ارتفعت مع الحرب الروسية الأوكرانية :

هل ستنجح الأصوات المُناهضة للحرب في تضييق أو إلغاء حق «الفيتو » ؟

هل ستنجح الأصوات المُناهضة للحرب في تضييق أو إلغاء حق «الفيتو » ؟

-- تقارير بطرس غالي و الإبراهيمي أرست فكرة الدبلوماسية الوقائية و نهجا متعدد الأبعاد لبناء السلام لكنه لم يتحقق فعليا في الواقع
-- امتيــاز حــق النقض عفــا عليه الزمن و غيــر مُبــرر و يعطـــل إجـــراءات الأمم المتحـدة لحفظ الســــلام
-- الأمم المتحدة ضاعفت من مبادراتها خلال العام الماضي لإيقاف الحرب اصطدمت بالفيتو الروسي


في كتابه الصادر عام 2021 تحت عنوان “ من الممكن الوصول الى عالم أكثر عدلا”  أطلق الرئيس التركي رجب اردوعان رؤية تركية تتمثل في عبارته الشهيرة “ العالم أكبر من خمسة” يرسم من خلالها أسسا لنظام عالمي جديد أكثر استقرارا و سلاما و عدلا عبر تقوية الامم المتحدة و تفعيل دورها القيادي الى جانب هيكلة مجلس الامن بشكل أكثر تنوعا و تمثيلا . في هذا الكتاب طالب أردوغان  ، أيضا  ، بضرورة إلغاء حق النقض ، “ الفيتو” ،  في مجلس الامن الدولي و تفعيل دور الامم المتحدة ، التي تمثل معظم دول العالم تقريبا  ، من اجل تحقيق عدالة عالمية حقيقية و شاملة . و قبل ذلك بسنوات  و تحديدا سنة 2014  ، طالبت فرنسا  أيضا بإلغاء هذا الحق أو على الاقل إصلاحه و ظلت فرنسا ممتنعة طيلة 25 عاما عن استعماله .  مع مرور سنة على الحرب الروسية الأوكرانية و فشل مجلس الامن الدولي في منع وقوع الحرب و في إنهائها ،  و مع تزايد مشاهد الدمار و المعاناة الانسانية ،  و الازمات التي مست الاقتصاد العالمي و تضررت منها كل دول العالم تقريبا ، تَبين للجميع ان الهيئة الاممية الكبرى  المصممة لتامين النظام ، ليست على مستوى المهام المنوطة  بها لوقف الحروب و منع توسعها ، ربما في حالة الازمة الروسية الأوكرانية ، الى حرب عالمية ثالثة .

و من هنا كان تعالي بعض الاصوات  ، شمالا و جنوبا  ، الى ضرورة الغاء  هذا الحق الذي تتلاعب به بعض  الدول الاعضاء الدائمين الخمس بمجلس الامن  لخدمة مصالحها .
الكاتبة السياسية تيموثي أ كلاري نشرت على صفحات “ ذي كونفرسيون “ الاسترالية مقالا حول تاريخ الامم المتحدة مع عمليات تدخل قوات حفظ السلام و  حول إمكانية إلغاء حق النقض و حدود هذه الإمكانية في إنهاء أو على الأقل ايقاف الحرب الروسية الأوكرانية .هنا بعض ما نشر من هذا المقال  ضمن تقارير وكالة الأنباء الفرنسية  غزت روسيا أوكرانيا يوم 24 فيراير 2022 . بعد عام تقريبا من الحرب تظل نتائج الحرب كارثية و ليس هنالك ما يُشير الى أن الصراع سينتهي في أي وقت قريب . فمن الجانبين تبدو المطالب غير قابلة للتوفيق . أثناء تواجدها على الأرض ، تصطدم العزيمة الروسية بمقاومة أوكرانية شرسة مدعومة من قبل العديد من الدول الغربية .
في هذا السياق المُميت ، هل تستطيع منظمة الأمم المتحدة  أن تتصرف بطريقة تؤدي إلى إحلال السلام ؟
 من المؤكد أنها إذا  فشلت في هذا المسعى طوال عام    إلا أنها لا تتراخى في جهودها في هذا الاتجاه.

