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات، منها حظر الأسلحة. ولكن في الواقع، كان هناك “استثناء” يسمح لدول الاتحاد بمواصلة احترام عقود الأسلحة المبرمة مع روسيا قبل عام 2014. تم إلغاء هذا الاستثناء في أبريل الماضي، وتوجد معدات عسكرية أوروبية الآن في الخطوط الأمامية في أوكرانيا. وخصوصا، تدفع أوروبا ثمناً باهظاً لعقود من الارتباط الاقتصادي مع روسيا، يشير أوليفييه شميت. خلال الحرب الباردة، كانت مصادر الأمن والازدهار لأوروبا هي نفسها: أمريكا الشمالية. مع نهاية الحرب الباردة، انفصلت أوروبا عن هذين المصدرين، وعهدت بأمنها إلى الولايات المتحدة، وإمدادات الطاقة لروسيا، ونموها الاقتصادي للصين. يعتقد البعض أن الارتهان المتبادل من شأنه تهدئة العلاقات السياسية. في الواقع، حدث العكس. أصبحت أوروبا مرتهنة للغاز الروسي، مما يمنح روسيا رافعة للإكراه المضاد».
عناصر خطاب
وبينما تُظهر روسيا مرونة صلبة، تواصل مع ذلك الدعوة إلى رفع العقوبات، مدركة جيدًا أنه كلما طال أمد الحرب، زاد تهديدها لاقتصادها وجهودها الحربية. “لو لم يزعجهم الامر، لما كانوا يقضون وقتهم في طلب رفعها”، يلاحظ أوليفييه شميت. مع اقتراب فصل الشتاء، ومع مخاوف من نقص الغاز، ركزت الدعاية الروسية منذ بضعة أشهر على تكلفة العقوبات على الأوروبيين. “مركز ثقل الدول الغربية هو تماسكها الديمقراطي، لذلك للرّوس كل المصلحة في محاولة إضعاف ذاك التماسك بقدر ما يستطيعون”، يلاحظ أوليفييه شميت. وللقيام بذلك، يمكن للكرملين الاعتماد على وسائطه التقليدية، بدءً من الفرنسية مارين لوبان. في مارس الماضي، كشفت مجلة نيولين الأمريكية، كيف ينسق قادة اليمين المتطرف الأوروبي مع موسكو، من خلال نشر وثائق داخلية للمجموعة الإعلامية الروسية “تزار غراد”، التي يملكها الأوليغارش الروسي المحافظ المتطرف كونستانتين مالوفيف، المقرب من فلاديمير بوتين. ولعب مالوفيف دور الوسيط في الحصول على القرض الروسي للتجمع الوطني الفرنسي.
«نعتقد أنه لا تزال هناك إمكانية اليوم لإعادة إقامة اتصالات من أجل عمل منهجي مع المتشككين في أوروبا لمواجهة سياسة العقوبات في بروكسل”، توضح الوثيقة الداخلية في منظمة مالوفيف، التي تذكر من بين الحلفاء الإيطالي ماتيو سالفيني، والفرنسية مارين لوبان. ثم تقترح “تزار غراد” تزويدهم بعناصر خطاب يؤكد أن فرض عقوبات ضد روسيا يتسبب في “ضرر لا يمكن إصلاحه” لاقتصادات أوروبا.
- الغرض من العقوبات ليس تغيير سلوك روسيا، بل إضعاف قدراتها على المديين المتوسط والبعيد
-العقوبات هي الوسيط بين عدم القيام بأي شيء والذهاب إلى الحرب
- انخفض تصدير التقنيات المتقدمة إلى روسيا بنسبة 90 بالمائة منذ بداية الحرب
بينما يدعو إيمانويل ماكرون الفرنسيين إلى “قبول دفع ثمن حريتهم وقيمهم”، تدعو مارين لوبان إلى التخلي عن العقوبات المفروضة على روسيا والتي لن تؤدي إلا إلى جعل “ معاناة الشعب الفرنسي». بالنسبة لمارين لوبآن، فإن “العقوبات “ضد روسيا” لا تخدم أي غرض على الإطلاق، باستثناء جعل الشعوب الأوروبية تعاني، وبالنتيجة، الشعب الفرنسي”. في بداية شهر أغسطس، ذهبت رئيسة مجموعة التجمع الوطني في الجمعية الوطنية إلى حد المطالبة “بإلغائها للحيلولة دون ان تجد أوروبا نفسها في مواجهة انقطاع التيار الكهربائي، لا سيما فيما يتعلق بواردات الغاز».
