من الملح أن تغتنم القوتان اللحظة وتضغطان من أجل نهج جديد

«عالقون في الماضي».. النهج القديم للعلاقات الأمريكية الصينية لم يعد يُثمر

«عالقون في الماضي».. النهج القديم للعلاقات الأمريكية الصينية لم يعد يُثمر

يرى الكاتب والمحلل ستيفن روتش في مقال بصحيفة “فاينناشال تايمز” أن زيارة وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين الأخيرة إلى بكين لم تختلف كثيراً عن زيارة وزير الخارجية أنطوني بلينكن، الكثير من الحديث، ولكن لا يوجد حل هادف للصراع.
وأضاف أنه لا بد أن يكون هناك عزم على إعادة تأسيس العلاقات بدلاً من إعادة التفكير في علاقة مضطربة للغاية. يقول روتش إن الجهود الحالية هي إعادة لصيغة قديمة متعبة من المشاركة بين الولايات المتحدة والصين، حيث تميزت هذه القمم الدورية بين 2006 و2017، ولا سيما الحوارات الاقتصادية الاستراتيجية مرتين سنوياً لإدارة جورج دبليو بوش تليها الحوارات الاستراتيجية والاقتصادية السنوية الأوسع في عهد أوباما. كانت هذه تدريبات كبيرة ومجيدة في التخطيط للأحداث، لكنها فشلت في منع الحرب التجارية وحرب التكنولوجيا والمناوشات المبكرة لحرب باردة جديدة. يبدو الآن أن يلين وبلينيكن لا يرغبان في شيء أفضل من العودة إلى هذا النهج الفاشل، بحسب روتش، كما هو الحال مع الصين، وهذه العلاقة المضطربة للغاية تحتاج إلى أكثر بكثير من مجرد “أرضية” لمنع جولة جديدة من تصعيد الصراع.
ويشير الكاتب إلى أن هذا هو الحد الأدنى الذي يتوقعه الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظيره الصيني شي جين بينغ من بعضهما البعض كزعماء ومسؤولين عن عالم هش.
 
أزمة البالون الصيني
وأعاد روتش الحديث عن أزمة البالون الصيني قائلاً إن الفشل الكبير في بالون فبراير (شباط) هو مثال على مدى السرعة التي يمكن أن تنحرف بها الأمور عن نطاق السيطرة في مواجهة أدنى خلل. هذا الوضع غير المستقر هو نتيجة لا مفر منها لتحول مهم في أولويات إدارة العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، فقد حلت المخاوف بشأن الدفاع والأمن محل التركيز الطويل الأمد على الاقتصاد والتجارة.
ويضيف المحلل أنه على عكس الاقتصاد والتجارة، حيث يتم تقييم تضارب العلاقات من خلال عدسة البيانات الثابتة، يتم الحكم على المخاوف الأمنية بشكل أكبر على أساس افتراضات لا أساس لها من السلوك العدائي. ومن الأمثلة على ذلك استخدام الصين المزدوج للتكنولوجيات المتقدمة، الذي يطمس التمييز بين الأغراض التجارية والعسكرية. تفترض الولايات المتحدة أن الصين ستستخدم الذكاء الاصطناعي كسلاح تماماً كما يعتبر من المسلم به أن شركة هواوي الصينية تشكل تهديداً خلفياً للبنية التحتية لـ “5 جي”، أو أن “تيك توك” ستستخدم بيانات الملكية التي تم جمعها من المستخدمين الأمريكيين الشباب لأغراض شائنة.
وتعمل الصين في ظل نفس العقلية المذعورة، بافتراض أن العقوبات التجارية والتكنولوجية التي تفرضها واشنطن تهدف إلى “الاحتواء الشامل والتطويق والقمع”، على حد تعبير شي جين بينغ في المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني هذا العام.
 
مخاطر التصعيد
ومع عمل كلا البلدين على أساس الافتراض دون دليل، لا يمكن تجاهل مخاطر المزيد من التصعيد، خاصة في مواجهة المخاطر التي تلوح في الأفق على الاستثمار التكنولوجي وصادرات المواد الاستراتيجية.
ويلفت التقرير إلى أن المشاركة على النهج القديم غير مجهزة للتعامل مع هذه المخاطر. ففي النهاية، يعتمد ذلك على الكيمياء من زعيم إلى زعيم، والتي تكون دائماً عرضة للتفاعل الهش بين السياسة الداخلية والحاجة إلى الغرور البشري الهش لحفظ ماء الوجه، وهو النهج الذي تجاوزه الصراع بين الولايات المتحدة والصين اليوم.
لهذا السبب، يرى روتش أن هناك ضرورة في إنشاء أمانة عامة بين الولايات المتحدة والصين باعتبارها محور بنية جديدة للمشاركة الصينية الأمريكية، وهي منظمة دائمة، يعمل بها موظفون متساوون من المهنيين الأمريكيين والصينيين، تقع في ولاية قضائية محايدة ذات اختصاص واسع لتطوير السياسات واستكشاف الأخطاء وإصلاحها وحل النزاعات.
وسيكون تركيزها على دراسة نهج بدوام كامل لإدارة العلاقات وفحص النزاعات. ومن شأن الأمانة العامة أن تحول إطار العلاقة بعيداً عن إضفاء الطابع الشخصي على الدبلوماسية التي لا نهاية لها نحو إضفاء الطابع المؤسسي على حل المشكلات التعاوني.
عالقون في الماضي، يقول روتش، حيث يحتفل الدبلوماسيون الآن بذوبان الجليد الأخير بين البلدين، في حين أن تصعيد التوترات في الوقت الحالي ضعيف، فمن الملح أن تغتنم القوتان اللحظة وتضغطان من أجل نهج جديد تماماً لحل الصراع قبل فوات الأوان.