كشفت دراسة حديثة، أصدرها مركز تريندز للبحوث والاستشارات، أن الآونة الأخيرة شهدت تنامي نفوذ تركيا في منطقتي شمال وغرب أفريقيا على عدة مستويات اقتصادية وتكنولوجية وعسكرية، فضلاً عن تمددها في باقي دول القارة، حيث تعدُّ أفريقيا ساحة رئيسية للتنافس والصراع الحالي بين أنقرة وباريس؛ نظراً إلى تزايد ثقل تركيا السياسي والاقتصادي بصورة لافتة داخل القارة على حساب تراجع النفوذ الفرنسي؛ بسبب سياسات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وسياسات فرنسا في ليبيا ومالي، وسوء إدارتها للعلاقات مع الجزائر ذات الدور العسكري البارز في المنطقة، فضلاً عن تصاعد الاحتجاجات في تشاد ضد الوجود الفرنسي.
 
استراتيجية مرنة
وأكدت الدراسة، التي حملت عنوان: “استثمار ممنهج.. كيف وظفت تركيا تراجع النفوذ الفرنسي في شمال وغرب أفريقيا؟” والتي أعدتها ريم الكندي الباحثة بإدارة الدراسات الاستراتيجية في “تريندز”، أن الموقف التركي الذي يتبنى استراتيجية مرنة إزاء محاولة استثمار تراجع الحضور الفرنسي في شمال وغرب أفريقيا، يعكس حرصاً لدى أنقرة على تحقيق اختراقات في أفريقيا، وهو ما حدا بها إلى رفع مستوى التنسيق العسكري مع دول المنطقة، وتعزيز المبادلات التجارية، فضلاً عن توظيف التوترات الراهنة بين باريس ودول الساحل لتقليص نفوذ فرنسا، مبينة حرص تركيا على تعظيم مصالحها وحمايتها في دول المغرب العربي، ما يدفعها إلى استثمار تراجع دور باريس من خلال التزام موقف أكثر تقارباً مع دول شمال أفريقيا وتجمع دول الساحل غرب القارة.

محاصرة فرنسا
وذكرت الدراسة أن الانخراط التركي في دول شمال وغرب أفريقيا يعكس مساعي أنقرة لمحاصرة النفوذ الفرنسي، ولعل ما يعــــــزز هــــــــذا الطـــــرح هو كثافــــة الزيـــــارات المتبادلـــــــة بين المسؤولين الأتراك ومسؤولي هذه الدول..
كما يتوقع أن تطرح أنقرة نفسها بديلاً للدور الفرنسي المتراجع، والتعويل على صورتها الذهنية الإيجابية في الوعي الجمعي لدول هذه المنطقة؛ لكونها لم تكن دولة استعمارية بالمفهوم التقليدي، فضلاً عن تبنيها مبدأ “رابح- رابح” في علاقاتها مع القارة الأفريقية.
وأشارت الدراسة إلى أن أنقرة تستخدم علاقاتها بدول الساحل والجزائر وليبيا كوسيلة للرد على تحركات باريس المضادة للمصالح التركية، فقد اتجهت تركيا مؤخراً نحو توطيد التعاون مع مالي والنيجر وتشاد والجزائر وموريتانيا والمغرب في مجال الصناعات الدفاعية، وذلك رداً على توقيع باريس اتفاقية الشراكة الاستراتيجية مع اليونان في سبتمبر 2021.

مخاوف أمريكية
ومن جانب آخر، بينت الدراسة تصاعد المخاوف الأمريكية من تراجع الدور الفرنسي في منطقة الساحل الأفريقي وشمال القارة، خاصة أن هذا التراجع سمح بتمدد النفوذ الروسي، ومن ثم، ربما تتجه واشنطن نحو دعم الحضور التركي في هذه المناطق، باعتبار أن تنامي نفوذ أنقرة يمكن أن يمثل ثقلاً موازناً لروسيا، فضلاً عن توظيف تركيا كعامل مهم لفرض التوازن في مواجهة النفوذ الصيني المتزايد في غرب أفريقيا، وهو أمر من شأنه أن يفتح آفاقاً جديدة لاستعادة التأثير التركي في الاستراتيجية الأمريكية، ويسمح في الوقت نفسه بتحييد الضغوط الغربية على تركيا في الملفات الخلافية.
وأوضحت أن أنقرة تسعى إلى تعزيز دورها في منطقة شمال وغرب أفريقيا بعد وجود مؤشرات على تصاعد التحديات التي تواجهها في منطقة شرق المتوسط للتنقيب عن مكامن الطاقة بسبب تحركات خصومها الأوروبيين، خاصة باريس، كما أن دخول الانتخابات التركية المقرر لها عام 2023، والتي تتزامن مع تراجع الرصيد التقليدي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية في الشارع التركي، تفرض على النظام الحاكم تحقيق اختراقات خارجية يمكن توظيفها في تحقيق انتصار داخلي، وتعويض شعبية أردوغان.

دوافع تركية
وحددت الدراسة عدداً من الدوافع الرئيسية للتحركات التركية لتعزيز العلاقات مع دول شمال وغرب أفريقيا؛ منها: “فتح أسواق جديدة للسلاح التركي، وإنقاذ الاقتصاد التركي المتعثر، ومنافسة باريس عبر تأسيس روابط جديدة مع دول شمال وغرب أفريقيا تعزز قدرتها على منافسة الوجود الفرنسي، وترسيخ الوجود التركي في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل، وتأمين المصالح التركية في ليبيا، وتعزيز فرصة تركيا كناقل للغاز».