عرض في عام 1963

60 عامًا على تصوير الفيلم العالمي كليوباترا في مصر

60 عامًا على تصوير الفيلم العالمي كليوباترا في مصر

60   عامًا مرت على تصوير الفيلم العالمي كليوباترا الذي عرض على شاشات السينما عام 1963م.وفى هذه المناسبة يأخذنا الباحث التاريخى هاني مهنى طة، فى جولة، لنتذكر مناسبة تصوير بعض المشاهد الخاصة بالمعارك الحربية على رمال مدينة إدكو، تلك المدينة الواقعة بين الإسكندرية ورشيد، وقد شارك بعض أبناء إدكو وقتئذ "كومبارس" في الفيلم في مثل هذه الأيام يوليو 1962.

ويقول الباحث هانى مهنى طه لـ "بوابة الأهرام" إن التحقيق الصحفي الذي كتبه عبد النور خليل لمجلة الكواكب مع المصور محمد عبداللطيف، له أهميته لملازمة كاتبه لصُنّاع الفيلم وطاقم العمل ورؤيته للتصوير عن قرب، وقد نشر التحقيق في الكواكب 31 يوليو 1962 بعنوان "أنطونيو يصل إلى الإسكندرية". وبالطبع جاء العنوان "في الإسكندرية" على الرغم من أن التصوير تم في إدكو، ولذلك لشهرة الإسكندرية كما يعرف الجميع..

"جيش جرار يحتل رمال الشاطئ عند أبي قير، (تم التصوير في إدكو) وإدكو، خيام وجياد وحمير، وآلاف من البشر، وحركة دائبة لا تنتهي للسيارات الغادية والرائحة والجرارات الضخمة التي تجر زحافات خشبية أشبه بزحافات الجليد، بعد أن تحمل بمعدات الجيش، أقصد بمعدات التصوير وآلات السينما، ولهجة أهل إدكو تختلط بلهجات كولورادو وكاليفورنيا وويلز في إنجلترا، والسيارات الأمريكية الفخمة موديل 1962 تقف إلى جوار سيارات بليموث موديل 1940م، وأعجب من هذا كله ريتشارد بورتون يمسك بيده "سبحة" ويتجول ويتحدث ويضحك، ولا أحد يهتم به، وهو الذي يهتم به العالم جميعه ويتعقبه محررو ومراسلو الصحف أينما ذهب، ووالتر فاجنر الرجل الكبير الذي يحمل على كاهله 68 عاما يتحرك في بطء مستعينا بعصا فرعونية الشكل، وجوزيف ليو مانكيفيتش يطبق أسنانه على البايب وكرسيه الذي يحمل اسمه يتنقل حوله أينما سار، وأندرو مارتن كالطفل الخجول لا يشعر به أحد، وحولهم 250 أمريكيا بين مصور ومساعد وممرضة جميلة تخاف عدسة المصور، وطبيب شاب يوزع الأدوية والنصائح الطبية و140 من الفنيين العرب وأكثر من 5000 من أهل إدكو وطلبة جامعة الإسكندرية لقد عشت معهم يومين، وفتحت عيني على ألف حقيقة مذهلة، وشهدت هوليود تنتقل إلى إدكو وأبي قير.

ويوضح هانى مهنى طة، إن التحقيق الصحفي يظهر استقبال إدكو لطاقم الفيلم، حيث "قرص الشمس يعلو الأفق كرقعة حمراء مستديرة، ولونه الأرجواني يخف تدريجيا وبشكل رائع مثير حتى يصبح أصفر كقطعة من ذهب وتشرق الشمس، والسيارة تقطع بنا الطريق، طريق رشيد من الإسكندرية، وتتجه بنا إلى حيث يعسكر أغرب جيش رأيته في حياتي جيش من المدنيين يعمل تبعا للأوامر العسكرية الصارمة، وكانت سيارتنا واحدة من قافلة سيارات ضخمة تتجه إلى إدكو.. مائة سيارة تحمل منها رقما مميزا، وعلى جانبي الطريق أكوام من الملح الرشيدي الأبيض تلمع في أشعة الشمس الشاحبة وهي تشرق في الملاحات التي تنتشر في هذه المنطقة، وقطار صغير من قطارات الدلتا يسير في بطء ووهن على الخط الحديدي المفرد الذي ينتهي عند رشيد، والبحيرات الصغيرة التي يكسو نبات السمار جانبًا كبيرًا منها تستقبل قوارب الصيد الصغيرة، والبط المشهور يطير في جماعات أفزعتها القوارب المبكرة، وأصواته كموسيقى إيقاعية تملأ الجو، وبعد ساعة كاملة قطعنا فيها ما يقرب من 60 كيلومترًا، انحرفنًا إلى القرية الصغيرة التي لا يميزها شيء عن قرى هذه المنطقة، قرية إدكو، اللهم إلا هذا الغزو العجيب من سيارات الركوب وسيارات اللوري والناس الذين "يرطنون" على رأي أهل إدكو.

