هل يتحول العراق إلى ساحة للإفلات من العقاب؟

هل يتحول العراق إلى ساحة للإفلات من العقاب؟


 اعتقلت قوات الأمن العراقية في 26 مايو -أيار  القائد البارز في ميليشيات الحشد الشعبي قاسم مصلح، الذي يقال إنه مسؤول عن هجمات حصلت مؤخراً ضد جنود أمريكيين في المنطقة الخضراء من بغداد.

من خلال اعطائه الأولوية للسيادة العراقية قبل كل شيء، فإن الكاظمي يحاول إرساء توازنٍ في العلاقات مع الولايات المتحدة وإيران واعتقل مصلح بموجب قانون مكافحة الإرهاب وهو متهم أيضاً بالتورط في قتل ناشطين عراقيين. وعلى رغم توقيف ناشطين عراقيين آخرين في ظل حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في السابق، كتبت المحللة في مركز واشنطن للسياسات الأمينة مايا كارلين في موقع مجلة “ناشيونال إنترست” الأمريكية، أن اعتقال مصلح شكل حدثاً بارزاً لأنها المرة الأولى التي يبقى فيها قيادي في فصيل “كتائب حزب الله” في السجن لأكثر من 24 ساعة، على رغم تصاعد الضغط من الميليشيات الإيرانية لإطلاقه.

ويتولى مصلح قيادة عمليات قوات “الحشد الشعبي”، وهي عبارة عن مظلة ينضوي تحت لوائها رجال الميليشيات الذين يتصرفون عادة خارج القانون العراقي. ومنذ توليه مسؤولياته، يعطي الكاظمي أولوية لإلتزامه الحد من التدخل الإيراني في القوات المسلحة وفي الدوائر الحكومية العراقية. وعلى رغم أن “الحشد الشعبي” دخل أول الأمر في إطار جهاز الأمن العراقي عام 2014 للمساعدة في القتال ضد “داعش”، فإن هذه الميليشيات الشيعية تحولت إلى وكلاء شرسين لإيران.

وعلى رغم تعهدات متكررة وقليل من الأفعال لمعالجة التأثير الشائن للميليشيات المدعومة من إيران في البلاد، فإن الكاظمي أخفق في دعم سيادة العراق. ومنذ 2019، وتتهم فصائل الحشد بالمسؤولية عن قتل مئات المحتجين، وعن اغتيال العشرات من الناشطين وعن الإضطرابات الإجتماعية التي تلت ذلك.
وكشفت سلسلة التظاهرات التي أطلق عليها اسم “ثورة الخريف” واجتاحت العراق عام 2019، عن التوغل الإيراني العميق في البلاد. وتعرض المتظاهرون الذين تمردوا على النفوذ الإيراني لنيران قناصة الميليشيات الموالية لإيران.

وبعدما خمدت الإحتجاجات، واصلت مجموعات مختلفة من “الحشد الشعبي” بما فيها “كتائب حزب الله” و”منظمة بدر” قتل المدنيين العراقيين الذين تجرؤوا على الكلام ضد إيران. واغتيلت ريهام يعقوب، الناشطة المناهضة لإيران، في سيارتها في أغسطس (آب) 2020. وقبل أسبوع من مقتلها، قضى الناشط المعارض لإيران تحسين أسامة في شركته. ونجا ناشطون آخرون من محاولات اغتيال في السياق نفسه.

وفي مايو (أيار) 2021، بات إيهاب وزني آخر ضحايا عمليات القتل الممنهجة التي تنفذها إيران. ويقال إن وزني، المعارض البارز للتدخل الإيراني الخبيث في الشؤون العراقية، قُتل على يد قاسم مصلح.

ومن المفاجئ أنه لم يُفرج عن مصلح بعد. وفي الماضي، كان يتم الإفراج فوراً عن أعضاء الحشد الشعبي، مما عزز الإعتقاد السائد بأن الميليشيات المدعومة من إيران يمكنها ارتكاب جرائم القتل والإفلات من العقاب. وفي يونيو (حزيران) 2020، تم اعتقال أكثر من 12 عنصراً من “الحشد الشعبي” كانوا مسؤولين عن إطلاق صواريخ على مصالح أمريكية في بغداد. وفي اليوم التالي، هدد متشددون يُعتقد أنهم ينتمون إلى الميليشيات الإيرانية العديد من المباني الحكومية في أنحاء العراق مزودين بالأسلحة، ليفرج بعدها عن المعتقلين في غضون ساعات.

من الواضح، أن اعتقال مصلح وعدم الإفراج عنه حتى الآن، يشكل تحولاً عن السياسات العراقية السابقة. ويمكن المنطق الذي يسيّر الكاظمي أن يكون متأثراً بلاعبين خارجيين وبالصراع الداخلي على حد سواء. وفي الجولة الأخيرة من النقاشات الأمريكية-العراقية في 7 أبريل (نيسان)، تعهدت الولايات المتحدة انسحاباً كاملاً من العراق من دون أن تحدد جدولاً زمنياً. وتعارض الميليشيات الإيرانية بقوة أي وجود عسكري أمريكي في العراق، وتشن هجمات صاروخية وبواسطة المسيّرات ضد القوات الأمريكية والمراكز الديبلوماسية في المنطقة الخضراء من بغداد على نحوٍ منتظم.

ومن خلال إعطائه الأولوية للسيادة العراقية قبل كل شيء، فإن الكاظمي يحاول إرساء توازنٍ في العلاقات مع الولايات المتحدة وإيران. وإذا ما أظهر للولايات المتحدة أنه لن يدع إيران تعمل بحرية في العراق وأن لا تفلت من العقاب، فربما ترغب الولايات المتحدة عندها في تقديم جدول زمني لسحب قواتها من العراق. وفي الوقت نفسه، فإن وتيرة الهجمات وحجمها من قبل الميليشيات المدعومة من إيران قد تتراجع في حال إقلاع الحكومة العراقية عن سياسة الإفلات من العقاب.