السلام سبب وجود
 الأمم المتحدة
إن السلام كان الهدف الرئيسي الذي من أجله تم إنشاء الامم المتحدة عام 1945 ، في اعقاب الحرب الأكثر دموية في تاريخ البشرية . لقد نص ميثاقها في الفقرة  الأولى من ديباجته على أن الغرض من الأمم المتحدة هو “ إنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب» .
لقد أجازت  الجمعية العامة للأمم المتحدة  ،حيث لكل دولة عضو صوتٌ واحد ، العديد من القرارات ،خلال العام الماضي  ،بهدف إيقاف الحرب و وقف الغزو الروسي لأوكرانيا . هذه القرارات ليست مُلزمة ، على العكس من القرارات التي يتخذها مجلس الأمن . هذه الأخيرة يجب أن تعتمدها اغلبية تسعة أصوات على الأقل ، من أصل خمسة عشر عضوا ، هم من الأعضاء الخمسة الدائمين و العشرة أعضاء الذين تنتخبهم الجمعية العامة لمدة عامين و ذلك وفقا لمبدأ التناوب . إلا أن مجلس الامن مشلول لأن روسيا تستخدم بشكل منهجي حق النقض ضد أي قرار يُدينها  ،كما كان الشأن يوم 25 فبراير  بشأن قرار”إدانة العدوان الروسي “ ،  و في 30 سبتمبر 2022 بشان القرار الذي يُدين ضم أربع مناطق أوكرانية .

العديد من الإجراءات
 في عام واحد
وعلى الرغم من عرقلة موسكو  لمجلس الامن فإن الجمعية العامة للأمم المتحدة نجحت في إسماع صوتها في مناسبات عديدة ، ففي 22 مارس 2022 اعتمد مجلس الامن قرارا يطالب بانسحاب القوات الروسية  ، و في 7 ابريل اتخذ مجلس الأمن قرارا بتعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الانسان ، و هي الهيئة التابعة للأمم المتحدة التي تضم سبعا و أربعين دولة عضوا موزعة حسب المنطقة الجغرافية ، و تُنتخب بالاقتراع السري  ، و بالأغلبية المطلقة من قبل الجمعية العمومية لمدة ثلاث سنوات .
في شهر مايو الماضي صَوًت مجلس حقوق الانسان قرارا يدعو الى فتح تحقيق في الفظائع المنسوبة الى القوات الروسية . و في يوليو الماضي ساهمت الامم المتحدة في اعتماد اتفاقية للسماح باستئناف صادرات الحبوب الأوكرانية و في شعر نوفمبر اعتمدت الجمعية العامة قرارا يدعو روسيا الى دفع تعويضات الحرب لأوكرانيا إلا ان هذا القرار ظل حبرا على ورق ، و لم تستجب له روسيا .
هذا لا يعني أن الامم المتحدة قد فشلت في تقديم شيء  ملموس لأوكرانيا فمع برامجها و وكالاتها المتخصصة مثل اليونسكو و منظمة الصحة العالمية و منظمة الصحة و الزراعية و منظمة اليونيسيف و برنامج الغذاء العالمي ساعدت الامم المتحدة ، أكثر من 14 مليون اوكراني ،على مدار العام الماضي ،على المستوى الانساني . و يوجد أكثر من 1400 من موظفي الأمم المتحدة في أوكرانيا ممن يقدمون الطعام و المأوى و الاغطية و الأدوية و المياه للمحتاجين من السكان .و قد كانت منظمة اليونيسيف من اوائل الوكالات الأممية التي وصلت الى منطقة خيرسون  التي  نشط فيها العاملون في المجال الإنساني .و تتواصل عمليات الامدادات التي تساهم في انقاذ حياة أكثر من 110 الف شخص ، كما تتواصل عمليات المساعدة على إعادة أنظمة إمدادات المياه الحيوية الى المناطق التي لحقها التدمير و آثار الحرب .
إن الوضع الانساني خطير للغاية بالفعل ، و قد قدًر المفوض السامي لشؤون اللاجئين  أن أكثر من 17 مليون أوكراني قد فروا من اهوال الحرب الى خارج البلاد  ، و هذه أكبر حركة سكانية قسْرية منذ الحرب العالمية الثانية.

