ما أسباب خروج الصفقة عن مسارها ؟

3 عوامل أحبطت تفعيل الاتفاق النووي الإيراني

3 عوامل أحبطت تفعيل الاتفاق النووي الإيراني


أحدثت جملة واحدة قالها الرئيس الأمريكي جو بايدن لأحد المتظاهرين ضجة كبيرة في إسرائيل هذا الأسبوع.
وفقاً لفيديو ظهر حديثاً عن هذه المواجهة الخاطفة التي وقعت في 3 نوفمبر -تشرين الثاني، حث المتظاهر بايدن على إعلان وفاة الاتفاق النووي الإيراني. فأجاب: “لقد مات، لكننا لن نعلن ذلك”، مما يدفن المفاوضات المطولة والمعقدة بين إيران والقوى العالمية حول إعادة تشكيل الاتفاقية، والتي أزعجت إسرائيل بشكل كبير منذ وصول الديمقراطيين إلى السلطة قبل عامين تقريباً، حسب ما أفاد الكاتب والمحلّل الإسرائيلي بين كاسبيت بموقع الـ”المونيتور” الأمريكي.

تقويض الإرهاب
وسارع رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت إلى الاعتراف بزوال الصفقة. وكتب على تويتر: “تمكنَّا من وقف العودة إلى الاتفاق النووي دون إحداث خلاف مع الولايات المتحدة بكل هدوء وحكمة من خلال سلسلة من الإجراءات الدبلوماسية وغيرها».
وأوضح بينيت، الذي خدم في منصبه خلال الأشهر الأولى لإدارة بايدن، إن سياسة حكومته لم تحبط الاتفاق النووي فحسب، بل قوضت أيضاً الإرهاب الذي ترعاه إيران بضرب مهندسيها على الأراضي الإيرانية.
وتابع بينيت: “آمل أن تستمر الحكومة الجديدة على هذا المسار”، في إشارة لاذعة إلى المواجهات التي قام بها سلفه بنيامين نتانياهو مع إدارة أوباما بشأن اتفاقية إيران الأصلية لعام 2015، وهي المواجهات التي أضرت بالعلاقات الأمريكية الإسرائيلية لكنها فشلت في تحقيق الهدف منها.
وقال المحلّل الإسرائيلي بن كاسبيت: يتعارض تعليق بايدن مع التقييمات التي أجرتها وكالات الاستخبارات الإسرائيلية، والتي أبلغت صانعي القرار بعبارات لا لبس فيها قبل بضعة أشهر فقط أن إتمام اتفاق مع إيران كان مجرد مسألة وقت لأن كلا الجانبين كانا مصممًا على إنجازه.
 حتى أن مدير الموســــاد ديفيد برنيع، الذي قاد حملة عامة غير عادية للغاية ضد مثل هذه النتيجة– واجه توبيخاً من خلف بينيت وهو يائير لابيد– شرع في سلسلة من الاجتماعات رفيعة المستوى في واشنطن في سبتمبر -أيلول، فيما وُصف بأنه آخر محاولة لإحباط صفقة وشيكة على ما يبدو.
وأضاف كاسبيت: إذا نظرنا إلى الوراء، فإن برنيع وغيره من كبار المسؤولين يقفون إلى جانب تقييمهم الكئيب للوقت، ويصرون على أن الاتفاق مع طهران كان صفقة منتهية الاكتمال حتى اللحظة الأخيرة.
وقال مسؤول كبير في الموساد لموقع “المونيتور” مؤخراً، شريطة عدم الكشف عن هويته: “كانت الوثائق جاهزة للطباعة من أجل التوقيع عليها من كلا الجانبين».
خروج الصفقة عن مسارها
ما الذي أخرج الصفقة إذن عن مسارها بعدما اتخذت كل من إيران والولايات المتحدة قرارات استراتيجية للمضي قدماً؟
وفقاً لمسؤولي المخابرات الإسرائيلية، هناك ثلاثة عوامل ساهمت في تشكيل هذه النتيجة.
أولاً؛ اندلاع أعمال الشغب في إيران بسبب وفاة الفتاة مهسا أميني في حجز الشرطة في سبتمبر. وذكر مسؤول دبلوماسي لموقع “المونيتور” شرط عدم الكشف عن هويته أن إسرائيل مقتنعة بأنه كلما ازدادت حدة هذه الاحتجاجات، مع إعدام متظاهرين واشتباكات دامية، تراجعت احتمالات إتمام الصفقة النووية. وكان من الممكن تفسير الصفقة على أنها بيع للقيم الديمقراطية وإلحاق ضرر كبير بآفاق الديمقراطيين في منتصف نوفمبر -تشرين الثاني.
التعاون مع روسيا
وكان التعاون العسكري غير المتوقع في الأشهر الأخيرة بين موسكو وطهران أيضاً مساهماً رئيسياً (العامل الثاني) في إغراق الاتفاق النووي. يُنسب لإسرائيل الفضل في كشفها أن إيران تزود روسيا بطائرات مسيَّرة مسلحة لمهاجمة أوكرانيا. وقال مصدر استخباراتي إسرائيلي كبير تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته: “بايدن ببساطة لا يستطيع التعاون مع هذا الأمر. عندما تتجه أنظار العالم إلى الحرب في أوكرانيا، ويتم تعبئة الغرب بأكمله في محاولة لصد العدوان الروسي، لا يمكنك توقيع اتفاقيات مع أولئك الذين أصبحوا موردي أسلحة لقتل المدنيين في كييف وخيرسون».
ولا يقتصر قلق إسرائيل من التعاون بين طهران وموسكو على الملف النووي حتى الآن. هذا المحور الجديد والمفاجئ قد يعرض اسرائيل لمشاكل صعبة وغير متوقعة.
وصرح الجنرال غادي إيزنكوت، رئيس جيش الدفاع الإسرائيلي السابق وعضو الكنيست الحالي في تحالف الوحدة الوطنية، للمونيتور هذا الأسبوع أن توثيق التعاون بين موسكو وطهران يمكن أن يكون له تأثير أيضاً على الجبهة المقاومة لإسرائيل. وأعرب الجنرال عن قلقه بشأن ثقة إيران بالنفس وبقدراتها العسكرية ومجموعة الأسلحة في ترساناتها قائلاً: “هذا تطور مقلق. وعلينا أن نكون مدركين لتداعياته المختلفة».

