الخطورة في الكمية وطريقة الطهي

هل يستطيع مريض السكري تناول البيض؟

هل يستطيع مريض السكري تناول البيض؟

ظل البيض لعقود طويلة في دائرة الاتهام الطبي يوصف أحياناً بأنه غذاء كامل وغني بالبروتين، وأحياناً بأنه خطر صامت على القلب والسكري. فبين صفار يحمل الكوليسترول وبياض يبشر بالصحة، تاهت الحقيقة بين دراسات متناقضة ومخاوف غذائية متوارثة.ومع تطور الأبحاث الطبية، خصوصاً في مراكز مثل "مايو كلينك" و"كليفلاند كلينك" و"جامعة هارفرد" و"مستشفى الملك فيصل التخصصي"، بدأت الصورة تتضح أكثر حول العلاقة بين البيض ومرض السكري، بعيداً من المبالغات والاتهامات أليمة.

في الماضي كان يعد البيض من روافع الكوليسترول بصورة مباشرة، وأن مريض السكري عليه تجنبه تماماً، لكن هذا التصور تغير مع تراكم الدراسات الحديثة التي أثبتت أن تأثير الكوليسترول الغذائي في الدم يختلف من شخص إلى آخر، وأن الدهون المشبعة والمتحولة هي الخطر الحقيقي لا البيض ذاته.

ماذا تقول الدراسات؟
ذكرت "كلية الطب بجامعة هارفرد" أن تناول بيضة واحدة يومياً لا يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب أو السكتة الدماغية لدى الأصحاء، وأن المشكلة ليست في البيضة، بل في ما يؤكل معها، كالسمن واللحوم الدسمة والمقالي الغنية بالدهون، لكن بالنسبة إلى مرضى السكري، تظل المعادلة أكثر حساسية، لأن أجسامهم تتعامل مع الدهون والكوليسترول بطريقة مختلفة. فاضطراب الأنسولين يجعل الكبد أكثر عرضة لتراكم الدهون، مما يزيد من خطر أمراض القلب، وهو ما يجعل صفار البيض، الغني بالكوليسترول، مكوناً يجب التعامل معه بحذر.
وتشير توصيات مركز "مايو كلينك" إلى أن مريض السكري لا ينصح بتجاوز 200 ملليغرام من الكوليسترول الغذائي في اليوم، أي ما يعادل تقريباً بيضة كاملة واحدة، بينما يفضل الاعتماد على بياض البيض كمصدر للبروتين النقي الخالي من الكوليسترول.
أما "كليفلاند كلينك" فتوضح أن الخطورة ليست في تناول البيض ذاته، بل في الكمية وطريقة الطهي، فالقلي بالدهون المشبعة يحول الطعام الصحي إلى عبء على القلب، بينما السلق أو الشوي مع خضراوات طازجة يجعل الوجبة متوازنة، وإن تناول البيض ضمن نظام يعتمد على الحبوب الكاملة وزيت الزيتون والخضراوات يعد خياراً آمناً وصحياً لمرضى السكري، مقارنة بمن يتناولونه مع النقانق أو الزبدة أو الخبز الأبيض.
دراسات علمية عدة دعمت هذا الاتجاه، إذ أظهرت مراجعة نشرتها "مجلة فرونتيرز في التغذية" عام 2020 أن تناول بيضة يومياً لا يرتبط بزيادة خطر الإصابة بالسكري من النوع الثاني، بل يمكن أن يساعد على ضبط الشهية وتحسين توازن البروتين في الجسم.
أما دراسة أخرى نشرتها المجلة الأميركية للتغذية السريرية، فوجدت أن تناول البيض باعتدال لا يرفع مستوى الكوليسترول لدى مرضى السكري الذين يتبعون نظاماً غذائياً منخفض الكربوهيدرات.
ومع ذلك لا تزال بعض الدراسات، خصوصاً من "جامعة نورث وسترن" الأميركية، تشير إلى أن تناول أكثر من سبع بيضات أسبوعياً يرفع خطر أمراض القلب عند المصابين بالسكري، مما يجعل المسألة مرتبطة بحالة كل مريض على حدة.
في السعودية يؤكد أطباء "مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث" أن الإجابة لا يمكن أن تكون حاسمة، فالأمر يختلف باختلاف المؤشرات الحيوية لكل مريض. من يملك مستويات طبيعية من الكوليسترول وضغط الدم يمكنه تناول البيض باعتدال من دون قلق، بينما ينصح المصابون بارتفاع الدهون أو بأمراض قلبية سابقة بالحد من الصفار إلى بضع مرات أسبوعياً فقط.
ويوضح الأطباء أن بياض البيض خيار مثالي لمرضى السكري، لأنه منخفض السعرات وخالٍ من الدهون تقريباً، وغني بالبروتين المساعد على الشبع وتنظيم مستوى السكر في الدم.
إلا ان "جامعة هارفرد" تلفت إلى أن استجابة الجسم للبيض ليست واحدة عند الجميع، فبعض الأشخاص يملكون ما يعرف بفرط الاستجابة للكوليسترول الغذائي، مما يجعل مستويات الكوليسترول الضار لديهم ترتفع بسرعة أكبر، بينما ترتفع لديهم أيضاً نسبة الكوليسترول الجيد في الوقت نفسه وهو ما يوازن النتيجة النهائية. وتوضح المؤسسة أن النظر إلى البيض يجب أن يكون ضمن النظام الغذائي الكامل، لا كعنصر معزول، لأن تناول البيض مع الخضراوات والزيوت الصحية يختلف جذرياً عن تناوله مع الدهون الحيوانية والمقليات.

فوائد أخرى
ولا يقتصر الحديث على الكوليسترول فحسب، فالبيض مصدر مهم لفيتامين "د" ويؤدي دوراً في تنظيم مستويات الجلوكوز في الدم، ويحوي مادة "الكولين" الضرورية لصحة الكبد والدماغ، إضافة إلى بروتين عالي الجودة يحافظ على كتلة العضلات. وتظهر دراسات أجرتها "جامعة سيدني" أن تناول بيضة واحدة يومياً على مدى عام كامل لم يؤثر سلباً في مرضى السكري من النوع الثاني، بشرط أن يكون ضمن حمية متوازنة غنية بالخضراوات.تؤكد "مايو كلينك" أن الاعتدال هو المعيار الأهم، فبيضة واحدة يومياً تعد كمية آمنة لمعظم مرضى السكري، على أن يراعى نوع الدهون في بقية الوجبات، بينما تفضل "كليفلاند كلينك" تقليل الصفار إلى ثلاث مرات أسبوعياً واستبدال بياض البيض به، خصوصاً لدى من يعانون ارتفاع الكوليسترول.