مزيد من الأدوات
من أجل السلام
لدى الأمم المتحدة العديد من الأدوات تحت تصرفها سواء من حيث حفظ السلام أو “صون السلام “ أي تدخل القبعات الزرقاء في النزاعات المسلحة  ، او بناء السلام أو “ توطيد السلام “ بمعنى  اتخاذ اجراءات ما بعد النزاع ، مثل تنظيم انتخابات حرة . و منذ 1948  كان لدى الامم المتحدة ادارة عمليات  لحفظ السلام .و منذ ذلك التاريخ وضع مسؤولو الأمم المتحدة أفكارا عديدة لجعل هذا الاجراء أكثر فعالية .
مع تقرير الأمين العام الاسبق بطرس غالي عن “أجندة السلام “  ،الذي تم اعداده عام  1992ِ  ، وضعت الامم المتحدة نفسها في وضع يمكنها من نشر ،  بأكثر سرعة  ، وحدات القبعات الزرقاء التي تتضمن الى جانب العسكريين رجال شرطة و مدنيين يعملون معا ، و من بناء دبلوماسية وقائية   في محاولة لمنع العنف ، و من بناء السلم بعد عمليات النزاع ، و  بناء السلام من خلال معالجة القضايا الاقتصادية و و الاجتماعية و الثقافية و الانسانية .
مع “تقرير الإبراهيمي” عام 2000، ظهرت فكرة القدرة على نشر القبعات الزرقاء بشكل أسرع  ، في ثلاثين يوما ،و مهمة كاملة في تسعين يوما . يتعلق الامر هنا بمسالة تطوير نهج متعدد الأبعاد يشمل كُلاً من حفظ السلام و بناء السلام و لكنه لم يتحقق فعليا في الواقع .
في عام 2008 ، أطلقت الأمم المتحدة “ عقيدة كابستون”  ،التي يُفهم منها  ، أن الأمم المتحدة يجب أن تركز على” ما قبل النزاع “ ،اي منع النزاعات و الصراعات  قبل حدوثها   ، و على ما بعد النزاع  أي على استعادة السلام و بناء الديموقراطية .
في عام 2015 أوصى تقرير الفريق المستقل المعني بعمليات السلام او اللجنة المستقلة رفيعة المستوى لدراسة عمليات السلام ، بعمليات حفظ السلام التي تتكيف بشكل افضل مع التعقيدات الميدانية و الاحتياجات السكانية .
تساهم عمليات حفظ السلام الان ،على سبيل المثال ، في اعادة دمج المقاتلين الســـابقين و تنظيم انتخابات ديموقراطية ، و قد حصلت أكثر من  100  دولة على مساعدة انتخابية منذ عام  1991 .
في عام 2018 اطلق الامين العام انطونيو جوتيريش المبادرة “ العمل من أجل السلام “و استراتيجيتها التنفيذية حول المواضيع الرئيسية  الواسعة التالية :تعزيز الحلول السياسية للنزاعات ،حماية المدنيين ، حماية القبعات الزرقاء ،تحسين أداء العمليات للحفاظ على السلام ، الحفاظ على السلام ، تعزيز الشراكات الإقليمية و تحسين سير العمليات .

تدخل من قوات حفظ السلام
بشكل ملموس ، هل يمكن لوحدات القبعات الزرقاء إثناء القوات الروسية على مواصلة اجتياحها للأراضي الأوكرانية ؟ و بعيدا عن مسالة الامكانية السياسية لهذه العملية ،  فإنه يجب نشر عدد كبير جدا من الرجال و العتاد  . و هل يمكن تخيل امكانية نشر وحدات القبعات الزرقاء الذين توجد اعدادٌ كبيرة منهم من سبعة و تسعين دولة مختلفة  ، من بينها الباكستان و العهد و غانا و بنغلاديش و اثيوبيا ، مِمًا يطرح مسالة تمييع المسؤوليات ، و ذلك بأعداد كبيرة و بمثل هذه الكمية و نوعية التسليح المتطورة ؟
في تاريخ الامم المتحدة استطاعت عملية واحدة هي عملية الامم المتحدة في الكونغو من سنة 1960 الى سنة 1964 ان تحشُد عددا كبيرا جدا من القبعات الزرقاء ، و في ذروة عملية الامم المتحدة في الكونغو كان عدد القبعات الزرقاء المُنضوين تحت هذه العملية  93 الفا من الجنود و من الضباط  ،من اربعة و ثلاثين دولة ، و على الرغم من هذا الحشد  فإن العملية لم تنجح ...

