على القارة العجوز أن تخشى من رئيس أمريكي ضعيف

وول ستريت جورنال: مشاكل أوروبا أكبر من ترامب

وول ستريت جورنال: مشاكل أوروبا أكبر من ترامب


يخشى الأوروبيون من عودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. ويسأل الأستاذ في الجامعة الكاثوليكية الأمريكية جيكوب غرايغل عمن يستطيع أن يلومهم بعد أن قال ترامب إنه سوف «يشجع» الروس على «القيام بكل ما يريدونه على الإطلاق» بالحلفاء الذين لا يدفعون ما يكفي على قطاعاتهم الدفاعية. مع ذلك، يجب أن يوقظ هذا التصريح من يعتقدون في أوروبا أن لا حدود لمخزونات الولايات المتحدة من الموارد والإرادة.
كتب غرايغل في صحيفة «وول ستريت جورنال» أن ترامب يعكس الإحباط الأمريكي المتزايد إزاء العديد من الحلفاء الذين يرفضون مواجهة الواقع الدولي القاسي: أن الخصوم يتسلحون بسرعة، وأن الضمان الوحيد للأمن يظل إنفاقاً عسكرياً ضخماً، وربما غير مستدام، من الولايات المتحدة.
انتهت الإجازة
لقد تمتعت أوروبا بإجازة دامت لعقود زمنية من الالتزامات الملقاة على عاتق أي كيان سياسي: الأمن. بدت الظروف الدولية الحميدة في التسعينات وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين مقدمة لمجتمع عالمي سلمي. أصبح من الواضح الآن أن التقدم نحو الوئام العالمي لا يحدث، وأن تغذية مثل هذه الأوهام أمر خطير.
لقد استيقظ البعض تماماً، وبخاصة على خط المواجهة الشرقي في أوروبا، إلى واقع المنافسة والحرب. لكن دولاً أخرى، مثل ألمانيا وإيطاليا، تنفق أقل بكثير من 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، حيث يذهب الجزء الأكبر من هذه الأموال نحو الأفراد بدلاً من الأسلحة. إذا كان الساسة الأوروبيون يعتقدون أن روسيا تشكل تهديداً خطيراً فسيتعين عليهم الدفع باتجاه الإنفاق الضخم على الدفاع وتعبئة مجتمعاتهم، بما في ذلك شكل من أشكال التجنيد الإجباري، بغض النظر عما يقوله مرشح رئاسي أميركي. وأولئك الذين يشعرون بالقلق في أوروبا من أن القارة معرضة للخطر، لكنهم بعد ذلك يطلبون من الولايات المتحدة حمايتها بتكاليف باهظة، يتسترون على عدم رغبتهم باتخاذ خيارات صعبة.
 ما الحل؟
الحل ليس الاتحاد الأوروبي وفق الكاتب. إن قسماً كبيراً من الخطاب الأوروبي الذي يدين بشكل استباقي رئاسة مستقبلية لترامب يشكل غطاء مفيداً لأولئك الذين يعشقون فكرة الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي. إذا تخلى ترامب عن أوروبا فالخلاص الوحيد، كما يعتقدون، هو إعادة تنشيط الاتحاد الأوروبي ليس فقط بعملة وسوق مشتركتين، بل أيضاً بجيش مشترك ومشتريات مركزية للأسلحة وصناعة دفاعية مشتركة وقيادة عسكرية على مستوى الاتحاد الأوروبي.
ثمة سبب لكون هذا الأمر لم يتحقق. لا تريد دول أوروبا ذلك. لا تهتم البرتغال بحدود بولندا. إستونيا ليست منشغلة بصقلية. تفضل برلين التعامل التجاري مع موسكو بدلاً من القتال من أجل ممر سوفالكي في بولندا. ولن تضع باريس أو روما تطلعاتهما إلى العظمة أو مصالحهما التجارية بين أيدي زعيم من أوروبا الوسطى حتى لو كان زعيماً مستأنساً بطموحات الاتحاد الأوروبي. لا يوجد بديل عملي للدول الأوروبية سوى تعزيز قواتها الوطنية.

أعداؤها مخيفون
على أوروبا أن تخشى من أعدائها. إن اندفاع روسيا العدواني نحو الغرب لن يتوقف حتى بعد خروج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من السلطة. على مدى السنوات العشر الماضية، زادت روسيا إنفاقها الدفاعي بنسبة 300%، في حين زادت دول الاتحاد الأوروبي إنفاقها بنسبة 20% فقط. قد تكون نوعية الأسلحة الغربية أفضل، لكن الحرب في أوكرانيا تظهر أن الكمية مهمة أيضاً. وتنتج روسيا ما بين 20 إلى 30 دبابة جديدة شهرياً، بينما ستحصل ألمانيا على 18 دبابة جديدة من طراز ليوبارد سنة 2025. وتمتلك المملكة المتحدة نحو 40 دبابة جاهزة للنشر.
يضاف إلى هذه الصورة القاتمة عدم الاستقرار على الحدود الجنوبية لأوروبا والذي من المرجح أن يصبح أسوأ مع تسبب الضغوط الديموغرافية في إفريقيا وآسيا بتفاقم تدفق الهجرة نحو الشمال. وهذه مشكلة لن تحلها منظمات التنمية الدولية. هي تتطلب الاستثمار في الأمن، من الحظر البحري إلى تحقيق الاستقرار في شمال أفريقيا، ويشمل كل ذلك نشر الرجال والسفن والطائرات والذخيرة.

مصدر قلق أخير... غير متوقع
أخيراً، يتعين على أوروبا أن تخشى من رئيس أمريكي ضعيف. لم يتبق أمام الرئيس جو بايدن سوى 11 شهراً في إدارته. وإذا تم أخذ الأعوام الثلاثة الماضية باعتبارها مؤشراً لما قد يفعله فستواجه أوروبا مخاطر جسيمة. حتى الآن، تخلت إدارة بايدن عن أفغانستان لمصلحة حركة طالبان وأدامت عمداً الحرب في أوكرانيا من خلال تزويد كييف بما يكفي من الأسلحة حتى لا تطغى عليها روسيا ولكن ليس بما يكفي لهزيمتها ودخلت في حرب مع إيران ووكلائها بدون رؤية واضحة للنصر.
لا يبشر كل هذا بالخير لأوروبا. يريد بايدن تجنب إجراء انتخابات رئاسية في ظل الحروب. لديه مصلحة قوية في التوصل إلى اتفاق مع روسيا، بغض النظر عما قد يعنيه هذا بالنسبة إلى أوكرانيا. إن عدم قدرة الكونغرس على الموافقة على تمويل الدفعة التالية من الأسلحة لأوكرانيا، والذي يرجع جزئياً إلى إصرار الديمقراطيين على تجاهل الأزمات على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة، مفيد لبايدن لأنه يقلل من تعرض أمريكا للحرب ويُعد شروط تجميد النزاع. إن أوكرانيا ــ ومعها الأمن الأوروبي ــ معرضان لخطر التضحية بهما قبل وقت طويل من يوم التنصيب سنة 2025. ينبغي على الأوروبيين أن يخافوا. لكن الهدف الأساسي لخوفهم هو أكثر إلحاحاً. وفق غرايغل، يجب عليهم أن يتسلحوا، بغض النظر عما يقوله رئيس أمريكي أو مرشح رئاسي أمريكي.