«ردع جديد».. تكامل عسكري بين روسيا وبيلاروسيا لمواجهة «الناتو»

«ردع جديد».. تكامل عسكري بين روسيا وبيلاروسيا لمواجهة «الناتو»


في وقت تعيد فيه خرائط الأمن الأوروبي رسم توازناتها، بدا أن موسكو ومينسك اختارتا الانتقال من مرحلة الشراكة التقليدية إلى مستوى جديد من “التكامل العسكري». 
خلال الساعات الماضية، عقدت الهيئة القيادية العليا لوزارتي الدفاع الروسية والبيلاروسية اجتماعاً لم يكن مجرد لقاء دوري، بل محطة مفصلية، أكدت فيها العاصمتان توسيع مجالات التعاون الدفاعي وتوحيد أنظمة القيادة والاتصال والردع في مواجهة ما تصفانه بـ”التهديدات الغربية المتصاعدة».
وجاء الاجتماع متزامنًا مع تطورات ميدانية حساسة في الحرب الروسية الأوكرانية، دفعت روسيا إلى تعزيز وجودها العسكري في الاتجاه الغربي، في الوقت الذي أتاحت فيه بيلاروسيا استخدام أراضيها منصة دفاع متقدمة على حدود الناتو.
وبحسب التصريحات الرسمية، فقد أُقرت خطة مشتركة بين روسيا وبيلاروسيا لتحديث القدرات القتالية، وتطوير منظومة دفاع جوي موحد، وتفعيل آليات تنسيق فوري للقرارات العسكرية، في إطار ما يُعرف بـ”دولة الاتحاد” بين البلدين التي تحولت فعليًا إلى مظلة أمنية مشتركة تتعامل مع أي تهديد باعتباره استهدافًا للطرفين.
ويرى مراقبون أن هذا التعاون المتسارع يشكّل امتدادًا عمليًا للتكامل الروسي–البيلاروسي في مواجهة الغرب، خاصة بعد تزايد انتشار قوات الناتو في بولندا ودول البلطيق، وتصاعد التدريبات العسكرية المشتركة قرب الحدود الشرقية.
وتتزامن هذه الخطوات مع تفعيل برنامج الشراكة الاستراتيجية للفترة 2026–2030، الذي يركز على دمج الصناعات الدفاعية في البلدين، وتوحيد أنظمة الصواريخ والاتصالات، وتنسيق التدريب والتخطيط العملياتي. 
ويشمل البرنامج شراكات اقتصادية وتجارية وطاقة، تُكرّس مفهوم الاتحاد الأمني والاقتصادي الذي يعزز استقلال البلدين في مواجهة العقوبات الغربية، ويُظهرهما ككتلة واحدة على الساحة الأوروبية.
وتعتبر هذه الإجراءات رسالة واضحة إلى حلف الناتو بأن “أي تهديد لمينسك يُعد تهديدًا لموسكو”، في إشارة إلى ما يمكن وصفه بـ”توازن ردع جديد” في شرق أوروبا.
وترى روسيا وبيلاروسيا أن هذا تحصين ضروري في مواجهة “الحرب الهجينة” التي تشمل العقوبات والعمليات السيبرانية والدعاية السياسية.
وفي ضوء استمرار الحرب في أوكرانيا وتزايد الضغوط الغربية، يبدو أن هذا التحالف لن يتوقف عند حدود التنسيق الدفاعي، بل سيمتد إلى بناء منظومة ردع طويلة الأمد، تجعل من بيلاروسيا بوابة روسيا الغربية وحلقة الوصل الأولى في صراع النفوذ الدائر بين موسكو وحلف الناتو.

من جهتها، تعتبر الدول الغربية هذا التعاون تصعيدًا جديدًا يهدد الأمن الأوروبي، وتعمل على تعزيز دفاعاتها في الجناح الشرقي.