كانت الرحلة الصحفية التى صاحبت فيلم كليوباترا، محفوفة بالمخاطر، فالأرض معرضة لنشع المياه، مما يجعل عجلات السيارات "تغرز" فيها، وقال السائق وكأنه يعتذر لنا: معلهش، كلها كام متر ونوصل الطريق المرصوف، ويوضح الباحث هانى مهنى طة، قام طاقم الفيلم الأمريكي برصف طريق بالحجر الأبيض طوله كيلو مترين ونصف يقود إلى مضارب الخيام على مشارف القرية بالقرب من البحيرات"، ويؤكد هانى مهنى طة، أن الأديب والمؤرخ الراحل محمد محمود زيتون، أورد في كتابه إقليم البحيرة أنه قد تم افتتاح الطريق الساحلي الممتد من محطة إدكو إلى شاطئ البحر، وبلغ طوله ثلاث كيلومترات، وانتهى العمل منه في 15 يوما، وأسهم فيه الأهالي بالتنازل عن الأراضي المملوكة التي شقها الطريق"، مما يجعل مغلومة قيام الطاقم الأمريكي برصف الطريق غير صحيحة، وقد أطلق الأهالي على هذا الطريق زمان السكة البيضاء "شارع البحر". ولولا شق هذا الشارع لما كان هناك طريق ممهد بين الشوارع الصغيرة والحارات الضيقة إلى وسط المدينة بالإضافة إلى أهميته في أنه الطريق المباشر من وسط المدينة إلى شاطئ بحر إدكو.

وفى إدكو تم التمرين على تنظيم عسكري للاشتراك في المعركة التي سيصورها مانكيفيتش مخرج كليوباترا ومعه أندرو مارتون مخرج المعارك، خمسة آلاف رجل بعضهم من أهل إدكو وباقيهم من طلبة جامعة الإسكندرية سيظهرون في لقطات المعركة بين أنطونيو وأوكتافيوس، وسيعودون بالزمن إلى عام 31 قبل الميلاد، وعلى جانب الطريق الأيمن نصبت خيام كبيرة تضم عتاد المعركة من ثياب رومانية وفرعونية ودروع وسيوف وأسرجة للخيل، وأيدي العشرات تعمل، فتيات عربيات يشتركن في إعداد الثياب، وعمال عرب يعدون السروج وينظمونها، وأكثر من 300 جواد تقف في مراطها خلف الخيام، مختلطة بالجمال والحمير، وبعدها عشرات من "المقاطف" و "الأزيار" التي كانت تملأ بالماء وتحملها الحمير لكي لا يموت الجيش المحارب من العطش، والفنيون الأمريكان بعضهم لم يحتمل حرارة الجو، وكانت الشمس قد بدأ تعلو وحرارتها تشتد، فخلع قميصه وبقى عاري الصدر، وكلهم كانوا يتحركون في سرعة وهم يرشدون العرب المشتركين معهم أو يخاطبون العمال الذين يجهزون الثياب أو السروج، بل إن بعضهم كان يحمل في وسطه كل ما قد يحتاج إليه من آلات وهو يعمل اختصارا للوقت.

وفي وسط قافلة السيارات ربضت ثماني مولدات كهربائية ضخمة "جنيتورز" تبلغ قوة كل واحد منها 250 كيلووات، ويقول الباحث هاني مهنى طة، أنه كانت الساعة قد بدأت تزحف إلى الثامنة، والمعسكر كخلية النحل كما يصف تحقيق الكوواكب، وفي الطرف الشمالي من المعسكر رصت عشرات من آلات الحرب "المجانيق" التي كانت سلاحا رهيبا للجيوش في زمن كليوباترا وأنطونيو، وقد صبت كلها، وبجوارها عدد من التماثيل الفرعونية ورأس الملكة كليوباترا، وكانوا في هذه اللحظة يعدون اللقطة الأولى في المعركة، وقد حدد لها مانكيفيتش الساعة الثانية عشرة والنصف، وكانوا يصنعون زحافات من الخشب –تشبه زحافات الجليد- يحملونها بالمعدات لتجرها فوق الرمال جرارات ضخمة، فالسيارات لا تستطيع أن تدخل المنطقة إلا سيارة جيب واحدة –إطاراتها على شكل بالون- تقاوم الرمال، اعتاد أن يركبها مانكيفيتش ومساعدوه وأندرو مارتون.

ويوضح هانى مهنى طة، إن اللقطات الختامية في فيلم كليوباترا التي جاء مانكيفيتش يصورها على رمال إدكو وأبي قير حيث التصوير تم في إدكو فقط، لا يستغرق عرضها على الشاشة أكثر من 5 دقائق، وهي لا تعتبر لقطات كبيرة فيما عدا لقطات المعركة وانسحاب جنود أنطونيو من الرومان لانضمامهم إلى قيصر، أما إليزابيث تايلور كانت قد توجهت إلى قنصليتنا في روما لتطلب فيزا سياحية للحضور إلى الإسكندرية والبقاء قرب بورتون، ولكن طلبها رفض خاصة ولا ضرورة لحضورها فهم لا يحتاجون إليها في التصوير.