في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، تبنى الاتحاد الأوروبي عقوبات كبيرة ضد موسكو بهدف “فرض عواقب وخيمة على روسيا بسبب أفعالها، والتصدي بشكل فعال لقدرات روسيا على مواصلة العدوان”، يوضح المجلس الأوروبي. “إنني أفكر في شعبنا، الذي سيحتاج إلى قوة معنوية لمواجهة الأوقات المقبلة، ولمقاومة الغموض، وأحيانًا السهولة والمحنة، ومتحدين، وقبول دفع ثمن حريتنا وقيمنا”، صرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، السبت 20 اغسطس.
«قبل أن نسأل عما إذا كانت العقوبات مجدية، يجب أن نسأل أنفسنا أولاً ‘لأي غرض؟’، يوضح أوليفييه شميت، أستاذ العلاقات الدولية في مركز دراسات الحرب في جامعة جنوب الدنمارك. “الذين ينتقدون العقوبات يقولون إنها ‘لا تغيّر سلوك روسيا’، وغالبًا ما ينحصر الجدل في هذه النقطة. ومع ذلك، نحن نعلم – تظهر الدراسات في العلاقات الدولية ذلك -أن تغيير سلوك دولة بفرض عقوبات لا يجدي نفعا أو تكون فاعليته جزئية جدا».
وعلى حد قوله، فإن “الغرض من العقوبات ليس تغيير سلوك روسيا، بل إضعاف قدراتها على المديين المتوسط والبعيد”. بمعنى: فرض الاستنزاف على روسيا، بالإضافة إلى الاستنزاف الذي يمارسه الجيش الأوكراني على الجبهة العسكرية، دون اللجوء إلى القوة. ان “العقوبات هي الوسيط بين عدم القيام بأي شيء على الإطلاق والذهاب إلى الحرب. كما أنها تجعل من الممكن وضع معيار داخل النظام الدولي، من خلال تحديد ما هو مقبول من عدمه».
سباق القدرة
بعد ستة أشهر من بدء الغزو، وعلى الرغم من تعثر الجيش الروسي امام المقاومة الأوكرانية، يبدو أن العقوبات لم يكن لها تأثير واضح على الخطوط الأمامية للجبهة. دخلت روسيا في حالة تخلف عن السداد للمرة الأولى منذ عام 1918. لكن وفق صندوق النقد الدولي، من المتوقع أن ينكمش الاقتصاد الروسي بنسبة 6 بالمائة عام 2022، بينما كانت المؤسسة قد توقّعت انكماشًا بنسبة 8 بالمائة في أبريل الماضي، في حين يراهن البنك الدولي، من جانبه، على انخفاض بنسبة 11 بالمائة. بل أن انفجار أسعار الغاز، الذي دبرته موسكو إلى حد كبير، جعل من الممكن زيادة ميزانيتها الفيدرالية مؤقتًا في بداية العام.
«إنها ليست أداة سحرية: الخصم يتكيف”، يعلق أوليفييه شميت. في الواقع، وجدت روسيا حلولًا، لا سيما من خلال إعادة توجيه أنشطتها إلى دول أخرى لا تفرض عقوبات، مثل تركيا أو الهند أو الصين. مقاومة زائفة، بالنسبة لأوليغ كورينوك، أستاذ الاقتصاد بجامعة كومنولث فيرجينيا، سوابنيل سينغ، الباحث في الاقتصاد في البنك المركزي الليتواني، وستان فيوجر، الباحث في معهد أمريكان إنتربرايز. ففي مقال نشرته فورين بوليسي في يوليو، أكد الخبراء الثلاثة أنه من العبث “الأمل في تجسيد تأثير العقوبات في نفس الإطار الزمني للعمل العسكري”، لكن “الاقتصاد الروسي تضرر بشكل خطير من العقوبات بطريقة ستتضح بشكل متزايد».
وحسب صحيفة نيويورك تايمز، على سبيل المثال، اثرت العقوبات على قدرة روسيا على استيراد الرقائق الإلكترونية التي تزود العديد من أنظمة أسلحتها. وانخفض تصدير التقنيات المتقدمة إلى روسيا بنسبة 90 بالمائة منذ بداية الحرب، في حين أن صناعتها الدفاعية تعتمد بشكل كبير على المواد المستوردة.
«إنه الرهان الموضوع: إضعاف الاقتصاد الروسي وإمداداته في التكنولوجيا الحيوية لتقليل إنتاجه هيكليًا، لأن المخزونات محدودة”، يضيف أوليفييه شميت. و”الرهان برمته بالنسبة للأوكرانيين هو الاستمرار في تلقي دعم الغرب للحفاظ على هذا الاستنزاف في مواجهة روسيا لأطول فترة ممكنة”. وتساهم العقوبات المفروضة على موسكو في هذا، مثلها مثل شحنات الأسلحة المسلّمة إلى كييف.