تقارب استراتيجي
المحلل السياسي الخبير في الشؤون الروسية، الدكتور سمير أيوب، قال إن روسيا وبيلاروسيا تشكلان “دولة الاتحاد” بموجب اتفاقيات دفاعية وتعاون متعددة، مشيرًا إلى أن تصاعد الصراع بين موسكو وحلف الناتو، خاصة على الجناح الشرقي، فرض “تقاربًا استراتيجيًا” بين البلدين.
وأكد أيوب في تصريحات لـ”إرم نيوز” أن حشود الناتو المتزايدة على حدود بيلاروسيا تثير قلق موسكو ومينسك، معتبرًا أن بيلاروسيا لا تملك القدرة وحدها على مواجهة قوة الحلف، غير أن التنسيق مع روسيا يمنح الطرفين قدرة ردع متقدمة ضد أي استفزاز أو محاولة اختراق أمني.
وأضاف أيوب أن بعض المحللين يرون أن كالينينغراد قد تكون هدفًا محتملًا في أي مواجهة مقبلة، لكن التنسيق العسكري بين روسيا وبيلاروسيا جعل من البلدين كأنهما كيان واحد في الميدان.
وأشار إلى أن الاتفاقيات الثنائية تسمح لموسكو بنشر صواريخ قصيرة وبعيدة المدى داخل بيلاروسيا، بما فيها تلك القادرة على حمل رؤوس نووية، حال وجود تهديد مباشر للأمن المشترك.
ونوه إلى أن بيلاروسيا قدمت دعمًا لوجستيًا واستخباراتيًا لروسيا خلال الحرب الأوكرانية، وسمحت باستخدام أجوائها ومنعت أي هجمات ضد موسكو من محيطها، وهو ما يعكس عمق الثقة المتبادلة بين البلدين. 
وأكد المحلل السياسي أن موسكو ستدافع عن بيلاروسيا في حال حاولت قوى غربية زعزعة استقرارها، مشيرًا إلى أن الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو تمكن من إحباط محاولات “الثورات الملونة” وحافظ على تماسك الدولة رغم الضغوط.
ولفت إلى أن بيلاروسيا تمثل خط الدفاع الأول لروسيا بعد فقدان أوكرانيا، وأن موقعها الجغرافي يجعلها المنصة الأبرز لأي صدام محتمل مع دول البلطيق وبولندا.
وتابع: “التعاون بين البلدين تجاوز البُعد العسكري ليشمل حقوقًا مدنية متبادلة، منها منح المواطنين حق الإقامة والتصويت في بعض المناطق، ما يعزز التكامل الاجتماعي والثقافي».
وقال إن هذا التعاون العسكري بين موسكو ومينسك هدفه “الردع لا الهجوم”، وإن تصريحات لوكاشينكو حول إمكانية تزويد صواريخ “إسكندر” برؤوس نووية تعكس استراتيجية دفاعية بحتة في مواجهة الناتو.

جذور ثقافية واجتماعية
ومن جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة موسكو، الدكتور نزار بوش، إن التحالف بين روسيا وبيلاروسيا “يتجاوز الطابع العسكري والسياسي” ليشمل جذورًا ثقافية واجتماعية، حيث يجمع الشعبين إرث ديني وهويّة أرثوذكسية مشتركة، إلى جانب اتفاق اتحاد يتيح التنقل والتجارة دون قيود جمركية أو تأشيرات.
وأضاف أستاذ العلوم السياسية، في تصريحاته لـ”إرم نيوز” أن أي اعتداء على أحد البلدين يُعد اعتداءً على الآخر، وفقًا للمعاهدات الأمنية الموقعة بينهما.وذكر أن بيلاروسيا هي الطرف الأكثر حاجة للدعم العسكري الروسي في ظل التهديدات من حلف الناتو، وهو ما يفسر وجود المقاتلات والصواريخ الروسية الحديثة داخل أراضيها، فضلًا عن إشراف موسكو على تدريب طياريها ودعم وحدات النخبة لديها. وأضاف أن هذا التعاون العسكري تعزز بعد عام 2022 نتيجة لتوسع الناتو شرقًا والدعم الغربي لأوكرانيا، ما دفع روسيا إلى توثيق تنسيقها الدفاعي مع بيلاروسيا، سواء في التدريب أو التصنيع العسكري المشترك.
واعتبر أن انتشار قوات الناتو في بولندا ودول البلطيق شكّل دافعًا رئيسًا لتعزيز القدرات الروسية داخل بيلاروسيا، في رسالة ردع لأي تدخل غربي في شؤونها الداخلية.
وأكد بوش أن موسكو تعتبر استقرار بيلاروسيا خطًا أحمر، مشيرًا إلى فشل محاولات غربية سابقة خاصة من بريطانيا والولايات المتحدة لزعزعة الوضع الداخلي هناك.
وأضاف أن الحرب الأوكرانية انعكست مباشرة على التنسيق بين موسكو ومينسك، خاصة بعد حوادث اختراق الطائرات المسيرة القادمة من الحدود الأوكرانية.
وأكد بوش أن الاجتماعات المكثفة بين وزارتي الدفاع في البلدين تهدف إلى تحصين الأمن القومي المشترك ومواجهة مخاطر التمدد العسكري للناتو، مشددًا على أن روسيا لن تسمح بتهديد استقرار حليفها الاستراتيجي على الجبهة الغربية.