محمد بن راشد: التنمية هي مفتاح الاستقرار .. والاقتصاد أهم سياسة
لا يظهر أن هناك أي شخص أفضل منه للتعامل مع الفساد
3 أسباب لإقالة زيلينسكي رؤساء مكاتب التجنيد
أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أنه أقال رؤساء جميع المكاتب الإقليمية للتجنيد العسكري في أوكرانيا، وسيستبدلهم بمحاربين قدامى خدموا في الخطوط الأمامية، وقال زيلينسكي في فيديو: “هذا النظام يجب أن يديره أشخاص يعرفون بالضبط ما هي الحرب ولماذا اللامبالاة والرشوة أثناء الحرب هما خيانة».
تعليقاً على هذا التطور، رأت المراسلة السابقة في موسكو وباريس وواشنطن ماري ديجيفسكي أنه يمكن، في إحدى النواحي، النظر إلى قرار زيلينسكي على أنه أحد أكثر جهوده استهدافاً لاستئصال الفساد وقد كان أحد وعوده الانتخابية سنة 2019، لكن القرار مهم أيضاً، كما كتبت في صحيفة “سبتكتيتور”، لجهة ما قد يقوله عن المزاج العام وعن المدى الذي يحاول فيه الرئيس استباق طبيعة أوكرانيا ما بعد الحرب.
المزاج العام
من الصعب تصديق أن زيلينسكي كان سيأمر بإجراء تحقيق حكومي في التجنيد، ناهيكم عن إقالات واسعة النطاق، لو لم يكن هناك قلقاً عاماً كبيراً حول من يستدعى ومن لا يستدعى للقتال، ومنذ إعلان الأحكام العرفية في أوكرانيا بعد الهجوم الروسي، كان هناك حظر على مغادرة معظم الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و60 عاماً للبلاد.. لكن هناك الآن عدد أكبر بشكل ملحوظ من الرجال الذين ينضمون إلى نسائهم وأطفالهم خارج البلاد، ما يشير إلى أن حظر السفر قد يكون أقل فعالية مما كان عليه، ويشير الأمر أيضاً إلى أن كييف قد تواجه بعض الصعوبة في الحفاظ على أرقام القوة.
روح التطوع التي كانت جلية ومثيرة للإعجاب في الأشهر الأولى من الصراع قد لا تكون على ما كانت عليه تماماً، يُظهر عدد من الفيديوهات المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي أن بعض المسؤولين عن تنفيذ التجنيد، يلجأون إلى تدابير متطرفة إكراهية.. وربما بدأت قائمة الخسائر البشرية الأوكرانية التي تبقى سراً من أسرار الدولة في تمثيل رادع أمام التطوع.
وجدت دراسة حديثة أجراها معهد كييف الدولي لعلم الاجتماع أن 80 في المئة من الأوكرانيين، يعرفون شخصاً ما من دائرتهم المباشرة قد قتل أو جرح خلال القتال، ومهما كانت الأسباب، فإن قيام الرئيس بإقالة جميع رؤساء التجنيد العسكري وسط الحرب، هو مسار عمل صارم للغاية وبالتأكيد ليس شيئاً يختاره أي قائد أعلى، إذا كان يعتقد أن إجراء أقل سيكون كافياً.
نص فرعي
ثانياً، تابعت ديجيفسكي.. قد يكون ثمة أيضاً اعتبار طويل المدى وراء تصرف زيلينسكي.. فعندما يشارك هو أو أي مسؤول أوكراني كبير آخر في تجمع دولي، مثل قمة الناتو الشهر الماضي، ثمة دوماً نص فرعي لما يقال في الجانب الغربي، أولئك الذين لديهم خبرة في التعامل مع أوكرانيا يشعرون بالقلق من الفساد بعدما شاهدوا ببساطة اختفاء مبالغ كبيرة من الأموال.. ويحذر المستثمرون المحتملون من القطاع الخاص كما الحكومات من أن أوكرانيا قد تضطر إلى تنظيف سجلها، إذا كانت تريد تلقي المساعدة الهائلة في إعادة الإعمار التي ستحتاج إليها، ناهيكم عن التأهل للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
الآن، قد يعتبر كثر في أوكرانيا هذا النقد غير عادل، بين تنصيبه وغزو روسيا، ربما فعل زيلينسكي أكثر من أي رئيس سابق لمعالجة الفساد.. صدر تشريع جديد وتم إنشاء محكمة خاصة لمكافحة الفساد، فُصل المسؤولون الحكوميون المراوغون كما يمكن القول إن الحرب قد عملت على الحد من قوة وتأثير العديد ممن يسمون بالأوليغارشيين، الأمر الذي قد يُنظر إليه على أنه يمهد الطريق لأوكرانيا أقل فساداً.