ثغرات
ومن المعايير الحاسمة الأخرى لقياس فعالية العقوبات قياس فعالية تنفيذها. في نهاية يونيو، اعترف رئيس الوكالة البريطانية المسؤولة عن إنفاذ العقوبات بوجود 70 موظفًا فقط، في حين ارتفع عدد الكيانات التي حددتها العقوبات من 220 إلى 1400 بعد غزو أوكرانيا، وأن نفس الوكالة في الولايات المتحدة لديها أكثر من 300 شخص. لا يزال العديد من الأوليغارش المتهمين بالمشاركة بطريقة أو بأخرى في الحرب الأوكرانية أو إثراء النظام الروسي يتسللون من الشقوق. وقبل أيام قليلة، أشار المعارض أليكسي نافالني الى عدة أشخاص، من بينهم أليكسي ميلر، زعيم شركة الغاز الروسية العملاقة غازبروم. في يونيو، كشف فريق نافالني كيف عمل ميلر لسنوات لإنقاذ خزائن فلاديمير بوتين. وحتى الآن، لم يتم استهدافه بالعقوبات الأوروبية.
بعد غزو القرم عام 2014، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات، منها حظر الأسلحة. ولكن في الواقع، كان هناك “استثناء” يسمح لدول الاتحاد بمواصلة احترام عقود الأسلحة المبرمة مع روسيا قبل عام 2014. تم إلغاء هذا الاستثناء في أبريل الماضي، وتوجد معدات عسكرية أوروبية الآن في الخطوط الأمامية في أوكرانيا. وخصوصا، تدفع أوروبا ثمناً باهظاً لعقود من الارتباط الاقتصادي مع روسيا، يشير أوليفييه شميت. خلال الحرب الباردة، كانت مصادر الأمن والازدهار لأوروبا هي نفسها: أمريكا الشمالية. مع نهاية الحرب الباردة، انفصلت أوروبا عن هذين المصدرين، وعهدت بأمنها إلى الولايات المتحدة، وإمدادات الطاقة لروسيا، ونموها الاقتصادي للصين. يعتقد البعض أن الارتهان المتبادل من شأنه تهدئة العلاقات السياسية. في الواقع، حدث العكس. أصبحت أوروبا مرتهنة للغاز الروسي، مما يمنح روسيا رافعة للإكراه المضاد».
عناصر خطاب
وبينما تُظهر روسيا مرونة صلبة، تواصل مع ذلك الدعوة إلى رفع العقوبات، مدركة جيدًا أنه كلما طال أمد الحرب، زاد تهديدها لاقتصادها وجهودها الحربية. “لو لم يزعجهم الامر، لما كانوا يقضون وقتهم في طلب رفعها”، يلاحظ أوليفييه شميت. مع اقتراب فصل الشتاء، ومع مخاوف من نقص الغاز، ركزت الدعاية الروسية منذ بضعة أشهر على تكلفة العقوبات على الأوروبيين. “مركز ثقل الدول الغربية هو تماسكها الديمقراطي، لذلك للرّوس كل المصلحة في محاولة إضعاف ذاك التماسك بقدر ما يستطيعون”، يلاحظ أوليفييه شميت. وللقيام بذلك، يمكن للكرملين الاعتماد على وسائطه التقليدية، بدءً من الفرنسية مارين لوبان. في مارس الماضي، كشفت مجلة نيولين الأمريكية، كيف ينسق قادة اليمين المتطرف الأوروبي مع موسكو، من خلال نشر وثائق داخلية للمجموعة الإعلامية الروسية “تزار غراد”، التي يملكها الأوليغارش الروسي المحافظ المتطرف كونستانتين مالوفيف، المقرب من فلاديمير بوتين. ولعب مالوفيف دور الوسيط في الحصول على القرض الروسي للتجمع الوطني الفرنسي.
«نعتقد أنه لا تزال هناك إمكانية اليوم لإعادة إقامة اتصالات من أجل عمل منهجي مع المتشككين في أوروبا لمواجهة سياسة العقوبات في بروكسل”، توضح الوثيقة الداخلية في منظمة مالوفيف، التي تذكر من بين الحلفاء الإيطالي ماتيو سالفيني، والفرنسية مارين لوبان. ثم تقترح “تزار غراد” تزويدهم بعناصر خطاب يؤكد أن فرض عقوبات ضد روسيا يتسبب في “ضرر لا يمكن إصلاحه” لاقتصادات أوروبا.