ثلاث سيناريوهات لإنهاء الصراع
يجب أن نتذكر ، رغم ذلك ، انه بالرغم من غياب القبعات الزرقاء عن ساحات المعارك في  أوكرانيا، الا ان هذه الوحدات الاممية التي كُرِمت بجائزة نوبل للسلام عام 1988 ،فانها تعمل في العديد من بلدان العالم .فمنذ إنشاء هذه الوحدات عام 1948 فإنها شاركت في 72 عملية حفظ السلام في العديد من  بقاع العالم  . لقد ارتفع عدد المشاركين في هذه القوات من سنة الى أخرى فبينما كان عددهم 12000 ألفا عام 1996  فإنهم اليوم يُعدون 75000 الفا . و حاليا هم منتشرون في اثنتي عشرة عملية  لحفظ السلام بما في ذلك ستة في إفريقيا و أربعة في الشرق الأوسط .
و إذا ما اُتيحت اليوم فرصة ارسال قوات للقبعات الزرقاء الى أوكرانيا فربما سيساعد وجودها في ردع روسيا عن تنفيذ هجمات مدمرة للغاية ، و لكن الامر غير مؤكد . و لكن تبقى الحقيقة أن مثل هذا الحضور العسكري لقوات حفظ السلام الأممية بأوكرانيا يمكن أن يكون مفيدا  و لكن من اجل ذلك سيتعين على مجلس الامن التصويت بالإجماع لصالح ارسال مثل هذه القوات ، و هو امر لا يمكن تصوره  ، ذلك أن روسيا ستعارضه.

حق النقض : انسداد دائم
لكي تعمل الأمم المتحدة بشكل أكثر فعالية لتعزيز السلام فإنه من الضروري تعليق أو حتى إالغاء حق النقض الذي يشل العديد من الإجراءات التي تتخذها .
تتمتع حاليا، و منذ إنشاء الامم المتحدة ، خمس دول ،و هي فرنسا و الولايات المتحدة و روسيا و المملكة المتحدة  ، التي تعتبر منتصرة في الحرب العالمية الثانية ، بامتياز استعمال حق النقض ، و هو امتياز ، يبدو أن الزمن قد عفا عليه ، و غير مُبرر، و هو يعطل الاجراءات التي يمكن ان تتخذها الامم المتحدة ، كما كان الشأن بالنسبة لسوريا عام 2011 . لم تستخدم فرنسا حق النقض منذ خمسة و عشرين عاما ، و في عام  2014 اقترحت إطارا أو حتى تعليقا لهذا الحق ، عندما تتعامل الامم المتحدة  مع المواقف التي يتواصل فيها العنف الجماعي . لقد تم دعم هذه المبادرة من قِبل أكثر من 106 دولة .

و اليوم كيف يمكن إلغاء حق النقض مع العلم أن روسيا التي تملُكه تستطيع استخدامه لمعارضة هذا الاصلاح ؟
لقد تم اتخاذ خطوة الى الامام في أبريل 2022، عندما اعتمدت الجمعية العامة قرارا يطلب من الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الامن تبرير استخدامهم لحق النقض . هذا على الأقل يجعل من الممكن تنظيم هذا الحق لجعل ممارسته أكثر صعوبة .ينص هذا القرار على امكانية عقد الجمعية اجتماعا في غضون عشرة أيام من ممارسة حق النقض من قِبل عضو أو أكثر من  الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن ، من أجل مناقشة بشان الحالة التي تم فيها استخدام هذا الحق و يكون حينئذ جميع الأعضاء قادرين على فحصه و التعليق عليه .
و اليوم و بعد ما يقرب من عام من بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا ، من الواضح أن الامم المتحدة بحاجة الى إعادة تنشيط ، حتى تتمكن من أداء دورها الاساسي في صنع السلام بشكل فعال . لقد دام هذا النقاش لفترة طويلة ، فهل يمكن للحرب الروسية الأوكرانية أن تتقدم به ؟