في مواجهة الحرب في أوكرانيا

آسيا الوسطى تنأى بنفسها عن موسكو...!

آسيا الوسطى تنأى بنفسها عن موسكو...!

-- الهدف من إنشاء الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، هو تعزيز التبادلات الاقتصادية والحد من الحواجز الجمركية
-- «إذا كان هناك ستار حديدي جديد، فلا نريد أن نكون خلفه»
-- على الرغم من المكانة المتنامية للصين في آسيا الوسطى، تظل روسيا شريكًا أساسيًا لدول المنطقة


   تحافظ جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق على علاقات متناقضة مع روسيا بوتين: فهي مرتهنة اقتصاديًا، وتسعى إلى تحرير نفسها من دائرة نفوذ هذا العملاق حتى لا تخاطر بالابتلاع بدورها.
   «نحن لا نعترف باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوهانسك”، مثل هذا التصريح قد يبدو طبيعياً من فم زعيم غربي، خاصة منذ الغزو الروسي في فبراير الماضي. لكن المدهش هو أن يأتي من عبد العزيز كاملوف، وزير خارجية أوزبكستان، وهي دولة تقع في آسيا الوسطى، يُنظر إليها على أنها تدور في فلك نفوذ موسكو.

   حرصت أوزبكستان على عدم مضاعفة هذا النوع من التصريحات العلنية، لكن هذه الرسالة، مع ذلك، هي رمز للقلق العام الذي تشعر به آسيا الوسطى في مواجهة الغزو الروسي لأوكرانيا. “إن رد الفعل كان أكثر عمقًا مما كان عليه في الحروب السابقة”، تشير إيريكا مارات، الأستاذة المشاركة في جامعة الدفاع الوطني في واشنطن، والمتخصصة في آسيا الوسطى، إلى ضم شبه جزيرة القرم عام 2014 أو إلى غزو جورجيا عام 2008. و”يعارض عدد متزايد من الناس في آسيا الوسطى الحرب، بصوت عال».

لم تعد آسيا الوسطى
في خدمة الى بوتين
   لقد تسنّى تنظيم مظاهرات ضد الحرب في كازاخستان، وأيضًا على نطاق أصغر في قيرغيزستان. وأرسلت أوزبكستان وكازاخستان مساعدات إنسانية إلى أوكرانيا، معلنة عنها على الملا. ويتم تغريم الأشخاص الذين يضعون علامة Z على سيارتهم، وهو رمز موجود على الدروع الروسية وتم تبنيه منذئذ لدعم غزو أوكرانيا، في كازاخستان كما في قيرغيزستان.
   في طاجيكستان، فضلت العديد من وسائل الإعلام الامتناع عن تغطية الوضع في أوكرانيا، بناءً على نصيحة سلطات البلاد. وبشكل أكثر تكتمًا، لم تؤيد تركمانستان قرار فلاديمير بوتين. وخلال القرارين في الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 2 و24 مارس، والمطالبة بإنهاء الأعمال العدائية الروسية في أوكرانيا، اختارت جميع دول آسيا الوسطى الامتناع عن التصويت، أو عدم المشاركة في التصويت، بدلاً من التصويت ضد.
   نحن بعيدون عن زلزال جيوسياسي، لكن مثل هذه المواقف مهمة بالنسبة لهذه الدول التي لا تزال تربطها علاقات وثيقة بروسيا. كازاخستان وقيرغيزستان وتركمانستان وأوزبكستان وطاجيكستان، جميعها جمهوريات سوفياتية سابقة، ولا تزال أقليات روسية ذات أهمية في بعض الأحيان تعيش في هذه البلدان، وتبقى اللغة الروسية موجودة هناك، ولها وضع رسمي في كازاخستان وقيرغيزستان. وقد تلقت النخب السياسية في آسيا الوسطى، منهم رؤساء، تعليمها في جامعات روسية كبرى، مثل معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية.

تبعية اقتصادية
   هذه الروابط، يمكن أن تتحول إلى تبعية، لا سيما على المستوى الاقتصادي، للبلدان غير الساحلية جغرافيًا. وفي قطاع الطاقة، تعد شركات غازبروم أو لوك أويل أو روسنفت الروسية، من كبار المستثمرين في كازاخستان وأوزبكستان.
   خصوصا، منذ التسعينات، ذهب العديد من المهاجرين من آسيا الوسطى للعمل في روسيا، والأموال التي يرسلونها إلى بلدانهم الأصلية ضرورية للاقتصاد الوطني. وهذا هو الحال بشكل خاص في طاجيكستان وقيرغيزستان، اللتين تتمتعان بموارد طبيعية أقل من جيرانهما: وفقًا للبنك الدولي، مثلت التحويلات المالية من المهاجرين على التوالي 27 فاصل 3 بالمائة و29 فاصل 4 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي الوطني عام 2020.

