Asteroid City... نقد مبطن للتاريخ الأميركي الشعبي وسياسات حكوماته
أما زوارها، فهم متباعدون إلى حد يجعل من حضورهم في ذات البقعة الجغرافية حدثًا في حد ذاته، منهم مصور الحرب متلبد المشاعر أوغي ستينباك (جيسون شوارتزمان) وأولاده الذين يحملون رماد أمهم في علبة طعام بلاستيكية، باحثين عن مأوى أخير لها، إضافة إلى الممثلة ميدج كامبل (سكارلت جوهانسون) وفريق تصويرها ومجموعة من الأطفال العباقرة الذين يشاركون في مؤتمر Junior Stargazer لعالمي الفلك اليافعين وأولياء أمورهم.يكثر الحديث في المدينة/المسرح عن الفضاء الخارجي وكائناته، وتباغتها بين حين وأخرى سفينة فضائية تبدي اهتمامًا واضحًا بكويكب المدينة التاريخي. ينجح الفضائي ذو العنينين الواسعتين خلال ثاني نزلاته الأرضية في سرقة الكويكب، ما يدخل البلدة في وضع الحجر الصحي العسكري، ويدفع أطفالها للبحث عن طرق للتواصل مع الفضائي على الرغم من المحاولات الحكومية للتستّر على الحادثة أمام "العالم الخارجي".
تمزج القصة المؤلفة من شذارت متناثرة بين مغامرات الطفولة ومشاعرها المعقدة، منها الخجل وحب المنافسة، والعلاقات الأكثر تعقيدًا بين البالغين الذين تزدهر صداقاتهم وحبهم من خلال النوافذ الضيقة، إذ يكتفي ميدج وأوغي في التحديق ببعضهما من خلال نافذتي المقصورتين المخصصتين لهما، متشاركين نظرة سينقية للعالم وقناعة في كونهما "شخصين مصابين بجروح كارثية، لا يعبران عن عمق آلامهما لأنهما... لا يريدان ذلك". أما أولاد الثنائي، دينا وودرو، فيقعا في الحب أيضًا، بينما تُلقى اختراعاتهم في أيدي الحكومة الأميركية مجهولة المصير. يدفن الأطفال أمهم بجانب المرحاض، ويعيد الفضائي الكويكب الذي سرقه وسط ذهول البقية وجهلهم بغاياته وماهيته.
من بين تفسيرات كثيرة لهذه الموضوعة الغريبة وكذلك موقعها الجغرافي والجيولوجي، تبرز فكرة استعادة أندرسون للذاكرة الشعبية والأساطير حول الكائنات الفضائية والأجسام الغريبة التي يُعتقد أنها شوهدت في الصحراء الجنوبية الغربية في الولايات المتحدة على مقربة من مواقع التجارب النووية خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. إلا أن أندرسون يقارب تلك الأسطورة، ومن خلفها الحرب النووية، بذات حس الفكاهة الملتوي الذي نجده في فيلم ستانلي كوبريك الشهير Dr. Strangelove or: How I Learned to Stop Worrying and Love the Bomb (1964).
لعل "أسترويد سيتي" هو دعوة للبدء بالقلق من جديد، خاصة أنه يعكس نموذجًا مصغرًا للولايات المتحدة في مرحلة ما بعد الحرب والذعر الذي عم آنذاك خوفًا من الحكومة وممارساتها. لا يؤكد أندرسون أياً من تلك الافتراضات، لكنه يستوحي صوره من الإعلانات والصور التي قدمت المشهد الأميركي خلال الخمسينيات بشكل خالٍ من العاطفة ومفعم في ذات الوقت بالوطنية وقيم الحداثة.اشتغاله على التفاصيل البصرية الدقيقة وإعادة تخيله الزمن الماضي في تنويعات بصرية مذهلة يؤكدان أن أسترويد سيتي ليس فيلم خيال علمي فحسب، بل نقدًا مبطنًا للتاريخ الأميركي الشعبي وسياسات حكوماته على مدى الأعوام الفائتة. ما يبدو كئيبًا على الورق، يغدو في أفلام أندرسون وكأنه نزهة على الشاطئ أو رحلة إلى مدينة الملاهي، فيستعير في "أسترويد سيتي" المشهد المألوف لبلدة صغيرة في منطقة حدودية مهجورة، حيث السماء رمادية والعشب جاف، ويسكب فيها الحياة والزخرفات البصرية لتبدو بيتًا للدمى، كما توصف تشكيلاته البصرية دومًا، لكنه مع ذلك يحمي تعاستها العميقة، فلا يخرب أندرسون المعاناة في صوره، بل يغلفها بطبقات من اللون الزهري والأزرق الفاتح والأخضر والأصفر وغيرها من الألوان المرتبطة بالربيع، متعمدًا اختيار تدرجاتها الباهتة، أي ألوان الباستيل تحديدًا، حتى تعكس قوة الحزن الكامن، وكأن هذا الأخير هو النهر الجوفي لما فوقه ونواة ما نراه أمامنا.