لذلك، هذا سبب آخر وراء رغبة زيلينسكي في التحدث بعبارات قاسية عن الفساد وهو إظهار إدراكه للبلاء وتصميمه على معالجته، وعند إعلانه عن إقالة المسؤولين عن التجنيد، قال إن هناك حالياً 112 قضية جنائية ضد هؤلاء، وإن بعضهم أخذ نقوداً وعملات مشفرة وإن المكاسب غير المشروعة يتم غسلها.. بعبارة أخرى، أراد أن يُظهر أنه يعرف ما يجري.
سيكون من الصعب دوماً التمييز بين مقدار ما يتم الإعلان عنه بدافع الضرورة أو حرية الخيار، وجاء أمر زيلينسكي بالفصل الجماعي بعد تقارير تفيد بأن رئيس مكتب التجنيد في أوديسا جمع الملايين من العملات الأجنبية وامتلك محفظة عقارية في إسبانيا، وثمة تقارير متداولة حول فضيحة تتعلق بشراء وتسعير الزي العسكري.. وفي يناير (كانون الثاني) الماضي، تم اعتقال نائب وزير البنية التحتية فاسيل لوزينسكي، للاشتباه في قيامه بالاختلاس مع تورط أعضاء آخرين في الوزارة، وقد خسروا وظائفهم أيضاً.
السبب الثالث
يتمحور هذا السبب وفق الكاتبة حول سؤال ما إذا كان زيلينسكي يتمتع بالسلطة الفعلية لجعل هذه القرارات ثابتة.. كقائد حرب، لدى زيلينسكي سلطة أوتوقراطية تتجاوز أي شيء يمكن أن يتمتع به كقائد منتخب في وقت السلم، وقد أظهر نفسه على استعداد لاستخدامها.. ومن الأمثلة الصغيرة على ذلك عزله الأخير لسفير أوكرانيا في لندن بسبب تصريحات يبدو أنه اعتبرها غير مخلصة.
في الوقت الحالي، يبدو موقف زيلينسكي غير مواجه لأي تحدٍ، كما أنه لا يَظهر أن هناك أي شخص أفضل منه للتعامل مع الفساد الأوكراني، وحتى مع سلطاته الحربية، لا تزال ممارسات الفساد مكشوفة.. في الأشهر الأولى بعد الغزو الروسي، كان بإمكان مسؤولي التجنيد العسكري في أوكرانيا، الاعتماد على الحماسة الوطنية لتوفير الأعداد.. وفي وقت لاحق، أصبح ذلك أكثر صعوبة فعادوا إلى عادات ما قبل الحرب كالرشوة والفساد.
تأثير النجاح أو الفشل
كان زيلينسكي حريصاً على تفويض المسؤولية لاستبدال رؤساء التجنيد الإقليمي،
وأمر قائد الجيش الجنرال فاليري زالوجني بالبحث عن الدفعة الجديدة من المجندين والأجهزة الأمنية لفحصهم.. ولكن ما مدى فاعلية ذلك وما مدى سرعة حدوثه؟ بإعلانه عن مثل هذا التطهير الشامل، يتخذ زيلينسكي مخاطرة كبيرة.
هذه قضية ذات اهتمام عام واسع في أوكرانيا وسوف يراقب المانحون الأجانب –الحاضرون والمحتملون– بعناية، ويمكن أن يكون لنجاح زيلينسكي أو غير ذلك تأثير في النهاية على مستقبله ومستقبل أوكرانيا حسب ديجيفسكي.