   وعلى الرغم من المكانة المتنامية للصين في آسيا الوسطى، التي تعتبرها ممرًا لطريق الحرير الجديد، تظل روسيا شريكًا أساسيًا لدول آسيا الوسطى، وتعتزم البقاء كذلك. عام 2015، كان الهدف من إنشاء الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، الذي في عضويته كازاخستان وقيرغيزستان، هو تعزيز المبادلات الاقتصادية والحد من الحواجز الجمركية.

   ان هذه التبعية سيف ذو حدين. فإذا كانت تحد من هامش المناورة لدول آسيا الوسطى في انتقادها للسياسة الروسية، فيمكنها أيضًا تفسير مخاوفهم بشأن الحرب في أوكرانيا، ورد فعلهم الفاتر على الطموحات الروسية. وبسبب العقوبات الاقتصادية التي فرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ردًا على غزو أوكرانيا، يمكن أن يصبح الاقتصاد الروسي مغلقًا أمام المهاجرين من آسيا الوسطى.

   وقد يكون هذا كابوسًا للعديد من الدول، كتب الصحفي بروس بانير، خبير شؤون المنطقة: “ستقلق الحكومات القرغيزية والطاجيكية والأوزبكية من احتمال استمرار مواطنيها في الذهاب إلى روسيا للعمل، لأنه لا يوجد ما يكفي من الوظائف المتاحة في بلدانهم، ويؤدي ارتفاع عدد العاطلين عن العمل إلى مخاطر الاضطرابات الاجتماعية    أحيانًا، يتم التشكيك في فكرة الاستمرار في الحفاظ على مثل هذه العلاقات الرفيعة مع الجار الروسي. “تتزايد الأصوات ضد التحالف مع روسيا، ولا سيما ضد الاتحاد الاقتصادي الأوراسي ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي”، تشير إيريكا مارات، التي ترى أنه يمكن لهذه البلدان “محاولة الانفصال عن هذه التحالفات، ربما من خلال الحفاظ على عضوية رسمية ولكن بالتوقف عن النشاط داخلها».

سيادة متنازع عليها
   عندما يكون أمنها على المحك، تلجأ آسيا الوسطى أيضًا إلى موسكو. تأسست منظمة معاهدة الأمن الجماعي عام 2002، وتضم أرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وروسيا وطاجيكستان. هذا التحالف العسكري لا يُستخدم فقط لتنظيم التدريبات، وانما للتدخل عند الحاجة لوقف الاضطرابات الداخلية في بعض دوله، من خلاله نشر قوات، منها القوات الروسية.
   ومع ذلك، فإن بعض هذه الدول لم تنتقي كلماتها بشأن الحرب التي تشنها روسيا في أوكرانيا. فقد دعت السلطات الكازاخستانية، مثلا، إلى احترام وحدة أراضي أوكرانيا، واكدت عدم الاعتراف باستقلال الجمهوريات الانفصالية الموالية لروسيا.

  وقال وزير الخارجية الكازاخستاني مؤخرا لصحيفة دي فيلت الألمانية بشأن العقوبات الاقتصادية: “إذا كان هناك ستار حديدي جديد، فلا نريد أن نكون خلفه”. وأضاف مدير ديوان الرئيس توكاييف في مقابلة مع يورو أكتيف: “نحن لا نريد، ولن نخاطر، بأن نوضع في السلة نفسها “مع روسيا».     يمكن تفسير قوة هذه الانتقادات من خلال المخاوف الوجودية التي أثيرت ليس فقط بسبب الحرب، ولكن أيضًا من خلال خطاب السلطات الروسية، التي تنكر قيام دولة أوكرانيا. خطاب يذكرنا بالعديد من الأصوات التي تم رفعها لسنوات للمطالبة بالسيادة الروسية على بعض أراضي تلك الدول، حيث تعيش أقلية كبيرة تتحدث الروسية.

   ومن بين هذه الأصوات العديد من الرجال القوميين، مثل المنشق السوفياتي السابق سولجينتسين، وخاصة فلاديمير بوتين نفسه، بعد فترة وجيزة من ضم شبه جزيرة القرم. “في رؤية بوتين، فإن بعض هذه الدول، تمامًا مثل أوكرانيا، ليست في الحقيقة دولا، ولا يمكنها العمل إلا تحت الحماية الروسية”، توضح إيريكا مارات.

  وإذا لم يكن هناك تخوف من غزو على المدى القصير، فإن هذا السيناريو، الذي بدا وكأنه من الخيال العلمي، يخلق بلا شك، بعض المخاوف اليوم بين حكومات آسيا الوسطى، في ضوء الهجوم الكبير ضد أوكرانيا.