نشاط إيران
الإرهابي المستمر
العامل الثالث الذي تنسب إليه إسرائيل زوال الاتفاق النووي هو نشاط إيران الإرهابي المستمر. وكشف جهاز الموساد في وقت سابق من هذا العام عن مؤامرة عندما أصدر تسجيلاً لاستجواب أجراه عملاؤه على الأراضي الإيرانية لمسؤول كبير في الحرس الثوري الإسلامي والذي كشف عن خطط لمهاجمة دبلوماسيين في أوروبا بمن فيهم جنرال أمريكي، وهي المؤامرة التي أثارت ردود فعل صادمة في عواصم الغرب وخاصة واشنطن.
وقال مصدر استخباراتي اسرائيلي رفيع إن “هذه الكتلة الحرجة- بما في ذلك الجهود المبذولة لقمع الاحتجاجات المحلية المستمرة بقتل المتظاهرين، ومن بينهم النساء والأطفال- ساعدت الرئيس الروسي بوتين في استمرار قتل المدنيين الأوكرانيين واستمرار انخراط إيران في الإرهاب العالمي مما جعل توقيع الاتفاقية أمراً مستحيلاً».
وخلال الأسابيع الحاسمة التي بدت فيها المفاوضات مع إيران متجهة إلى نهايتها، كان برنيع صريحاً في إخبار المسؤولين الأمريكيين أنه يعلم أنهم قد اتخذوا قرارهم بالفعل للتوقيع، لكن هذه المعلومات الجديدة ظهرت للضوء في هذه الأثناء. وحتى عندما كان الأمريكيون، بحسب المصادر الإسرائيلية، يستمعون ويتداولون، فإنهم شهدوا أمام أعينهم التطورات المذكورة أعلاه. كانت الصفقة ميتة قبل أن تبدأ، ومن غير المرجح أن تتنفس في أي وقت قريب.
مع ذلك، لا يُعد هذا انتصاراً لإسرائيل، برأي الكاتب،. وأفادت صحيفة “هآرتس”، نقلاً عن مصادر إسرائيلية، أن إيران يمكن أن تستخدم التكنولوجيا ذاتها التي تستخدمها للصواريخ في برنامجها الفضائي من أجل صنع صواريخ باليستية تحمل رؤوساً حربيةً نوويةً وتوسيع نطاق صواريخها التقليدية بشكل كبير.
في الوقت نفسه، فإن تخصيب اليورانيوم الإيراني يُعد الآن في أكثر المراحل تقدماً على الإطلاق. يتم تقديم حكومة نتانياهو القادمة على أنها الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل وتخاطر بفقدان قدر كبير من الشرعية الدولية. في غضون ذلك، يتطلع الديمقراطيون في الولايات المتحدة إلى انتخابات 2024 الرئاسية. وهذه التطورات لا تبشر بالخير لإسرائيل، برأي الكاتب، ولا سيما لنتنياهو، الذي حوّل قضية إيران إلى ركيزة أساسية في أجندته. وفي غياب اتفاق مع القوى العالمية، تدرك إيران أن طموحاتها تتمثل في أن تصبح قوة نووية.